يشكل النظام الانتخابي في العراق مادة دسمة للجدل المستمر، في ظل مواجهته تحدياتٍ كبيرة تعرقل تطور العملية السياسية، وتحقيق تمثيل حقيقي للشعب. فما يزال الجدل متواصلا حول مدى قدرة هذا النظام على ضمان تمثيل عادل لجميع مكونات الشعب، في عملية الاقتراع العام والمحلي.
ومع استمرار عزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات، لأسباب كثيرة أهمها فقدان الثقة بمنظومة الحكم وبإمكانية التغيير بعد عقدين من الفشل، تبرز محاولات تعديل قانون الانتخابات من أطراف سياسية متنفذة، لكن مختصين يرون أن هذه المحاولات تؤدي إلى مزيد من التلاعب والتضييق على المنافسين لهذه الأطراف.
أين الخلل؟
في هذا الصدد، شدد الخبير الانتخابي دريد توفيق على أهمية أن يعكس النظام الانتخابي في العراق تنوعه الديني والمذهبي والقومي، مع ضمان تمثيل كل مكون بحجمه الحقيقي، مشيرا إلى أن أي قانون انتخابي يجب أن يراعي هذا التنوع دون تفضيل مكون على آخر.
وقال توفيق أن "النظام الانتخابي يجب أن تكون فيه ديمومة ويشجع ويحفز على المشاركة الانتخابية، ولكن المشكلة تكمن في فهم العملية الانتخابية، حيث يسعى بعض المشرعين في مجلس النواب إلى تمرير قرارات تخدم مصالحهم، ما يؤدي إلى إيجاد قوانين وقرارات مفصلة على مقاسهم، وهذا النهج غير صحيح".
وبين أن "طلبات الكيانات السياسية تتصادم مع المعايير التي أشرنا لها في أعلاه، والتي يجب أن تراعيها، وهذا ما يجب أن يحدث".
وفي ما يتعلق بتعديل قانون الانتخابات، أشار توفيق في حديث مع "طريق الشعب" إلى أن هناك "أسبابًا فنية تمنع تعديل قانون الانتخابات، فالجدول العملياتي لمفوضية الانتخابات انطلق في بداية الشهر الثاني، بعد طلبها من الحكومة تخصيص المبلغ المالي اللازم لإدارة العملية الانتخابية، وتم تخصيصه وإعلانه بشكل رسمي".
وأضاف توفيق، أن المفوضية "تحتاج إلى فترة تتراوح بين ستة إلى ثمانية أشهر للتحضير للانتخابات على أقل تقدير، مثل تحديث البطاقات الانتخابية ومنحها لمواليد 2007 وإعطاء التحالفات فرصتها وإعداد قوائم المرشحين، مع مراعاة أن الاستحقاق الانتخابي ملزم في نهاية شهر تشرين الثاني".
ونوه إلى أن "المشكلة الحقيقية تكمن في قلة الثقافة الانتخابية؛ فالانتخابات هي عمل جماهيري يتطلب مشاركة واسعة"، مبينًا أن "لكل قانون انتخابي استراتيجية معينة تتطلب التعامل معه من منطلق الاستراتيجية الخاصة به حسب القانون".
الكتل المتنفذة تبدأ تصفية الحسابات
وبحسب مصادر سياسية مطلعة، فإن هناك رغبة لدى أطراف داخل الإطار التنسيقي في تقسيم محافظات بغداد وديالى والبصرة وبابل ونينوى وصلاح الدين إلى دوائر انتخابية وفقا لتوزيعها الطائفي، لمنع أي طرف من الحصول على مقاعد إضافية محتملة، موضحة أنها خطوة في إطار السعي لتوجيه العملية الانتخابية بما يخدم مصالح تلك الأطراف.
ونبهت المصادر في حديثها لـ"طريق الشعب"، إلى أن دعوة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لاعتماد البطاقة الوطنية بدلًا من بطاقة الناخب ما تزال تواجه معارضة من جهات سياسية مستفيدة من ضعف المشاركة الانتخابية.
وهناك قرابة 15 مليون ناخب لا يملكون بطاقة انتخابية بايوميترية.
ويبلغ عدد الناخبين في العراق، بعد إدراج مواليد عام 2007، حوالي 29 مليون ناخب، إلا أن 14 مليونًا فقط يمتلكون بطاقات انتخابية بايوميترية، الأمر الذي يسهّل عملية التنافس الانتخابي، ويضمن عدم مشاركة واسعة في الانتخابات.
وأضافت المصادر، أن الخلافات حول هذه القضايا، وإن لم تظهر بشكل علني، إلا أنها تشهد نقاشات مكثفة واجتماعات حثيثة بين الأطراف السياسية. وتهدف هذه الجهود إلى التضييق على عدة أطراف، سواء داخل المكونات التي تدعي تمثيلها أم خارجها، في إطار صراع محتدم للحصول على المناصب والمواقع المؤثرة في المشهد السياسي.
وتسلط هذه التطورات الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه العملية الانتخابية في العراق، بدءًا من محاولات التلاعب بتقسيم الدوائر الانتخابية وصولًا إلى الخلافات حول آليات التصويت. وتكشف هذه الخطوات عن توجهات بعض الأطراف السياسية لتعزيز هيمنتها على المشهد السياسي.
ما إمكانية التعديل؟
في هذا الصدد، رجح المراقب للشأن الانتخابي والسياسي د. سيف السعدي، أن يبقى قانون الانتخابات العراقي على حاله دون تعديل.
وقال السعدي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "رئيس الوزراء محمد السوداني يفضل الإبقاء على القانون الحالي، في حين يسعى المالكي إلى إضافة فقرة تُلزم المسؤولين التنفيذيين، من درجة مدير عام فما فوق بالاستقالة من مناصبهم قبل ستة أشهر من الانتخابات، وذلك لضمان عدم استغلال موارد الدولة أو النفوذ السياسي خلال العملية الانتخابية".
وأضاف أن "التعديل المطروح يدفع لاعتماد نظام 1.9 وليس 1.7، ما يقلص الفرصة أمام الكتل الصغيرة والمستقلين، وتضييق الخناق على تحقيق تمثيل لجماهيرهم في مجلس النواب".
وطبقا للسعدي، فانه يستبعد إجراء أي تعديل على قانون الانتخابات الحالي في المرحلة المقبلة، معتقدا أن أي محاولة للتعديل قد تؤدي إلى تجاذبات سياسية ومناكفات، والجميع شاهد ما حدث الآن مع القوانين الجدلية.
إلى ماذا يؤدي هذا التراخي؟
وحول ظاهرة عزوف الناخبين، أوضح السعدي أن "انخفاض نسبة المشاركة يصب في مصلحة الأحزاب المتنفذة، التي تمتلك جمهورًا زبائنيًا ومؤدلجًا وعقائديًا"، مشيرًا إلى أن "هذه الأحزاب تستفيد من هذا العزوف، حيث إن جمهورها يشارك بفاعلية، ما يعزز نفوذها في المشهد السياسي أمام عزوف الناس، بل إنها تروج عدم المشاركة بشكل غير مباشر".
وأكد أن "استمرار هذا التراخي والعزوف يؤدي إلى بقاء نفس الأحزاب في السلطة دون تغيير في النهج أو السلوك، مع تبديل في الأسماء والمناصب فقط، وهذا الوضع مستمر منذ عام 2003، دون تحقيق تقدم حقيقي من أجل بناء نظام سياسي رصين".
واختتم السعدي حديثه بالتأكيد على أن "استمرار التراخي يؤدي لبقاء هذه الأحزاب بالسلطة عبر لعبة التدوير، وبالتالي مطلوب ان يكون هناك وعي لدى المواطنين لتغيير ما أفسدته الطبقة السياسية الحالية".