اخر الاخبار

يمر العراق بمنعطف خطر، يتطلب مواجهة التحديات الداخلية ببرنامج ورؤية واضحة ، تبدأ باجراء مراجعة شاملة لما افرزه عقدان من الفشل المتراكم، بعيداً عن أية تدخلات خارجية قد تُفاقم الأزمات.

ويرى مراقبون أن مفتاح التغيير الحقيقي والخطوة الأساسية لذلك تتمثل في إنهاء فوضى السلاح وحصره بيد الدولة، مع تطبيق قانون الأحزاب بشفافية، كمدخل لتحقيق العدالة وإعادة الثقة بمؤسسات الدولة، من أجل تمهيد الطريق امام التغيير الشامل، الذي يُعيد بناء المؤسسات ومعالجة أزمة النظام السياسي، الذي يتجه يوماً بعد آخر نحو المزيد من الانغلاق والفشل.

وفي ظل هذه الظروف، يتساءل المراقبون: هل تتخلى القوى السياسية عن نفوذها لتفسح الطريق نحو عراق جديد؟

أي تغيير؟

وفي هذا الصدد، يقول الباحث في الشأن السياسي، فارس حرام: إن "أي تغيير يتم بقوة خارجية تكون له نتائج وخيمة لاحقاً، وهناك تجارب عديدة لدول كثيرة في هذا الشأن، خلفت نتائج كارثية. لكن ما نتمناه هو أن يكون التغيير عراقياً بالكامل، ومن داخل العراق".

ويعتقد المتحدث أن أفضل طريقة للتغيير هي أن "تشعر القوى السياسية بأن الوقت قد فات على محاولاتها للبقاء في السلطة باستخدام السلاح والنفوذ الإقليمي، وأن تتجه فعلياً إلى فسح الطريق للإصلاح في البلد".

ويوضح، أن "التغيير في العراق لا يتم إلا عبر حصر السلاح بيد الدولة، وحل الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون، وإنهاء حالة وجود أشخاص فوق الدولة وفوق القانون؛ حيث يجب أن يخضع الجميع للقانون".

ويشير حرام في حديث مع "طريق الشعب" إلى أن "هذه هي نقطة الانطلاق للتغيير الحقيقي في العراق، وكل ما يأتي بعدها يمثل عوامل مكملة، مثل الانتخابات، وتغيير الحكومة، وتغيير البرلمان، وتغيير القوانين؛ فهذه جميعها عوامل وأحداث لاحقة".

ويؤكد، أن "الحدث الأساسي الذي يجب أن ينطلق منه تغيير الوضع في العراق هو أن يخضع الجميع للقانون، وأن يتم تطبيق قانون الأحزاب الذي يمنع وجود أحزاب مسلحة، ويلزمها بكشف مصادر تمويلها. فإذا تمت هذه الخطوة الأساسية، أعتقد أننا سنكون قد قطعنا نسبة 50 في المائة من مشوار التغيير".

ويتابع حرام قائلاً: إنّ "التجارب التي قدمها لنا التاريخ نادرة جداً بخصوص تراجع القوى المستبدة والقوى الغاشمة عن مواقفها السابقة"، منوهاً بأن "السلطة، بصورة عامة، تعتقد أنها ترى الأشياء بشكل صحيح، وأن موقفها دائماً صائب".

ويردف أن "السلطة دائماً عمياء، ولا ترى الحقائق، ولا تستوعب دروس التاريخ. وعلينا أن نتذكر العديد من المشاهد التي حفلت بها الأنظمة الفاشلة في الدول المنهارة، عندما كان رؤساء هذه الأنظمة يعتقدون أنهم على حق حتى اللحظة الأخيرة، في حين كانوا يقودون بلدانهم إلى نهايات مأساوية".

ما التغيير المطلوب؟

وعن شكل التغيير المطلوب في العراق، قال الأكاديمي د. مجاشع التميمي: إنّ "التغيير المطلوب هو إصلاح النظام السياسي، بحيث تتم مغادرة مبدأ التوافقية والاتجاه نحو الأغلبية، لتكون هناك مؤسسات عراقية تعمل وفق الدستور. فلا يمكن أن تمضي الدولة قدماً وهناك مؤسسات معطلة بسبب التوافق السياسي الذي يتحكم بتلك المؤسسات. لذلك، فإن المطلوب للمرحلة المقبلة هو مغادرة المحاصصة بغية إصلاح النظام السياسي في العراق".

وعن المطلوب لتحقيق ذلك، أكد ضرورة أن "تقتنع القوى السياسية بأن العراق ونظامه السياسي في خطر، وهو بحاجة إلى إصلاح، بعيداً عن التدخلات الإقليمية في القرار السياسي العراقي. ويتطلب ذلك تعديل قانون الانتخابات، بحيث يكون جوهر هذا التعديل اعتماد الفائز الأعلى حصولاً على الأصوات، وليس الفوز النسبي".

وأشار التميمي إلى وجود شروط ومتطلبات لتحقيق هذا الهدف، موضحاً أن "ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بضغط شعبي وبمساندة من المرجعية الدينية، ويجب أن يُمارَس هذا الضغط على القوى السياسية لتغيير سلوكها وتقديم المصلحة العليا للعراق".

وشدّد على ضرورة أن "تؤدي الانتخابات أهدافها الرئيسية، وهي استبعاد الفاسدين والفاشلين، واستقدام الكفاءات كما يرغب الشعب".

ولفت إلى أنّ "المرجعية، وخاصة في البيان الأخير الصادر عنها، أكدت أهمية دور الكفاءات في بناء وتصحيح المسار".

وعن إمكانية تحقيق هذا التغيير في ظل الأوضاع الراهنة، قال التميمي: ان "بالإمكان تحقيق ذلك، خاصة بعد التغييرات التي شهدتها المنطقة، وخطاب المرجعية، بالإضافة إلى تراجع حظوظ القوى السياسية التقليدية في كسب التأييد والشرعية من الشعب".

دور رقابي فعّال

وأكد النائب مصطفى الكرعاوي "أهمية تشكيل حكومة تعمل وفق برنامج حكومي واضح بعيدًا عن المحاصصة والتوافقات السياسية".

وطالب الكرعاوي بضرورة الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لضمان دور رقابي فعّال للبرلمان، وبإلزام الحكومة تنفيذ برنامجها بشكل جدي.

ودعا الكرعاوي إلى "تبني إصلاحات جذرية في طريقة إدارة الحكومة والابتعاد عن المحاصصة السياسية"، مؤكدًا أن "استمرار الوضع الحالي سيبقي العراق بعيدًا عن تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة، وسيزيد من تعقيد الأزمات التي تواجه البلاد".

إجراء مراجعة شاملة

من جانبه، أكد الكاتب والصحفي سامان نوح، أن القوى السياسية العراقية لا تزال بعيدة عن مستوى التحديات الكبرى التي تواجه البلاد والمنطقة، منتقدًا غياب الجدية في عقد حوارات وطنية شاملة لمواجهة الأزمات المتفاقمة.

وأوضح نوح، أن الأوضاع الراهنة تتطلب تحركا سريعا من قبل قادة البلاد لعقد مؤتمر وطني يجمع جميع القوى البارزة، بهدف إجراء مراجعة شاملة، وتحديد الأولويات، ووضع استراتيجيات لإصلاح بنية الدولة التي تعاني من مشكلات عميقة.

وأشار إلى أن مثل هذا المؤتمر يجب أن يتضمن حلولا جذرية لقضايا عدة، أبرزها إنهاء انتشار السلاح غير القانوني، والتصدي لملفات الفساد المتراكمة، واستعادة هيبة الدولة ومحاسبة شبكات الابتزاز، ومن يقف خلفها، داعيا الى تحقيق إصلاحات شاملة في الجوانب التشريعية والتنفيذية والقضائية، بهدف تعزيز ثقة المجتمع العراقي بالنظام السياسي وضمان فصل السلطات.

ودعا نوح إلى التمسك بالدستور باعتباره العقد الاجتماعي الذي توافق عليه العراقيون، مؤكدًا ضرورة إيقاف استغلال مؤسسات الدولة كمواقع استثمارية لصالح بعض الأطراف السياسية، وضمان تطبيق القوانين دون تحريف أو استغلال سياسي.

كما شدد على أهمية احترام الحريات العامة، وعلى رأسها حرية التعبير والنشر، ومنع تجاوز السلطة التنفيذية لصلاحياتها الدستورية، مع تعزيز آليات الرقابة والمحاسبة عليها.

وأشار نوح إلى أن الفشل الإداري، والخلل الأمني، والأزمات الاقتصادية، بالإضافة إلى التهديدات الخارجية، تستدعي من القادة العراقيين التحرك بمسؤولية ووعي.

وأكد، أن استمرار الوضع الحالي لن يهدد الدولة فحسب، بل سيطال أيضًا مصالح القوى السياسية نفسها واستمراريتها، محذرًا من تداعيات قد تكون صادمة في ظل المتغيرات الإقليمية.

وخلص نوح الى التذكير بأن دروس الماضي، خاصة أحداث عام 2014، ما زالت ماثلة أمام الجميع، داعيًا إلى التحرك قبل فوات الأوان.