اخر الاخبار

برغم إدراج عدد من الجامعات العراقية في تصنيفات أكاديمية دولية كتصنيف التايمز للجامعات العربية، لا يمكن لذلك أن يخفي الأزمات المتفاقمة التي تعصف بالعملية التعليمية؛ إذ يعاني هذ القطاع من تهالك البنية التحتية، ومن غياب الخطط التطويرية الواضحة، الى جانب ضعف المناهج وتخلفها.

العراق يتصدر

ويؤكد معنيون أن هذه التصنيفات لا تمثل مؤشرات حقيقية لجودة التعليم، سيما وان هناك دولا مهمة في هذا المجال لا تتواجد في التصنيف، ولا تعترف بالعديد من هذه التصنيفات، بقدر ما تعكس معايير شكلية، في وقت يعيش فيه الطلبة وأساتذة الجامعات واقعاً مأزوماً يهدد مستقبل التعليم في البلاد بالانهيار، ويطرح تساؤلات عميقة حول جدوى هذه الإنجازات المزعومة؟

وأعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، اخيراً، عن تصدر العراق قائمة الدول بعدد الجامعات المصنفة في تصنيف التايمز للجامعات العربية.

وذكرت الوزارة في بيان صحافي لها، أن "45 جامعة عراقية حققت نتائج إيجابية في تصنيف (Times Higher Education Arab University Rankings 2024) لأفضل الجامعات المصنفة في المنطقة العربية"، مضيفة أن "النتائج أظهرت تنافس 238 مؤسسة من 16 دولة على وفق المؤشرات المتوزعة بين مجالات (Teaching 31%) و(Research environment 31%) و(Outputs Research quality 24%) و (International outlook 8%) و(Society 6%)".

تصنيف غير مهم

وفي هذا الصدد قال نقيب الأكاديميين السابق، د. مهند هلال، إن "العراق في الواقع لم يكن متصدراً في تصنيف التايمز، بل ان عدد الجامعات التي سجلت بهذا التصنيف من العراق كان عالياً"، مبيناً ان هذا "لا يعني ان العراق كان متميزاً في هذا التصنيف".

وأوضح هلال في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "عدد الجامعات المشتركة من اي دولة، لا يعد معياراً للتميز في هذه التصنيفات، بل ان العراق في الحقيقة عربياً تسلسله 40 وعالمياً كان أول ظهور لأول جامعة هي جامعة بغداد تسلسلها كان 1501".

ولفت هلال إلى ان "العديد من دول العالم، لم تظهر في هذه التصنيفات بل وحتى لا تعتمدها مثل هولندا واليابان وروسيا وألمانيا وبعض جامعات بريطانيا، حيث لا تعتمد هذه التصنيفات، التي غالباً ما تدخل في الجانب التجاري، فتجد أنها تؤثر على جودة مخرجاتها".

ولفت الى ان "هناك تصنيفات مهمة مثل تصنيف شانغهاي، والذي لا يعتمد على الاشتراكات المالية بل انه مجاني، ويعتمد على لجان تطلع بشكل مباشر على المؤسسات وعلى انظمة العمل في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية".

وأضاف ان "المانيا ايضا خارج هذه التصنيفات، فلا توجد جامعات ألمانية في هذه التصنيفات، ولا يعتمدون عليها".

واشار نقيب الاكاديميين السابق الى ان "العملية التعليمية في العراق، تمر بظرف حرج جداً؛ حيث ان الاجتهادات كثيرة والقرارات الارتجالية كبيرة، كما ان عدم وجود تخطيط استراتيجي بعيد المدى للتعليم خلال العقدين الماضيين، أفرز اضطراباً كبيراً اليوم في الجامعات".

ونوه الى ان هناك "اكثر من ثلاث أو اربع من نظم التعليم تدرس، مثل المقررات ومسار بولونيا والفصلي والثانوي، وهناك عدم انتظام وعدم استقرار كبير في مؤسساتنا التعليمية، وسط  التدخلات الطارئة على المؤسسات  التعليمية، ما انتج وضعاً غير مطمئن للمراقبين وللمهتمين بالشأن الاكاديمي".

مؤشرات مقلقة

وحذر المتحدث من "ولوج الجانب السياسي في مؤسساتنا التعليمية، والذي بات يشكل خطراً داهماً، وسط طغيان الربحية في مؤسسات التعليم الأهلي ونسبتها المتزايدة سنوياً، قبالة المؤسسات الحكومية. كل هذه هي مؤشرات مقلقة، خصوصا اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار رداءة التعليم الأهلي بشكله الحالي في العراق".

وأشار إلى ان "نظم التعليم التي لا تثق بقدراتها، هي من تركز على هذه التصنيفات، التي لا تعبر أبداً عن جودة التعليم. بدليل أنها أنتجت مكاتب لبيع وشراء البحوث العلمية ومجلات زائفة ومواقع وهمية، فضلاً عن لجوء الكثير من الطلبة والتدريسيين إلى الجنبة التجارية في كتابة بحوثهم، وبالتالي انتهى البحث العلمي "العلمي" وسط استنزاف المال العام".

واقع سيّئ

من جهته، أكد سكرتير اتحاد الطلبة العام أيوب عبد الحسين، ان هذه التصنيفات "لا تعد بحد ذاتها مؤشرا كافيا على قياس جودة التعليم ورصانته داخل أي بلد كان"، معللاً ذلك بعدة أسباب أهمها أنّ "هذه التصنيفات لا تأخذ بأغلب جوانب العملية التربوية والتعليمية، وتعتمد على معايير يمكن التلاعب بها".

وقال عبد الحسين لـ"طريق الشعب"، إن "بعض هذه المعايير قد لا تكون مؤشرا حقيقيا على التعليم، من ضمنها مثلا مسألة البحوث، وعدد البحوث المنشورة في المجلات العالمية، لاسيما ان بيئة البحث العلمي بالعراق تشوبها الكثير من الإشكاليات وحالات التزييف او ما بات يعرف بالنشر الزائف وهو معيار مهم في التصنيفات العالمية"، لافتا إلى ان هناك "معايير أخرى تعتمدها مثل عدد الأساتذة الأجانب وغيرهم، وكلّ هذه المعايير لا تعتبر مؤشرا حقيقيا على جودة وكفاءة التعليم بالبلد".

وعن تقييم الاتحاد للعملية التعليمية في البلاد أوضح أن "واقع العملية التعليمية بالعراق سيئ للغاية، وهذا مؤشر على عدد من المعايير بما يخص نقص البنى التحتية أو المناهج التي لا تواكب سوق العمل وحاجة هذا السوق، والتطور الأمني والتكنولوجي الذي وصل له العالم، إضافة لعدد المدرسين والأساتذة مقارنة بعدد الطلبة، فضلاً عن تراجع الحريات الأكاديمية الطلابية، وحرية النشر والبحث العلمي".

وشدّد في سياق حديثه على ضرورة أن "يلتفت المعنيون والقائمون على هذا الملف، الى ان محاولة كسب سمعة أكاديمية، من خلال تصنيفات زائفة أو أخرى يؤشر عليها الكثير من الملاحظات، بدون مردود وناتج حقيقي يصب في تطوير الواقع التعليمي، ومعالجة المشكلات والتحديات التي تواجه هذا القطاع، لن تقدم شيئاً، بل تسهم في تعميق الأزمة وصولاً إلى الانهيار".

وأكد في ختام حديثه، أنّ "العديد من دول العالم التي وصل التعليم فيها إلى مراحل متطورة جداً، تقاطع مثل هكذا تصنيفات متهمة بالمحاباة السياسية والانحياز"، مبيناً أنّ "التركيز على هذه القضايا لن يحل مشاكل العملية التعليمية في العراق، بل ان عدم الانتباه لحجم التحديات سيفاقمها أكثر".