ألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أخيرا، الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، وذلك في إطار السياسة الأمريكية الهادفة إلى ممارسة أقصى الضغوط على طهران، لكن مختصين يرون أن هذا القرار، سيؤثر بشكل كبير على قطاع الطاقة عندنا، والذي يعاني أصلا من أزمة خانقة، ربما ستتفاقم مع اقتراب فصل الصيف وزيادة الطلب على الكهرباء.
مأزق حقيقي
وعلى أثر القرار، أضحى العراق يواجه تحديا كبيرا في تأمين مصادر بديلة للطاقة، حيث أن الخيارات المتاحة، مثل الغاز القطري أو التركمانستاني، تتطلب بنية تحتية متكاملة قد تستغرق سنوات للشروع في الاستفادة منها. وعليه، فإن البلاد قد تجد نفسها أمام مأزق حقيقي في محاولة لتغطية العجز الكبير في إنتاج الكهرباء.
يشار الى أن العراق وقع في اذار 2024 عقدًا مع إيران لاستيراد 50 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا لمدة خمس سنوات.
تفعيل الاتفاق الثلاثي؟
وللإيضاح أكثر، قال الخبير في مجال الطاقة، د. دريد عبدالله أن هذا القرار يأتي ضمن سياسة الضغط الأقصى المفروضة على طهران، كما سيدفع العراق إلى تفعيل الاتفاق الثلاثي بينه وبين كل من تركمانستان وإيران.
وأضاف عبدالله لـ"طريق الشعب"، انه من المحتمل أن يتم تفعيل هذا الاتفاق خلال ايام، والذي سيتيح ضخ نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا إلى العراق، بتكلفة تصل إلى 4 مليارات دولار.
وأشار الخبير إلى أن "الهدف الأساسي من قرار ترامب، هو فرض عقوبات مشددة على جميع التعاملات الإيرانية، خصوصًا في قطاع الطاقة"، لافتًا إلى أن طهران "كانت تمتلك هامشًا للتحرك نحو أسواق شرق آسيا، خصوصًا فيما يتعلق بصادرات النفط، لكن هذا أصبح أمرًا مقيدا حاليا.
وحول البدائل المتاحة أمام العراق، أوضح عبدالله أن هناك خيارين رئيسيين: "الأول يتمثل في بناء منصة للغاز المسال في الفاو. والثاني مدّ أنبوب غاز من محطة الزور للغاز المسال في الكويت، باتجاه البصرة، وهو مشروع لن يستغرق أكثر من ثلاثة إلى أربعة أشهر، برغم تكلفته العالية.
تداعيات القرار الأمريكي
وعن تداعيات الغاء الإعفاء، قال الخبير النفطي بلال الخليفة إن العراق "سيخسر أكثر من 4000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية بعد القرار الأمريكي الأخير"، مضيفاً أن "الغاز الإيراني يغذي عدة محطات كهرباء حيوية، مثل محطات بسماية والقدس والمنصورية والصدر".
وأضاف في حديثه لـ "طريق الشعب"، أن محطة كهرباء بسماية وحدها تولد أكثر من 3200 ميغاواط، مشيرا إلى أن "العراق يولد حاليًا أكثر من 24 ألف ميغاواط من الكهرباء، بينما الحاجة الفعلية تتجاوز 32 ألف ميغاواط، ما يعني أن الفجوة بين التوليد والاستهلاك تبلغ حوالي 10 آلاف ميغاواط. ومن المتوقع أن تتفاقم هذه الفجوة لتصل إلى 14 ألف ميغاواط خلال ذروة الصيف".
وأكد الخليفة، أنه من الصعب في الوقت الراهن "تعويض الغاز الإيراني، حيث سيؤدي حظر التعامل مع إيران في ملف الطاقة إلى تفاقم العجز"، لافتا الى أن "البديل المتاح هو الغاز القطري أو الغاز التركمانستاني، إلا أن هناك محاذير سياسية بشأن الأخير قد تمنع هذا الخيار، حيث قد ترفض الإدارة الأمريكية هذه الطريقة".
وواصل القول إن "الرئيس الأمريكي يبدو عازمًا على تطبيق أقصى العقوبات على إيران وعلى مختلف أشكال التعامل معها، وهو ما قد يدفع الإدارة الأمريكية إلى رفض توريد الغاز التركمانستاني عبر إيران، وهو أمر محتمل، ناهيك عن ان الحلول البديلة للاعتماد على الغاز ستكون مكلفة".
حلول وبدائل مكلفة
إلى ذلك، قال الخبير النفطي حمزة الجواهري أن الغاء اعفاء العراق من استيراد الكهرباء والغاز من ايران، سيكون له تأثير كبير على إنتاج الكهرباء في العراق، حيث سيؤدي إلى تقليصه مقارنة بالفترات السابقة، ما يسبب أزمة حقيقية في توفير الطاقة الكهربائية.
وأضاف الجواهري في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "العراق يعتمد بشكل كبير على استيراد الغاز الإيراني لتوليد الكهرباء، وبالتالي فإن إلغاء الإعفاء سيمنع استيراد الغاز، ما يفاقم من الأزمة"، منوها بأن "الضرر سيكون كبيرًا، خاصة مع اقتراب فصل الصيف الذي يشهد زيادة في الطلب على الكهرباء".
وأشار في سياق حديثه إلى أن "أحد الحلول المطروحة هو شراء الغاز القطري، لكن العراق لا يستطيع ذلك في الوقت الحالي، حيث يتطلب استيراد هذا الغاز إنشاء منشآت تخزين، وهو أمر يحتاج إلى ثلاث سنوات لاستكماله، مما يعني أن العراق يواجه مأزقًا كبيرًا. كما أن الغاز التركمانستاني أصبح أمراً مستحيلاً، لان توريده يمر عبر إيران كذلك".
وفي ختام حديثه، اكد أنه "من الممكن تحويل جميع المحطات لتعمل ببدائل للغاز، ولكن هذا سيؤدي إلى خسارة في كفاءة الطاقة، حيث أن البدائل تكون أقل فعالية مقارنة بالغاز الإيراني، ما يعني فقدان جزء كبير من الطاقة الكهربائية".
الحكومة عاجزة
من جهته، قال النائب عن محافظة البصرة، هاتف الساعدي، إن "الحكومة لا تملك أية حلول لمعالجة نقص الغاز في حال توقف الإمدادات الإيرانية، برغم كثرة التوجيهات والتوصيات الصادرة عن لجان الطاقة والكهرباء".
وخمّن الساعدي، أن يكون العراق عرضة لعقوبات أميركية جديدة، خاصة فيما يتعلق بملف تهريب النفط والدولار.
تحذيرات من صيف قاس
فيما أكد عضو لجنة النفط والغاز النيابية ضرغام المالكي، أن القرار جاء بشكل مفاجئ، ما وضع البلاد في موقف صعب، يهدد استقرار قطاع الكهرباء، مردفا أن "الخيار الأقرب حينها كان الغاز القطري، إلا أن وزارة النفط لم تكن تمتلك منصات لاستيراده عبر الموانئ". وقال المالكي: "قدمنا نصيحة لوزير النفط، قبل سنة ونصف بضرورة الإسراع بإنشاء منصات لاستيراد الغاز القطري بحراً، خاصة مع احتمال حدوث متغيرات سياسية تؤثر على إمدادات الغاز من إيران. وكان من المفترض أن تستغرق مراحل الإنشاء سنة ونصف، إلا أن الوزارة لم تتخذ أي خطوة في هذا الاتجاه رغم استعداد قطر لتزويد العراق بالغاز".
وأشار المالكي إلى أن "العراق اليوم في وضع حرج بسبب عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، بالإضافة إلى منح حقل أرطاوي، وهو أكبر حقل غازي في البلاد، الى شركة أوكرانية غير مختصة، ما أدى إلى عدم إحراز أي تقدم في الإنتاج". واختتم النائب حديثه بالتحذير من "أزمة كهرباء محتملة خلال الصيف المقبل في حال توقف إمدادات الغاز الإيراني"، مشيرا الى أن "اجتماعات عاجلة ستعقد قريباً لمناقشة هذه الأزمة، مع توجيه دعوات للوزراء والمسؤولين المعنيين لتقديم إجابات حول تداعيات القرار الأمريكي والبدائل الممكنة".
يشير مراقبون إلى أن الأزمات التي يعاني منها العراق في قطاع الغاز هي نتيجة مباشرة لسياسات المنظومة الحاكمة التي عجزت على مدار سنوات عن استثمار موارد البلاد بشكل صحيح، وبناء صناعة غاز وطنية والاستفادة من احتياطات الغاز الكبيرة المنتشرة في مختلف المناطق.
وأكد المراقبون أن الحكومات المتعاقبة فشلت حتى الآن في إيقاف حرق الغاز المصاحب للعمليات النفطية، ما يزيد من معاناة البلاد ويهدر هذه الثروات الطبيعية. وأضاف المراقبون أن الوضع المتأزم في العراق، وتحديدًا في مجال الغاز، يعتبر نتيجة للسياسات الفاشلة التي اعتمدتها قوى السلطة، والتي جعلت البلد مرهونًا بالقرارات الخارجية، دون أن تتمكن من تحقيق استقلالية حقيقية في هذا القطاع الحيوي.