دعت رئاسة مجلس النواب إلى عقد جلسة استثنائية، اليوم الأحد، للتصويت على تمديد عمل مفوضية الانتخابات، للمرة الثالثة، كي تتجنب المفوضية الدخول في فراغ قانوني، لكن واقع الحال يقول إن الكتل السياسية تحاول الإبقاء على صفقة المحاصصة في مجلس المفوضين الحالي، وتجنب صراعا جديدا عليه، في ظلّ اقتراب موعد انتخابات الدورة البرلمانية السادسة، في تشرين الأول من العام الجاري.
ودخل مجلس النواب في عطلة الفصل التشريعي بعد أن مدده لمدة 30 يوماً استناداً للمادة 58 من الدستور العراقي، وبالتالي انتهت تلك المدة، وأصبح وجوباً الدخول في العطلة من 9 كانون الأول إلى 9 كانون الثاني الجاري.
معارضة في اللجنة القانونية
ويرفض عضو في اللجنة القانونية النيابية، فكرة تمديد مدة عمل مجلس المفوضين، لمدة سنة واحدة.
ويقول النائب محمد عنوز: "أنا لست مع ان يمدد عمر المفوضية لمدة سنة لأنه قد لا تتم العملية الانتخابية في نفس الوقت لأسباب كثيرة منها موضوع قانون الانتخابات قد يذهب الى التعديل، وهذا جزء من الصراع، وقد يأخذ وقتا طويلا".
ويضيف، ان "التمديد هو مجرد مقترح وبالتالي يفترض ان يعرض أمام اللجنة القانونية، لغرض إعداد صيغته النهائية، وتقديمه للقراءة الأولى ثم القراءة الثانية، وثم التصويت عليه وفقا للنظام الداخلي".
وينبه عنوز إلى ان "فكرة التمديد ترتبط بالتوافقات السياسية وقاعدة المحاصصة بين الأطراف السياسية، فهذه الطريقة هي التي قسمت ظهر البلد ودمرت العملية السياسية، وأبعدت ثقة المواطن بالعملية، لأنها قائمة ليس على مبدأ المواطنة والكفاءة والنزاهة".
وبحسب قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (31) لسنة 2019، فإنها هيئة مهنية مستقلة ومحايدة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري وتخضع لرقابة مجلس النواب.
وفقا للقانون، تتألف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من مجلس المفوضين، والإدارة الانتخابية، فيما يتكون مجلس المفوضين من تسعة أعضاء وعلى النحو الآتي: خمسة من قضاة الصنف الأول يختارهم مجلس القضاء الأعلى من بين مجموعة المرشحين مع مراعاة العدالة بين المناطق الاستئنافية.
حاجة ضرورية
وبخلاف ما ذهب اليه عنوز، فان زميله في اللجنة ذاتها النائب عارف الحمامي، يقول ان "الجلسة الاستثنائية ستكون مخصصة للبت في مسألة تمديد عمل مجلس المفوضين المنتهية ولايته، سيما وان صلاحياته القانونية قد انتهت أيضاً، وبالتالي يجب ان يكون هناك تمديد لكي تتخذ الهيئة القرارات والإجراءات التي تخص الانتخابات، خصوصاً أنها باتت قريبة وتحتاج لإجراءات فنية ومالية".
وأضاف الحمامي في حديث مع "طريق الشعب"، أنّ هذه "الإجراءات تتطلب غطاءً قانونياً، نأمل ان يتم التصويت على تمديد عمر مجلس المفوضين".
وتابع في حديثه، أنّ "مسألة تغيير القانون، تتعلق بالدرجة الأساس بالقوى السياسية لا الحكومة، وليس من اختصاصها بل تعتمد على اتفاق الكتل السياسية".
وبيّن أنّه عندما تتبنى كتلة سياسية موضوع التغيير، لا بدّ أن تقنع الكتل الأخرى التي تؤيد هذا التوجه أو ذاك، للحصول على العدد الكاف لتمرير هذا القانون داخل مجلس النواب.
ثلاثة خيارات
الخبير الانتخابي، دريد توفيق أشار إلى انه تم تمديد مجلس المفوضين في انتخابات مجالس المحافظات، ومن بعدها في انتخابات إقليم كردستان، وفي وقت لاحق سنحتاج إلى تمديد ثالث لإتمام الانتخابات النيابية في تشرين الأول 2025.
وقال توفيق لـ"طريق الشعب"، ان هناك ثلاثة خيارات محتملة: إما ان يتم التمديد للمجلس الحالي أو إعادة النظر بالقانون كله وتعديله، او يتم تبديل المجلس وفق القانون النافذ حالياً"، مشددا على ضرورة حسم هذا الإشكال القانوني والإداري "لأننا في بداية سنة جديدة، ويحتاج المجلس إلى تخصيص مالي للعملية الانتخابية، ورسم جدول زمني للعمليات الانتخابية: سجل ناخبين، تحديث الأجهزة، تسجيل المرشحين، والكثير من التفاصيل التي تحتاج إلى غطاء مالي".
وتابع قائلاً إنه "من جانب اخر فإن عمل الهيئة من شمال العراق وحتى جنوبه، لديها 1079 مركز تسجيل، وفيها موظفون وصل تعدادهم إلى 4 آلاف موظف، ما بين عقد وملاك دائم، وهؤلاء الموظفون لديهم حقوق والتزامات يجب إيفاؤها، وبشكل أوضح فإن الوضع لا يتحمل، ويجب حسمه بأسرع وقت".
وتناول في سياق حديثه مسألة تعديل قانون المفوضية، قائلا ان هناك احتمالين: الأول، ان يتم تعديله بحيث نرجع الى الخبراء بدل القضاة، او يكون هناك دمج ما بين القضاة والخبراء الفنيين، مردفاً "لكن السؤال المهم، اذا تم اختيار مرشحين آخرين غير القضاة، فمن الذي سوف يقوم بعملية الاختيار؟ وما هي المعايير لاختيارهم؟".
وأعرب توفيق عن مخاوفه من ان تكون مسألة اختيار الخبراء الفنيين مناطة بمجلس النواب، لأنه بالنتيجة ستتم العملية وفق مزاج النائب، والكتل النيابية، التي تنفذ رغبات وتوجهات زعمائها.
ولحسم هذا الملف بصورة مناسبة، يعتقد المتحدث أن "من الأفضل ان يكون هناك تعديل لقانون الانتخابات، وتعديل المادة 25 التي تحدثت عن إعفاء بعض الموظفين من رؤساء أقسام وغيرهم من مناصبهم، وان يتم اختيار المفوضية من القضاة والخبراء الفنيين؛ فالقضاة يعطون قوة عالية للقرار وأيضا يتم دعمهم من الفنيين الذي يمتلكون خبرة فنية".
محاصصة وهيمنة حزبية
وعن تقييم عمل المفوضية الحالية، قال المختص بالشأن الانتخابي علاء الصفار، ان هناك ضعفا ملحوظا في اداء المفوضين عموما، نظراً لعدم التخصص وضعف الكفاءة نتيجة المحاصصة المقيتة، مشيرا إلى أن "المهمة الأساسية المكلفين بها من قبل أحزابهم لا تنسجم مع مهام المنصب الحساس، وتأتي على حساب إرادة الشعب".
وأضاف في حديث مع "طريق الشعب"، أنّ هناك ضعفاً في الجانب الإعلامي للمفوضية أيضاً، في ما يخص أهمية المشاركة والنظام الانتخابي المعمول به وضرورة التحديث البايومتري وغير ذلك.
وانتقد الصفار، "إغلاق معهد التثقيف الانتخابي، الذي كان يتولى مسؤولية تدريب الكيانات السياسية وخاصة الأحزاب حديثة التسجيل، لأسباب نجهلها".
وتابع قائلاً، أنّ "الإدارة الانتخابية ما زالت تناط بمسؤولية أشخاص تابعين لأحزاب متنفذة، وبالتالي فإننا نحتاج إلى زج ممثل واحد أو أكثر عن هيئة النزاهة، وممثل متخصص بالإحصاءات عن وزارة التخطيط، وعدم الاعتماد على القضاة لوحدهم".
واتهم الكتل المتنفذة بـ"تحجيم دور المفوضين" عبر طرق ووسائل عديدة من بيها عدم التواصل مع الجمهور في البرامج الحوارية لإيضاح الكثير من الأسئلة المتعلقة بمراحل العملية الانتخابية والآليات المعتمدة لتنفيذها.
وخلص الى القول: ان "المحاصصة وانتفاع القوى المتنفذة هي السبب الرئيس في عدم حسم ملف مجلس المفوضية بشكل مستمر"، مؤكداً ان "الحاجة باتت ضرورية لتغيير مجلس المفوضية، وإبعاد نهج المحاصصة وتأثير المتنفذين، والاستعانة بالتخصص والخبرة في اختيار المفوضين".