العراق ومتغيرات الشرق الاوسط
لموقع المجلس الأطلسي كتب الباحث عباس كاظم مقالاً حول تأثير المتغيرات الدراماتيكية التي شهدها الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة على دور العراق، أكد فيه على أن إنهيار نظام الأسد في سوريا يمنح بغداد فرصة لتحويل تركيزها نحو تأمين الحدود والحد من التهديدات الأمنية الداخلية. واستدرك الكاتب بالإشارة إلى أن تحقيق النجاح في هذا الجهد، رهن بتغلب الحكومة العراقية على العديد من التحديات، وأعادة ضبط دورها في المنطقة والحفاظ على التوازن في علاقاتها الخارجية، بما في ذلك مع الولايات المتحدة، استجابة لإحتياجات الأمن الوطني والتطورات الأخيرة في سوريا.
ذكريات مرّة
واستذكر المقال ما فعله نظام دمشق بعيد 2003 يوم أطاحت القوات الأميركية بصدام حسين، حين وفّر ملاذاً وساحة تدريب وتسهيلات لوجستية لجماعات إرهابية، قامت بأرتكاب أعمال شنيعة في العراق، ولعبت دوراً في زعزعة استقراره، وهو ما أدانته الحكومة العراقية وقتئذ وطلبت العام 2009 من مبعوث الأمم المتحدة تشكيل لجنة للتحقيق في هذه الأعمال الإرهابية. وأضاف بأن موقف الحكومة العراقية قد تغير بعد الانتفاضة السورية في عام 2011 وصعود مجموعة من المنظمات الإرهابية (الكثير منها كان نشطاً في العراق) مفضّلة نظام الأسد باعتباره الأقل شراً، خاصة بعد أن بات غير قادر على إلحاق أي ضرر بالعراق جراء انشغاله بالتهديد الوجودي الذي واجهه في الحرب الأهلية.
لكن التهديدات من سوريا لم تهدأ، حيث بدأ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) هجومه في عام 2014 من الأراضي السورية فاجتاح محافظة نينوى، وشرع في احتلال ثلث أراضي العراق، وهي المناطق التي تطلب تحريرها من قبضته جهداً عراقياً ودولياً استمر لثلاث سنوات من القتال الوحشي.
واقع مقلق
وشدد المقال على أن موقف العراق من سوريا بدا ضعيفاً مع انهيار نظام الأسد، فمن غير المقبول أن ترضى بغداد بعلاقات جيدة مع الزعيم السوري الجديد أحمد الشرع الذي نفذ، تحت الاسم الحركي أبو محمد الجولاني، عمليات إرهابية فظيعة في العراق لسنوات عديدة وكان مسؤولاً عن قتل العديد من المدنيين الأبرياء.
وإذا كان ممكناً لكل حكومات المنطقة أن تتجاهل الانتماءات الإرهابية للقيادة السورية الجديدة وتفتح خطوط اتصال معها، فإن العراق لا يستطيع أن يتجاهل المخاطر الأمنية الناشئة على طول حدوده الممتدة لمسافة 372 ميلاً مع جارته الغربية، سواء نتيجة للعداء المباشر من جانب النظام الجديد، أو من القوى المهيمنة على مناطق فيها، ومنها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تحتجز أربعين ألف معتقل، بما في ذلك المنتمون المزعومون إلى داعش وعائلاتهم والمتعاطفون معهم، وأغلبهم من العراقيين، الذين يمكن أن يعبثوا في الأرض فساداً، إن خسر سجانوهم السيطرة عليهم تحت ضغط قتال تركيا وحلفائها السوريين ضدهم.
صعوبات وتحديات
وأعرب الكاتب عن اعتقاده بأن قيام بغداد بإرسال مدير مخابراتها إلى دمشق للتباحث حول العلاقات بين البلدين ومساهمتها الجادة في مؤتمر دعم سوريا الذي إنعقد في السعودية، يعّد محاولة عراقية لإلقاء مسؤولية إقامة تعاون أمني حسن النية، على القيادة السورية الجديدة.
وتوقع الكاتب أن يواجه العراق تحدياً مزدوجاً في الأشهر المقبلة، حيث ستضطر قواته الأمنية إلى مضاعفة مواردها ويقظتها للحفاظ على أمن الحدود، وهو تحد تتناسب سعته مع حجم التهديد الذي سيخلقه حدوث أي فوضى في سوريا قد تؤدي إلى تفككها من جهة، فيما ستواجه بغداد من جهة أخرى ضغوطا داخلية خطيرة جراء الظروف الجيوسياسية المتغيرة، كمحاولة تركيا الإنتشار في مناطق كانت تهيمن عليها طهران، أو كممارسة الأخيرة لضغوط كبيرة على القيادة العراقية لتعويض ما خسرته من مناطق نفوذ، بما في ذلك الحصول على وضع سياسي واقتصادي وأمني أفضل. وأخيراً، فإن من المتوقع أن يعاد النظر في اتفاقية سحب القوات الأمريكية من العراق وما يخلقه ذلك من ضغط على حكومته من المعترضين على بقاء هذه القوات.
وخلص الكاتب إلى الاستنتاج بأن على حكومة العراق أن توازن بين سياساتها الإقليمية والنظر الكامل في الفرص والتحديات التي طرحها سقوط الأسد، وفي الوقت نفسه، يتعين عليها أن تضع في اعتبارها ليس فقط النظام السياسي السوري الجديد ولكن أيضاً التغيير في الموقف الذي سوف يحدثه الفاعلون الإقليميون والدوليون الرئيسيون في حقبة ما بعد الأسد.