العراق
ماذا بعد التعداد؟
لموقع المعهد الفرنسي لأبحاث العراق، كتب سرداد عزيز مقالاً حول التعداد السكاني الذي أُجري مؤخراً في البلاد، أكد فيه على أن الحكومة العراقية تحكم مجتمعها على أساس التقديرات طيلة العقود الثلاثة الماضية، بسبب عدم إجراء أي تعداد، وإنها نجحت كما يبدو في تجاوز هذا النقص مؤخراً في عملية إحصائية لقيت تعاوناً وترحيباً جماهيرياً، وغطت من خلال 75 سؤالاً الجوانب الشخصية والاقتصادية والصحية والاجتماعية وغيرها لمواطنيها.
نتائج أولية مهمة
وبيّن المقال بأن نتائج التعداد أظهرت تجاوز عدد السكان الخمسة وأربعين مليون نسمة، يقطن 70.3 في المائة منهم في المدينة والباقي في الريف، وهم منقسمون بالتساوي حسب الجنس مع زيادة طفيفة لعدد الذكور، ويسكن 4 في الأف منهم في بيوت طينية، فيما تفضّل الأكثرية السكن في المنازل وليس في الشقق. كما كشفت النتائج عن شعبٍ شابٍ، حيث ستين في المائة من أبنائه في سن العمل.
وأشار المقال إلى إن تجنب التعداد الإشارة إلى العرق أو الطائفة، وهو ما كان وراء عدم تضمينه أسئلة تتعلق باللغات التي يتحدث بها الناس في البلاد، ربما جاء ضمن سعي حثيث لبناء هوية عراقية جامعة حتى إذا ما جرى إنكار الواقع، مشيراً إلى أن هذا الإنكار لم يكن له تأثير واضح في الجنوب المتجانس إلى حد كبير، لكن قد يحمل عواقب عميقة في باقي المناطق وخاصة تلك التي سُميت بالمتنازع عليها.
اقتصاد ريعي
ونبّه المقال إلى أن البيانات الاقتصادية التي وفرها التعداد قد اعادت التأكيد على الطابع الريعي لاقتصاد العراق واعتماده على عائدات النفط، وهو ما يوفر لنخبه الحاكمة على الأغلب القدرة على تثبيط حماس المواطنين عن القيام بدور نشط في الحياة السياسية، ويساعد الحكام على خلق جو من اللامبالاة لدى المواطنين. كما إن التراجع الكبير في عدد الساكنين في الريف والتزايد السريع في عدد سكان المدن، في ظل غياب التصنيع ومعدل نمو سكاني يعّد من أعلى المعدلات العالمية، سيزيد من اعتماد البلاد على النفط في معيشتها، وسيزيد من هشاشة اقتصادها، لاسيما في فترات الركود التي يعيشها الاقتصاد العالمي. وتوقع الكاتب أن يلقي التعداد السكاني الضوء على جودة الحياة الحضرية من خلال تقييم الوصول إلى البنية الأساسية مثل الصرف الصحي والكهرباء والمياه النظيفة، تلك التي تبدو المعطيات عن مدى توفرها وجودتها غائمة أو محط انتقاد شعبي واسع.
التعداد وتمثيل الناس
واختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن قيام العراق بتعداد سكاني استجابة لحاجة دولته ونظامه السياسي الديمقراطي، لن يكون كافياً للشروع بالتنمية، حيث يتوجب قبل ذلك أن تدرك الحكومة طبيعة الناس وأين يعيشون وكيف وما الذي يحتاجون إليه، وحينها فقط يمكنها الزعم بأنها ديمقراطية وتمثلهم، لاسيما وأن اتخاذ القرارات طيلة العقود الثلاثة الماضية، كان يجري على افتراضات يّسرت على القوى السياسية التلاعب بالبلد كما تشاء. وخلص المقال إلى أن التعداد السكاني يتأثر بجهات فاعلة مختلفة، تعمل على تحديد وجمع وتنظيم الملاحظات الاجتماعية عن الأفراد، وليس مجرد انعكاس بسيط لواقع قائم تجريبياً.