في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أصدر البنك المركزي العراقي قرارًا يقضي برفع سقف العمولات المستحصلة من العمليات المصرفية المرتبطة بالشمول المالي والدفع الإلكتروني، الامر الذي يؤدي إلى زيادة ملموسة في تكاليف الخدمات المالية.
ويشكل هذا القرار جزءا من الإجراءات الخاصة بمحاولة تعزيز ثقافة الدفع الإلكتروني بين المواطنين. لكن مختصين، يرجحون أن يسهم رفع رسوم السحب والتحويل، في ابتعاد الناس عن هذه الثقافة واستمرارهم في الاعتماد على النقد.
حراك نيابي
في السياق، أكد عضو مجلس النواب كاظم الفياض، وجود تحرك نيابي من أجل معرفة أسباب قيام البنك المركزي العراقي برفع سقف الفائدة لشركة كي كارد.
وقال الفياض في تصريح صحفي، ان "البرلمان سوف يتحرك عبر لجانه المختصة من أجل معرفة أسباب قيام البنك المركزي العراقي برفع سقف الفائدة لشركة كي كارد، على حساب الموظفين والمتقاعدين، فلا يوجد أي مبرر لرفع سقف الفائدة، رغم ان الفائدة القديمة هي عالية من الأساس".
وأضاف ان "هذه الخطوة سوف تزيد الثقل على كاهل الموظفين من أصحاب الرواتب القليلة وكذلك المتقاعدين، لذا يجب ان تكون إصلاحات البنك المركزي لصالح المواطن وتعزيز دخله الشهري المالي، وليس لصالح الشركات".
القرار يحتاج الى دراسة
الباحث في الشأن المالي والمصرفي مصطفى حنتوش، قال إن "قرار البنك المركزي العراقي برفع سقف العمولات المستحصلة من العمليات المصرفية المرتبطة بالشمول المالي والدفع الإلكتروني سيؤدي إلى زيادة كبيرة في تكاليف هذه الخدمات".
وأوضح في حديث لـ"طريق الشعب"، أن بعض البطاقات المصرفية "مثل ماستر كارد، التي كانت تُصدر بحد أقصى 10,000 دينار، ارتفعت إلى 15,000 دينار. كما أن بعض المعاملات التي كانت تستوجب رسومًا قدرها 2,000 دينار أصبحت الآن 4,000 دينار، ما يعني مضاعفة الكلفة على المستخدمين في بعض الحالات".
وقال حنتوش، إنّ هذا القرار، كغيره من القرارات غير المدروسة، سيؤثر على أصحاب الرواتب المتدنية، ويشكل عائقًا أمام تعزيز ثقافة الدفع الإلكتروني، التي تتطلب تشجيع المواطنين على استخدام البطاقات المصرفية بدلاً من التعامل النقدي.
وأضاف، أن "عمليات الشراء عبر الدفع الإلكتروني لا تزال مجانية، إلا أن رسوم السحب النقدي والتحويل، خصوصًا عبر الصرافات الآلية (ATM)، ارتفعت"، معتقدا أن "مثل هذه القرارات تحتاج إلى دراسات معمقة لقياس تأثيرها على المجتمع، ومدى قدرة المواطنين على التكيّف معها، مع ضرورة التمهيد التدريجي لأية تغييرات لضمان نجاح عملية التحول إلى الدفع الإلكتروني".
"يهدف لحماية الجمهور"
من جهته، قال الخبير في الشأن النقدي إحسان الياسري، إن الأجور التي تُستوفى من الجمهور مقابل الخدمات المصرفية وخدمات شركات الدفع الإلكتروني هي أجور مشروعة، إذ إن هذه المصارف والشركات تتحمل تكاليف تشغيلية، وتقدم خدمات مختلفة، إضافة إلى التزاماتها المالية ورسومها، كما أنها تهدف إلى تحقيق أرباح معقولة.
وفي ما يتعلق بقرار البنك المركزي الأخير، أشار الى أنه "لوحظ وجود التباس لدى الجمهور أدى إلى فهمه بشكل خاطئ على أنه يتضمن زيادة في رسوم وأجور خدمات الدفع الإلكتروني، غير أن الرجوع إلى البنك المركزي وبياناته السابقة يوضح أن القرار يهدف إلى وضع سقوف محددة لهذه الرسوم، وليس زيادتها".
وأضاف الياسري في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "القرار جاء بعد أن لاحظت اللجان التفتيشية في البنك المركزي أن بعض المنافذ، وشركات الدفع، والمصارف تستوفي رسوما أعلى من الحدود التي يحددها البنك المركزي".
وبين انه "نظراً لعدم وجود سقوف سابقة لهذه الخدمات، فإن القرار الحالي يضع حدودًا قصوى لا يجوز تجاوزها، لضمان عدم فرض رسوم مفرطة على المستهلكين".
وخلص الى القول ان "القرار بالنتيجة، لا يعني زيادة في الأجور والرسوم، بل يمكن اعتباره خطوة تنظيمية تهدف إلى حماية الجمهور من أي استغلال، وضمان التزام المصارف وشركات الدفع بالحدود المعقولة لاستيفاء الرسوم".
خطوة لتعزيز أرباح المصارف
فيما يجد الخبير الاقتصادي صفاء الشمري، أن قرار المركزي "سيؤدي لعرقلة الدفع الالكتروني، فبدلًا من أن يكون البنك المركزي قوة دافعة نحو الاقتصاد الرقمي، جاء هذا القرار ليكون عقبة جديدة أمام انتشار الدفع الإلكتروني".
ويقول الشمري في تصريح صحفي، أن "القرار يبدو وكأنه مصمم لحماية أرباح المصارف الخاصة بدلًا من خدمة الاقتصاد والمستهلكين"، مشيرا الى انه "في الوقت الذي تتسابق فيه الدول لتطوير خدمات الدفع الإلكتروني وتقديم بدائل مريحة، يأتي هذا القرار ليضع قيودًا قاتلة على القطاع، فالمصارف الآن غير مضطرة لتطوير خدمات جديدة أو تحسين أنظمتها، لأن البنك المركزي منحها سقوف رسوم مريحة تضمن لها الربح بدون الحاجة إلى التنافس والابتكار".
ونبه الى أنه "كلما زادت تكلفة الدفع الإلكتروني، زادت الحوافز لاستخدام النقد خارج النظام المصرفي، ما يفتح الباب واسعًا أمام التهرب الضريبي وتداول الأموال خارج الإشراف الحكومي".