العراق وتطورات المنطقة
نشرت محطة سي أن أن تقريراً لجينيفر هانسلر حول الزيارة الخاطفة وغير المعلن عنها، التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي لبغداد، ذكرت فيه بأن بلينكن التقى برئيس الحكومة العراقية لأكثر من ساعة، في سلسلة من الاجتماعات أجراها في تركيا والأردن، ضمن جهود عاجلة لتنسيق المواقف في أعقاب السقوط المفاجئ لنظام بشار الأسد.
العراق "شريك مهم"
ونقل التقرير عن بلينكن قوله بأن الولايات المتحدة تعمل مع شركائها الإقليميين الرئيسيين مثل العراق، لضمان أن لا تستخدم سوريا كقاعدة للإرهاب والتطرف وأن لا تشكل تهديدًا لجيرانها أو أن تتحالف حكومتها المؤقتة مع مجموعات مثل داعش، التي "ستسعى بلا شك إلى إعادة تجميع صفوفها".
وتطرق التقرير إلى وجود شيء من التباين بين الارتياح الذي أبدته واشنطن لسقوط الأسد وتحذيرات مستشارها للأمن القومي جيك سوليفان من استفادة فصائل عراقية معادية للوجود الأمريكي للأوضاع، وبين تصريحات وزير الخارجية الذي قال بإن الولايات المتحدة والعراق قد حققا نجاحًا هائلاً في إزالة "الخلافة" الإقليمية التي أنشأتها داعش قبل سنوات، والتي لا يمكن للطرفين السماح لها بالظهور مجددا، وأن واشنطن ملتزمة بالعمل مع العراق بشأن الأمن، ولحماية سيادته والتأكد من تعزيز ذلك والحفاظ عليه، على حد تعبيره.
انتشار واسع للشظايا
ولصحيفة نيويورك تايمز كتب الصحفي المعروف توماس فريدمان مقالاً أشار فيه إلى أن ما حدث لا يقتصر على انهيار أعمدة الدولة في سوريا داخل حدودها، بل على انفجار الدولة. ولما كانت سوريا حجر الزاوية للمنطقة بأكملها، فلا توجد الآن دولة مثلها، يمكن أن تنتشر شظايا انفجارها إلى مسافات بعيدة. وهو أمر ينبغي دراسته بإمعان إذا ما أراد المرء تقييم عدم الاستقرار المحتمل في بلدان الشرق الأوسط.
وأضاف بأن سوريا كعالم مصغر ــ يضم السنة والشيعة والعلويين والأكراد والمسيحيين والدروز ــ يفضي تضاءل السيطرة المركزية فيه بالضرورة إلى انعدام الأمن لكل طائفة، ويدفعها للجوء إلى الخارج طلباً للمساعدة، مما يوفر فرصاً أكبر للقوى الإقليمية للتدخل ومحاولة سحب البلاد إلى المكان الذي تضمن فيه مصالحها.
نصائح لإدارة ترامب
وقدم ترومان على ضوء ذلك عدداً من النصائح لوزير خارجية واشنطن الجديد ماركو روبيو، كان منها التخلي عن خطاب الانعزالية الذي يتبناه ترامب "أميركا أولا" كي تتمكن من المساهمة في إعادة صياغة سوريا، على حد تعبيره، خاصة وإن الإطاحة بالرئيس بشار الأسد تعّد واحدة من أكبر الأحداث وأكثرها إيجابية وتغييرًا لقواعد اللعبة في الشرق الأوسط في السنوات الخمس والأربعين الماضية.
وكانت نصيحته الثانية اغتنام الفرصة للمساعدة في تطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الإسرائيلي، بدلاً من محاولة تكرار تجربة فرض الديمقراطية من فوق كما جرى في العراق على حد وصفه، حيث أدت الانتخابات الستة التي جرت إلى قيام دولة على حافة الفشل، وبرلمان تهيمن عليه أحزاب محددة على أساس الطائفة أو العرق، وليس روح المواطنة العراقية الحقيقية.
وتوقع ترومان أن يمتد التأثير الايجابي إلى العراق، إذا ما نجح السوريون ببناء حكومة تعددية، في عاصمة عربية عظيمة مثل دمشق، يقودها شعبها وليس أي قوة أجنبية، مؤكداً على أن إهمال إدارة ترامب لذلك سيؤدي إلى حرب اهلية في سوريا، تفتح الطريق أمام عودة ظهور داعش، وزعزعة استقرار الديمقراطية الهشة في العراق.
تغيرات غير متوقعة
وكتب بيتر فان برون مقالاً لموقع "Responsible Statecraft" حول أوجه الشبه والاختلاف بين عراق 2003 وسوريا 2024، ذكر فيه بأن ما حدث لم يكن ممكنا تصديقه قبل أربعين عاماً، حين كانت هناك أنظمة قوية وصامدة في ليبيا والعراق وسوريا، فيما تعيش اليوم نوعاً من الفوضى الأمنية أو الدولة الفاشلة أو الخلل السياسي المزمن. وأضاف بأن تسلسل الأحداث يوحي وكأن سقوط نظام صدام كان الحركة التي فككت ترابط عالم سايكس بيكو مع بعضه البعض.
نمو الإرهاب
وأشار الكاتب إلى أن الاحتلال الأمريكي بدى وكأنه دعوة للإرهابيين للقدوم إلى العراق، حتى كاد العديد من عناصر داعش والقاعدة السابقة، التي تهيمن على سوريا الآن (ولا شك أنها ستتقاتل فيما بينها من أجل السيطرة)، أن تستولي على كامل العراق، وهو ما يخشى أن يتكرر في سوريا إذا ما أطلق العنان للفوضى في منطقة تستهلكها الحرب بالوكالة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل وسياسات القوة المتوسطة في القرن الأفريقي.