استضاف ملتقى جيكور الثقافي، في جلسته المنعقدة يوم الثلاثاء 4 اذار 2025 بقاعة الشهيد هندال في مقر محلية البصرة للحزب الشيوعي العراقي، المهندس الاستشاري عبدالكريم عاشور ثجيل، المدير العام الأسبق لشركة إنتاج كهرباء الجنوب، والذي يشغل حالياً منصب مستشار في شركة "كار لإنتاج الطاقة". جاءت المحاضرة تحت عنوان "الكهرباء وتحديات صيف 2025"، وأدار الأمسية الكاتب ماجد قاسم، الذي استعرض محطات توليد الطاقة في المنطقة الجنوبية وسيرة الضيف المهنية، قبل أن يبدأ عاشور حديثه بشكر الملتقى على إتاحة الفرصة له لمناقشة هذا الملف الحيوي.
تفاصيل الأزمة: أرقام وتحديات
استعرض عاشور في بداية حديثه مشاكل الطاقة الكهربائية في العراق على مدى العقدين الماضيين، مشيراً إلى أن التحديات المرتقبة صيف 2025 ستكون "الأصعب" بسبب العقوبات الأمريكية المشددة على إيران، المصدر الرئيسي للغاز الذي يُستخدم في تشغيل 30% من محطات التوليد العراقية. وأكد أن "هذه المشكلة تحتاج إلى تعامل خاص واهتمام من أعلى المستويات، مع تفعيل جميع الصلاحيات لتداركها قبل حلول الصيف اللاهب". وكشف المهندس الاستشاري، عن أربعة محاور أساسية يجب العمل عليها بشكل متزامن لمعالجة أزمة الكهرباء في العراق، مشددًا على ضرورة متابعتها بالساعات وليس بالأيام، عبر غرفة عمليات متخصصة تضع جدولًا زمنيًا لا يتجاوز الأول من حزيران لتحقيق النتائج المخطط لها.
محاور الحلول العاجلة (3-6 أشهر)
1- تسريع نشر الطاقة الشمسية للمنازل
دعا عاشور إلى إصدار قرار حكومي فوري بإعفاء مستلزمات الطاقة الشمسية من الضرائب والرسوم الجمركية، وإطلاق حملة توعية مكثفة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لشرح فوائدها، مع تقديم دعم حكومي مباشر أو قروض ميسرة تغطي 50% إلى 70% من تكلفة المنظومة لكل منزل. كما أوصى بتحديد مناطق نموذجية للبدء الفوري، مثل مركز البصرة والمناطق الحديثة، مع إنشاء منصة إلكترونية لتسجيل طلبات المواطنين والتواصل مع الشركات المنفذة. ومن المتوقع أن تسهم هذه الإجراءات في تغطية 40% من استهلاك الكهرباء في البصرة خلال الصيف القادم وتقليل الضغط على الشبكة الوطنية.
2- البحث عن وقود بديل لتشغيل المحطات
اقترح عاشور التفاوض العاجل مع الدول المصدرة للنفط، مثل الكويت والسعودية، لتوريد زيت الوقود (LO) كمصدر بديل للغاز، إلى جانب إعادة تشغيل المصافي المحلية لزيادة إنتاج الوقود اللازم لمحطات الكهرباء، وتحويل بعض المحطات للعمل بزيت الوقود عبر تعديلات فنية سريعة. كما شدد على ضرورة تشديد الرقابة لمنع تسرب الوقود إلى السوق السوداء، متوقعًا أن تساعد هذه الحلول في استمرار تشغيل المحطات بكفاءة منخفضة، ومنع انهيار الكهرباء خلال الصيف القادم.
3- تحسين كفاءة التوزيع والصيانة السريعة
أكد عاشور على ضرورة إعلان حالة الطوارئ في قطاع الصيانة والتعاقد مع شركات خاصة لإصلاح المحطات بأسرع وقت، إلى جانب تشكيل فرق صيانة متنقلة تعمل على مدار الساعة، واستبدال المحولات المتهالكة باستخدام مخزون الطوارئ الحكومي، وتشديد الرقابة على التجاوزات وسرقة الكهرباء. ومن المتوقع أن تسهم هذه الإجراءات في تقليل انقطاعات الكهرباء بنسبة 20-30% خلال الأشهر الستة القادمة.
الحلول المتوسطة الأمد (6-24 شهرًا)
1- إنشاء محطات طاقة شمسية كبيرة
شدد عاشور على أهمية تفعيل المناقصات المتوقفة لمشاريع الطاقة الشمسية، والتي تقدر بنحو 2900 ميغاواط في المنطقة الجنوبية، وتقديم ضمانات حكومية لشراء الكهرباء من هذه المحطات بأسعار مدروسة، مما سيسهم في زيادة الإنتاج الكهربائي بنسبة 20-30% خلال فترة قصيرة.
2- تطوير شبكات النقل والتوزيع
شملت الحلول المتوسطة تطوير مراكز التحكم في الكهرباء باستخدام تقنيات حديثة، وإلزام الشركات الصناعية الكبرى بتركيب محطات توليد خاصة بها لتخفيف الضغط على الشبكة، إضافة إلى نصب عدادات ذكية في المنازل والمصانع لمراقبة الاستهلاك وتقليل الهدر. ووفقًا لعاشور، فإن هذه الإجراءات ستساعد في تقليل الضياعات الكهربائية بنسبة 10-15%.
3- الاستثمار في الغاز المصاحب
دعا عاشور إلى منع حرق الغاز المصاحب في الحقول النفطية وتحويله إلى معامل معالجة الغاز، وتسريع تنفيذ المشاريع بالتعاون مع الشركات الأجنبية، وتحفيز الاستثمار المحلي عبر تقديم تسهيلات للشركات. ومن شأن هذه الإجراءات توفير مصدر مستدام من الغاز وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
الحلول الاستراتيجية (أكثر من سنتين)
1- بناء محطات كهرباء جديدة تعمل بالطاقة المتجددة والوقود الثقيل
أكد عاشور على ضرورة التفاوض مع دول متقدمة لإنشاء محطات طاقة بخارية بسعات عالية تصل إلى 3000 ميغاواط لكل محطة، والتوسع في بناء محطات الرياح والطاقة الشمسية في المناطق الصحراوية، مع إصدار تشريعات تدعم الاستثمار طويل الأمد في قطاع الكهرباء.
إجراء حكومي عاجل مطلوب فورًا
وشدد عاشور على أن الإجراء الأسرع الذي يجب أن تتخذه الحكومة هو نصب الطاقة الشمسية مباشرة للمستهلكين، بدعم حكومي، مع ضرورة تحصين المشروع من تدخلات الجهات النافذة التي تتربح من المشاريع الحكومية. وأوصى بإنشاء هيئة مستقلة من خبراء في الطاقة والبيئة والتجارة الخارجية، مع إمكانية التعاون مع منظمات دولية لتوفير التمويل أو الدعم الفني. كما أكد على أهمية تثقيف المجتمع حول المشروع، وتعزيز الشفافية بين الحكومة والمجتمع المدني لضمان نجاحه. وأشار عاشور إلى أن نجاح هذه الحلول يعتمد على الإرادة السياسية والقدرة التنفيذية للحكومة، محذرًا من استمرار أزمة الكهرباء في حال غياب المتابعة الدقيقة والقرارات الحاسمة. شهدت الأمسية مداخلات من الحضور أثرت النقاش، وفي الختام قدم رئيس الملتقى، الشاعر والإعلامي عبدالسادة البصري، شهادة تقديرية للمهندس عاشور، مثمناً جهوده في طرح حلول واقعية لأزمة طاقة تهدد استقرار ملايين العراقيين مع اقتراب فصل الصيف.