في الذكرى السادسة والسبعين لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أكدت الحكومة التزامها بجميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، في وقت تشهد فيه البلاد تراجعاً غير مسبوق في مستوى الحقوق والحريات، ما يضع تصريحات الحكومة موضع انتقاد وجدل.
وتواجه المنظومة السياسية الحاكمة اتهامات بتضييق غير مبرر على الحريات العامة والخاصة، من حجب المواقع الصحافية إلى الحد من حرية التعبير، وليس انتهاء بتشريع قوانين تقيّد الحريات العامة.
العراق في المؤشرات الدولية
ويعاني العراق منذ سنوات تراجعا ملحوظا، وفقا لمؤشرات الحريات العالمية، نتيجة السياسات القمعية وتضييق المساحات الديمقراطية وغياب الالتزام الجاد بالمواثيق الدولية.
ووفقًا لتصنيف "مراسلون بلا حدود" لعام 2024، يحتل العراق مراكز متأخرة في مؤشر حرية الصحافة، حيث جاء في المرتبة 172 من أصل 180 دولة، ما يعكس التدهور المستمر في البيئة الإعلامية والصحافية بسبب الرقابة والحجب، واستهداف الصحفيين والناشطين.
أما في مؤشر "فريدوم هاوس"، فيصنف العراق ضمن الدول "غير الحرة"، حيث تشير التقارير إلى استمرار القيود على حرية التعبير والتجمع والتنظيم. ويفسر ذلك بانعدام الحماية القانونية لحرية الرأي، واستغلال السلطة لملاحقة الأصوات المعارضة أو المناهضة للفساد.
وفي مؤشر "الديمقراطية" الصادر عن وحدة الاستخبارات الاقتصادية، يعاني العراق من تصنيف "نظام هجين"، حيث يتراجع بشكل كبير في مقاييس الشفافية والمشاركة السياسية، مع بروز الدور السلبي للأحزاب المتنفذة في الحد من الممارسات الديمقراطية.
تؤكد هذه المؤشرات أن العراق لم يحقق أي تقدم ملموس في ملف الحريات، رغم توقيعه على العديد من المواثيق الدولية، ما يعكس فجوة كبيرة بين النصوص القانونية والواقع العملي، في حين ان التحديات المرتبطة بهذا الملف لا تقتصر على المؤسسات الحكومية، بل تمتد إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح، وتفشي الفساد الذي يعمق هذه الانتهاكات.
أين الدور الرقابي للبرلمان؟
وتعليقاً على البيان الحكومي، يرى استاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية د. عصام فيلي، ان من البديهي في ظل المراقبة الدولية أن تحرص الحكومة على ان تظهر بمظهر المدافع عن حقوق الانسان.
ويقول فيلي لمراسل "طريق الشعب"، ان "العراق دولة متعددة الرؤوس، والحكومة ورثت الكثير من المفاهيم التي ما زالت متغلغلة، وربما تكاد تكون هذه المفاهيم ممتدة لعقود طويلة من الزمن".
ويضيف، أن "بناء دولة تحترم حقوق الانسان، يبدأ من منذ المراحل الاولى للطفولة في رياض الاطفال وفي المدارس الثانوية وغيرها، والتي تغرس فكرة ان الانسان ذو قيمة"، مبينا ان "تجربة بشار الاسد الاخيرة، وما حصل، اثبتت للعالم اجمع انه لا احد بمنأى عن فضائح جرائمه". ويؤكد فيلي، أن هناك "واجبات مناطة بالبرلمان العراقي، وما تزال هناك الكثير من الملفات العالقة بلا معالجة. وعلى مجلس النواب اداء دوره الرقابي والتشريعي في هذا الاتجاه".
وتساءل عن الدور الرقابي لمجلس النواب، وعن عدد الزيارات الموثقة للجنة حقوق الإنسان النيابية للسجون العراقية، من أجل متابعة أوضاعها وظروفها، وما هي الاجراءات التي اتخذت، وما هي نتائج التحقيق في ملف انتفاضة تشرين، وهل هذه اللجنة تؤدي واجبها على أكمل وجه؟
وتابع قائلاً: إن هناك خللا في العملية السياسية، ومسؤولين لا يعرفون ما هي حدودهم وحصانتهم. لدينا مشكلة في ثقافة النخب السياسية التي ما زالت تؤمن بانها فوق القانون.
تراجع مستمر
بينما قال رئيس مركز حق لحقوق الانسان، عمر العلواني: انه "كان الاولى بالحكومة اولاً ان تنفذ التزاماتها الدستورية، وان ترفع الوصاية عن المفوضية التي اناطت ادارتها بوزير العدل، بينما كان يفترض بها ان تعمل على الحفاظ على استقلاليتها، وتطلب من مجلس النواب ان يستعجل بتشكيل الهيئة الخاصة بالمفوضين".
وأضاف العلواني في حديث مع "طريق الشعب"، أنّ "الكثير من اجراءات الحكومة تجاه ملفات معينة لا نعرف نتائجها، حتى اللحظة، مثل ملف التعذيب في السجون وفي أثناء التحقيق".
ونوه الى ان "الحكومة غير ملتزمة كما تدعي، ولا تختلف كثيراً عن الحكومات التي سبقتها، والتي وظفت ملف حقوق الانسان بطريقة أضرت بهذا الملف. وفي الوقت ذاته تكشف مختلف التصنيفات والمؤشرات عن ان العراق في حالة تراجع مستمر بملف الحريات وحقوق الانسان".
وخلص الى القول: "اننا برغم ان هناك أمورا متعقدة ومتراكمة، الا ان هناك حاجة ضرورية للتحرك الحقيقي وتحسين القطاعي الصحي والتعليمي على اقل تقدير، والنظر لملف الرعاية الاجتماعية وغيرها من الملفات الحساسة بطريقة موضوعية ومهنية".
تحديات وتعقيدات
إلى ذلك، قال رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق، د. فاضل الغراوي ان "اعلان الحكومة، يأتي في مساحة التزامها وما الزمت نفسها به في البرنامج الحكومي المتعلق بتطبيق معايير حقوق الانسان وكذلك دعم الحريات والجوانب الاخرى المتعلقة بموضوعات حق التظاهر والتجمع السلمي وغيرها"
ونوه الغراوي في حديث لـ"طريق الشعب"، بان "هذا الاعلان الحكومي، يأتي في سياق التجديد بما وعدت به الحكومة، وبالتالي يجب ان تتناسب الاجراءات الحكومية مع ما اطلقته من وعود اساسية، خصوصاً في اعماماتها الاخيرة بتطبيق معايير ومضامين حقوق الانسان، اضافة لما يتعلق في مواعيد التقدمات المحرزة في التعامل مع التشريعات المعنية في موضوع حرية الرأي والتعبير، والتي وصلت الى التصويت".
واضاف قائلاً: إنه "على الرغم من ذلك، ما زال هذا الملف وملفات اخرى في مجال حقوق الانسان تواجه وتشهد العديد من التحديات والتعقيدات، وبالتالي هذه قد تكون فرصة لان تقوم الحكومة بهكذا دور وبهذا التوقيت في الايفاء بالتزاماتها بما يخص كفالة وتطبيق معايير حقوق الإنسان، وتسيير كل متطلبات تضمين وصيانة هذه الحقوق بالنسبة للمواطن".
وأكد ضرورة "تعزيز بيئة الحريات بالنسبة لكل المواطنين والحرية الصحفية وحماية الصحفيين والإعلام، الامر الذي قد يسهم مساهمة كبيرة، في تعزيز الشفافية بما يخص منظومة حقوق الانسان".