اخر الاخبار

برغم مرور سنوات على الإبادة الجماعية التي طالت الايزيديين في العراق على يد تنظيم “داعش”، والتي خلفت جراحاً عميقة ومآسي لا تُنسى، لا تزال العدالة بعيدة المنال.

مسودة مقترح قانون حول "إبادة الايزيديين" التي تم الاعلان عن ادراجها للتصويت في لجنة حقوق الانسان النيابية، أثارت غضب المجتمع الايزيدي، الذي وصفها بأنها "خيانة للعدالة".

الانتقادات ركزت على عدم إشراك الضحايا ومن يمثلهم والمختصون والمنظمات المعنية، في صياغة هذا القانون، ما يثير تساؤلات حول نوايا السلطات في معالجة هذا الملف ومعالجة جذور الإبادة بشكل عادل ومنصف. فيما يؤكد معنيون ان هذه المواقف تُلقي بظلال من الشك على التزام الحكومة العراقية بتحقيق العدالة الشاملة ومحاسبة الجناة وإنصاف الضحايا.

وقد اعلنت منظمة بتريكور لحقوق الإنسان، عن إدانتها الشديدة وقلقها البالغ إزاء الأسلوب المتبع في إعداد مسودة قانون الإبادة الجماعية للأيزيديين، والذي تم دون علم الضحايا وذويهم أو المجتمع الايزيدي ومنظماته الحقوقية والمدنية.

وقالت المنظمة في بيان تلقت "طريق الشعب"، نسخة منه إن: "عدم الكشف عن محتوى القانون وعدم إشراك الضحايا في صياغته يشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ العدالة الإنسانية ويُضعف من شرعية أي قانون يُصاغ بهذه الطريقة".

وأكد البيان أن "الجرائم المروعة التي تعرض لها الايزيديون، والتي تصنف كإبادة جماعية وفق القوانين الدولية، تستوجب أن تكون معالجتها القانونية والإنسانية مبنية على الشفافية التامة والإشراك الفعلي للضحايا والناجين والمجتمع الايزيدي ككل. ومع ذلك، فإن ما نشهده اليوم هو محاولة لتمرير قانون بمعزل عن أصحاب القضية الحقيقيين، ما يمثل تهميشاً ممنهجاً للضحايا وتجاهلاً لمطالبهم وآمالهم"، محذرة "من العواقب القانونية والأخلاقية لهذا النهج، إذ إن أي قانون يُصاغ دون استشارة الضحايا أو اطلاعهم على مواده لن يُحقق العدالة ولن يُعيد الثقة بين الضحايا والدولة".

ودعت منظمة بتريكور لحقوق الإنسان إلى "اتخاذ الخطوات التالية بشكل فوري، والكشف العلني عن مسودة القانون، وإتاحتها للرأي العام، خصوصاً للمجتمع الايزيدي ومنظماته الحقوقية والمدنية، لضمان دراستها بشكل دقيق ومراجعتها بما يعكس احتياجات الضحايا وتطلعاتهم، وإشراك الضحايا والناجين وأسرهم بصورة مباشرة في النقاشات المتعلقة بالقانون، باعتبارهم الأطراف الأكثر تضرراً والمعنيين الأساسيين بتحديد ملامح العدالة المطلوبة".

كما طالبت بـ"ضمان مشاركة المجتمع الايزيدي بممثليه القانونيين ومنظماته المدنية في صياغة النصوص النهائية، بحيث تُبنى على أساس من العدالة والإنصاف، مع الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، و توفير ضمانات قانونية شاملة تشمل التعويضات المالية والمعنوية، وضمان إعادة بناء المجتمعات المتضررة، وتقديم الجناة إلى العدالة، مع اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً، والالتزام بالشفافية الكاملة في مراحل مناقشة وإقرار القانون، مع السماح للضحايا والمجتمع المدني بدراسة أي تعديلات و إبداء ملاحظاتهم عليها".

وأكدت المنظمة أن "تجاهل الضحايا والمجتمع الايزيدي في صياغة هذا القانون يمثل استخفافاً بمعاناتهم وخيانة للعدالة التي يسعى الجميع لتحقيقها، فالإبادة الجماعية ليست مجرد قضية قانونية، بل جرح مفتوح في جسد الإنسانية لا يمكن علاجه إلا بعدالة شاملة تضع الضحايا في صميم العملية".

وحمّلت المنظمة في بيانها، "الجهات التشريعية المسؤولية الكاملة عن الالتزام بالمبادئ القانونية والإنسانية"، مطالب بـ"التوقف فوراً عن اتباع نهج الإقصاء والتهميش، وإن غياب الشفافية وإقصاء أصحاب القضية لن يؤدي إلا إلى تفاقم الشعور بالظلم والإحباط، وسيُفقد القانون أي مصداقية على الصعيدين الوطني والدولي".

لمَ الاعتراض؟

وتعقيباً على البيان، قال رئيس منظمة بتريكور لحقوق الإنسان، خيري علي، ان "الناشطين والفاعلين اجتماعياً والمنظمات الحقوقية والحقوقيين في المجتمع ليس لديهم اي علم بخصوص محتوى مقترح قانون الابادة الايزيدية"، مؤكداً أن "المسودة لم تطرح للنقاش مع المجتمع الايزيدي وخصوصاً الضحايا وذويهم، وحتى الان لا يوجد شيء واضح بخصوص مسودة القانون المقترح".

وتابع قائلاً في حديثه مع "طريق الشعب"، انه كان يفترض ان تكون هناك "مشاركة مجتمعية والاخذ بآراء الضحايا وذوي الضحايا المتضررين من الابادة"، مشيراً الى ان "العدالة التي يبحث عنها الايزيديون لن يحققها قانون مبهم لم يأخذ برأي المستفيدين منه حتى".

وزاد على حديثه بالقول: ان "العدالة التي نبحث عنها، لا تتعلق بإصدار قانون فقط، بل محاسبة المقصرين والمتسببين بما حدث والارهابيين الذين ارتكبوا هذه الجريمة، وتحقيق العدالة الانتقالية والتعويضات كذلك"، مؤكدا أن "القانون يجب ان يغطي كل هذه المسائل، والقانون غير واضح للمجتمع الايزيدي بشكل عام. وهذا ما اثار مخاوفنا ودفعنا لاتخاذ هذا الموقف، بعد التشاور والتواصل مع ممثلين ذوي الضحايا والضحايا نفسهم وذويهم".

ونوه علي الى ان "غياب الوضوح في المقترح اثار المخاوف لدينا من تكرار تجربة تشريع قانون الناجيات الايزيديات"، موضحاً انه "لم يتم حينها التواصل والنقاش حول مسودة القانون وقتها، وحول المواد الموجودة بالقانون، وبالنتيجة القانون الذي شرع منقوص وفيه خلل، إذ لم يغطِ الكثير من التفاصيل المهمة، حتى بتنا نخشى ان نطالب بتعديله خوفاً من ان تُقضم المزيد من الحقوق".

وواصل القول: ان ما يثير مخاوفهم ايضاً هو ان "تكون هناك جهات سياسية تدفع بهذه المشاريع لاستثمارها سياسياً او ان تصاغ مواد القانون على هوى جهات سياسية تستفيد منه".

وزاد على حديثه بالقول انه تم "التواصل مع عدد من اعضاء البرلمان، حيث اكدوا وجود مسودة قانون ستتم قراءتها قراءة أولى، لكن حتى الآن لم تصل المسودة لأي جهة ايزيدية، وبموازاة ذلك تواصلنا مع المفوضية العليا لحقوق الانسان من اجل الحصول على المسودة والاطلاع عليها، لكن حتى الان لم يصلنا شيء".

واختتم حديثه بالقول: ان "اي محاولة لتشريع قوانين من هذا النوع، يجب ان تتم باشراك الضحايا وذويهم والمجتمع والنخب بعد نقاشات واسعة ومستفيضة ومراعاة كافة الجوانب التي شُرع القانون من اجلها".

مخاوف كبيرة

من جهته، قال الصحافي الايزيدي ذياب غانم ان "المكون الايزيدي كان له حصة الأسد من اضرار هجوم تنظيم داعش الارهابي على العراق بشكل عام ونينوى بشكل خاص، ولكن من المؤسف ان يكون الاعتراف بهذه الابادة الجماعية بعد مرور 10 سنوات وبهذا الشكل المعيب، بينما البرلمانات الاوربية على اختلاف مسمياتها والامم المتحدة واليونيتاد اعترفوا بالإبادة التي جرت بحق الايزيديين العراقيين قبل العراق".

وأضاف غانم في حديثه مع "طريق الشعب"، ان "البرلمان العراقي يعتزم بعد مرور 10 سنوات التصويت على مقترح قانون لم يناقش عند صياغته مع الايزيديين، ولم يأخذ برأيهم، ولم يطلعهم عليه وهم لا يعرفون عنه شيئاً".

وأشّر المتحدث في سياق الحديث "عدة علامات استفهام على المقترح نفسه، ولعل اهمها ان المقترح غير شفاف ولا يعلم الايزيديون بما يحتويه من مواد، في وقت نحمل مخاوف من تدخلات محتملة في القانون، كما حدث سابقاً مع قانون الناجيات، وتضمين مكونات اخرى بقانون خاص بالايزيديين، ويفترض ان يعالج مشاكلهم".

واكد ان "اكثر ما نخشاه هو التدخلات السياسية والمصالح الحزبية التي يمكن ان تؤثر على القانون"، مشيرا الى أن "مطالب الايزيديين واضحة والحكومة العراقية عاجزة عن تلبية هذه المطالب، او على اقل تقدير ايوائهم، او توفير الخدمات الاساسية في سنجار. مللنا من كثرة الوعود الفارغة التي لا تغني ولا تسمن".

ودعا غانم الى إشراك كافة شرائح المجتمع الايزيدي وخصوصا الضحايا وذويهم والناشطين والصحافيين وذوي الاختصاص، في صياغة القانون، بما يجعله قانونا حقيقيا يعالج مشاكلنا، لا ان يتم طرح مسودة قانون اعدّها شخص واحد، بناءً على رأيه هو لا مجتمعه.

وخلص الى ان "الاعتراض ليس على القانون، بل على طريقة إعداده وصياغته. وكون تفاصيله ومواده مبهمة ولم تطرح للرأي العام".

عرض مقالات: