من أسرار احتلال العراق
اهتم العديد من الصحف والمواقع الإعلامية بما كشفت عنه الوثائق التي تم الإفراج عنها في الأرشيف الوطني في كيو، غرب لندن، والمتعلقة بالفترة الأولى من احتلال قوات التحالف للعراق، والتي شكّل الأمريكان والبريطانيون أغلبيتها.
تكليف من السماء
فقد نشر موقع Perspective Media مقالاً حول الموضوع ذكر فيه بأن هذه الوثائق أظهرت بأن جورج بوش الابن كان مؤمناً بوجود تكليف إلهي له للقيام بمهمته في العراق، مما دفعه إلى غزوه واتخاذ العديد من التكتيكات الفظة، التي انتقدها مسؤولون أمريكان وبريطانيون، ومنهم ريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية حينها والسفير البريطاني في ذلك الوقت، السير ديفيد مانينغ.
أسرار الأرشيف
وأشار الموقع إلى أن الوثائق قد أظهرت بأن السيد أرميتاج ناشد رئيس الوزراء السابق توني بلير استخدام نفوذه لدى بوش وإقناعه بضرورة وجود "عملية سياسية" أوسع نطاقًا لاستعادة النظام. وكانت تنبؤاته سليمة، حيث لم يمض سوى أشهر حتى سقط جزء كبير من البلاد في قبضة التمرد العنيف، وانخرطت القوات الأميركية في معارك دامية، قتل في إحداها أربعة من المتعاقدين العسكريين الخاصين وعُرضت جثثهم المحترقة والمشوهة على جسر فوق نهر الفرات.
وأضاف المقال بأن رد الولايات المتحدة على ذلك، والذي جاء على شكل ما سمي بعملية العزم اليقظ لاستعادة السيطرة، قد واجه استياء السياسيين العراقيين وممثليهم في مجلس الحكم. لكن بوش أبى أن يصغي لأحد، وأراد وبتشجيع من جنرالاته، أن يسحق المتمردين بشكل كامل. غير أن بول برايمر - زعيم السلطة المؤقتة للتحالف - سارع للاعتراض عليه، محذراً من أن مثل هذا المسار من شأنه أن يؤدي إلى انهيار مجلس الحكم ويلحق الضرر بالأمل في إقامة إدارة عراقية مستقلة، وهو ما دفع بوش للتراجع والتحرك برصانة أكثر، دون أن يتخلى عن إيمانه بأنه مكلف بشكل ما من الله في العراق.
عنف الجنرالات
وكشفت الوثائق عن نقد لاذع وجهه أرميتاج إلى القائد الأميركي العام الجنرال جون أبي زيد، الذي زعم أن هناك نحو ألف من المتمردين وإن بإمكانه التعامل معهم في يومين أو ثلاثة، خاصة بعد أن اعتقلت قواته مائتي عراقي ومائة أجنبي، طالباً السماح لمشاة البحرية بشن عدد من الهجمات الدقيقة والقيام بعمليات تفتيش من منزل إلى منزل وفرض الأحكام العرفية.
ووصف أرميتاج كلام أبي زيد بالهراء وبالابتذال السياسي، فقد كان يعتقد أن الولايات المتحدة تخسر تدريجياً في ساحة المعركة وستضطر إلى إرسال المزيد من القوات وهو ما سيمثل عاراً سياسياً، في وقت كانت فيه الأمم المتحدة وعبر مبعوثها الأخضر الإبراهيمي جادة في وضع استراتيجية الخروج الوحيدة من المشكلة.
وتكشف الأوراق على أنه وبعد أسبوعين من اجتماع السير ماننينغ مع أرميتاج، ألغت الولايات المتحدة وبضغط شديد من مجلس الحكم الهجوم على الفلوجة، وأنهت المعركة هناك، والتي أدت لمقتل 27 جنديًا أمريكياً و200 من المتمردين وحوالي 600 مدني عراقي.
خلاف بين لندن وواشنطن
واستناداً إلى ذات الوثائق، ذكرت صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية أن حكومة توني بلير كانت تشعر بإحباط متزايد تجاه إمكانية الولايات المتحدة من السيطرة على الوضع في العراق، الأمر الذي دفع ببلير إلى محاولة الحصول على اتفاق عند اجتماعه مع بوش، يتعلق بجعل النهج الأميركي "أكثر تحفظا" كي لا يسبب "خسارة برأس المال السياسي" للحكومتين، خاصة بعد ابلاغه من قبل مسؤولين وعلى رأسهم السير ماننينغ من أن التخطيط الأميركي ليس في أفضل حالاته وأن التكتيكات الأميركية "كانت خرقاء" وأن تصريحاتهم العامة كانت سببا في تفاقم الوضع.
إدارة سيئة
وبحسب تقرير الصحيفة فإن الوثائق كشفت أيضاً عن اعتقاد المسؤولين البريطانيين من أن إدارة التحالف الأمريكي لم تكن جيدة أبداً منذ بداية الحرب، وإن هناك تخاذلاً من جانب الحكومات البولندية والإسبانية والأوكرانية في دعم المجهود الحربي.