اخر الاخبار

يشكّل قطاع النفط والغاز، منذ عقود، شريان الحياة الاقتصادي للعراق، فيما يحمّل العراقيين تكلفة بيئية باهظة، نتيجة لحرق الغاز المصاحب في الغلاف الجوي، ما يخلّف تداعياتٍ كارثية على بيئة المدن، لا سيما البصرة، التي طالما تحمّل سكانها عواقبَ تلك الملوثات.

وبرغم تعهد الحكومات المتعاقبة وحتى الحالية، التي لم يتبقَ من عمرها سوى 10 أشهر، بوقف حرق الغاز المصاحب للنفط المستخرج، لا يزال هدر كميات هائلة من هذا المورد الاستراتيجي مستمرا، ما يعني مزيدا من الخسائر الضخمة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعزيز مواردها الاقتصادية.

وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد قال مطلع العام الجاري: ان حكومته قطعت شوطاً كبيراً في حل المشاكل، ولاسيما في موضوع حرق الغاز، من خلال العقود والاتفاقيات المبرمة، مؤكداً: "حددنا سقفاً لا يتجاوز 2028 لإيقاف حرق الغاز، وبنسبة صفر  في المائة".

مواعيد متضاربة

في هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي ان "الحكومة حققت بلا شك تطورًا في استثمار الغاز الطبيعي، لكن هذا التطور، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، يُوصف بأنه “بطيء”، حيث تشير الوكالة إلى ان نسبة استثماره تبلغ 65 في المائة، في حين يذهب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى تقديرها بـ 70 في المائة".

وأضاف، ان "الأحاديث متضاربة حول موعد إيقاف عملية حرق الغاز؛ فالحكومة حددت عام 2028 موعدا لإيقاف حرق الغاز، فيما أعلنت وزارة النفط أن ذلك سيتحقق عام 2030، بينما تشير تقديرات مؤسسة التمويل الدولية إلى أن تصفير الحرق قد يستمر حتى عام 2040".

وبرغم التقديرات، أفاد المرسومي في حديث مع "طريق الشعب"، بأنه من الصعب القول: إنّ "العراق سينهي عملية حرق الغاز نهائيًا، إذ أن هذه الظاهرة موجودة في جميع الدول المنتجة للنفط، بما في ذلك الولايات المتحدة، نظرًا للجدوى الاقتصادية. فبعض الشركات تلجأ إلى حرق الغاز بدلًا من استثماره عندما تكون الكُلف مرتفعة، لا سيما في الآبار المشتتة والمتباعدة، حيث تكون كُلف إنشاء محطات لفصل ومعالجة الغاز مرتفعة".

وأشار إلى أن تحديد موعد ثابت لإيقاف حرق الغاز "غير صحيح، لأن إنتاج الغاز المصاحب مرتبط بتقلبات إنتاج النفط العراقي، فكلما ارتفع إنتاج النفط زاد حجم الغاز المصاحب، وبالتالي ارتفع معدل الحرق. إلا في حال تم تثبيت الإنتاج عند 4 ملايين برميل يوميًا، حينها يمكن تحديد موعد دقيق لوقف الحرق".

ونوه الخبير إلى ان "العراق اليوم مقيد بسقوف إنتاج “أوبك”، ومن المرجح أن يرتفع إنتاجه بنحو 650 ألف برميل يوميًا في الفترة المقبلة، بينما وزارة النفط تخطط للوصول إلى 7 ملايين برميل يوميًا، ما يعني أن عمليات حرق الغاز ستستمر لفترة أطول بكثير مما حددته الحكومة".

وخلص إلى القول: إن "ما يحتاجه العراق فعليًا هو تطوير صناعة الغاز الوطنية وزيادة الاستثمارات في هذا القطاع، إذ أن كُلف حرق الغاز مرتفعة، وهناك دراسات تشير إلى أن حرق الغاز في حقول البصرة وحدها يكلف نصف مليار دولار سنويا، في حين أن كلفة الفرصة البديلة – في حال استثماره – قد تصل إلى 6 مليارات دولار سنويا".

تحديد غير دقيق

من جهته، قال الخبير النفطي حمزة الجواهري ان استمرار العراق في حرق الغاز المصاحب يكبده خسائر كبيرة، في حين أن استثماره سيحقق جدوى اقتصادية كبيرة للبلد.

وأضاف الجواهري في حديث لـ"طريق الشعب"، بالقول إن "حديث الحكومة عن معالجة الغاز المحروق ليصبح صالحًا للاستخدام ليس جديدًا، بل يتكرر منذ سنوات دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، رغم أن إنشاء أي مشروع لمعالجة الغاز لا يستغرق أكثر من عامين".

ويرى الجواهري، ان "تحديد الحكومة لنِسَب إيقاف الحرق غير دقيق، ولا يمكن تصديقه، وهو لا يختلف عن التصريحات السابقة التي وعدت بوقف الحرق أو معالجته خلال فترات زمنية محددة دون تنفيذ فعلي".

ونوه الخبير النفطي إلى انه "إذا كانت هناك جدية حقيقية في معالجة الغاز والمضي قدمًا، فإن المنشآت اللازمة تحتاج إلى عامين فقط، لكن العائق الحقيقي ليس غياب الرؤية أو التخطيط كما يُشاع، بل الفساد الذي يعرقل تنفيذ المشاريع".

وخلص إلى القول انه "فيما يتعلق بالعوائد الاقتصادية المحتملة، فإن استثمار الغاز المصاحب يحمل جدوى اقتصادية كبيرة للعراق، حيث سيُحقق إيرادات مالية ضخمة بدلاً من استمرار الهدر الحالي، فضلًا عن أن دخول العراق بقوة إلى سوق الدول المصدرة للغاز، سيعزز مكانته الاقتصادية على المستوى العالمي".

بلو سكاي

وتقود الشركات الصينية في العراق، سلسلة من المشاريع البيئية، تسمى "مشاريع السماء الزرقاء" (بلو سكاي)، لمساعدة العراق في معركته ضد التلوث.

ومن بين تلك المشاريع، "مشروع البصرة لسوائل الغاز الطبيعي"، وهو عبارة عن منشأة تلتقط وتعالج الغاز المصاحب من ثلاثة حقول نفط رئيسية، حيث أنه تتم معالجة 4.4 مليون متر مكعب من الغاز الجاف و2600 طن متري من غاز النفط المسال يومياً.

وطبقا فرات الموسوي، الخبير في مجال الطاقة والصناعات التحويلية، فإنّ العراق كان يخسر 12 مليار دولار، نتيجة استيراد الغاز وحرقه إضافة إلى تعطيل البنى التحتية.

وأضاف، أن "العراق يروم الى استثمار الصناعات التحويلية المهمة، ويسعى ان يكون لاعبا أساسيا في سوق الطاقة العالمية؛ لذا يعمل على انشاء مصافي نفطية في كل المحافظات".

 الموسوي اختتم بالتأكيد على أن "استثمار الغاز المصاحب يسهم في حل أزمة الطاقة في البلاد".

عرض مقالات: