اخر الاخبار

كل شيء ممكن في منظومة المحاصصة

نشرت صحيفة (ذي ناشيونال) البريطانية مقالاً مطولاً حول سرقة الأمانات الضريبية، التي اصطلح عليها بسرقة القرن وصدور إدانات ضد المتهمين فيها، أشارت فيه إلى أن مسؤولين سابقين أبلغوها عن وجود مبالغ أكبر بكثير مما نُهب في هذه القضية، ما زالت مجهولة المصير، جراء الخشية من أن يطول التحقيق فيها متنفذين بمواقع حساسة.

أحكام رمزية

وذكرت الصحيفة بأن الأحكام التي صدرت بحق العقل المدبر للسرقة المدعو نور زهير جاسم وشريكه النائب السابق هيثم الجبوري، بدت رمزية أكثر من كونها ذات أهمية، وربما مثلت خطوة سياسية، خاصة وأن من المعتقد على نطاق واسع أن هناك عشرات الأشخاص متهمون بشكل ما في هذه القضية التي تمثل نموذجاً لفساد كلف البلاد ما يصل إلى 320 مليار دولار منذ عام 2003، أي ما يعادل 16 ضعفاً لميزانية الأردن، ويكفي لبناء 128 ضعف ما في البلاد من مدارس وجامعات، أو لتعبيد 39 ألف كم من الطرق. 

وأعرب كاتب المقال عن دهشته من عدم الاستجابة للداعين إلى إجراء محاكمة متلفزة أمام الرأي العام، وعدم توجيه اتهامات إلى العديد من كبار المسؤولين السابقين في الدوائر الحكومية التي تعرضت للاحتيال كهيئة الضرائب وبنك الرافدين، الذي قال مسؤول سابق رفيع المستوى في وزارة المالية للصحيفة بأن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حذرا العراق من أن هذا البنك الذي تديره الدولة "يشبه قنبلة موقوتة" مع افتقاده لضوابط قوية توقف النهب.

تبادل الإتهامات

وأكد المقال على اشتداد غضب المتنفذين في الحكومة الحالية والبرلمان، جراء هروب متهمين بالفساد من أعضاء الحكومة السابقة، بما في ذلك وزير ماليتها، فيما يدّعي مناصرو الحكومة السابقة بأن رئيسها كان قد استسلم لضغوط خصومه وعيّن من اقترحوه عليه في مناصب، مما عرضه للخديعة حين أقدم هؤلاء على صفقات فساد مهولة. ونقلت عن وزير المالية السابق علي علاوي قوله باستحالة إجراء تعيينات مهمة في وزارة المالية دون تدخل السياسيين، مدعياً بأن مرشّحيه لرئاسة دائرة الضرائب المنهوبة، رفضا الترشيح خوفاً على عوائلهم، فيما قام خصومه بتعيين أكثر من 2800 موظف في وزارة المالية دون إذنه. كما تبادل عدد من القضاة، من ذوي العلاقة، الاتهامات سواء بمحاباة اللصوص أو التجّني عليهم.

الكشف عن الفضيحة

وشرحت الصحيفة تفاصيل "سرقة القرن" مشيرة إلى أنها تضمنت توقيع 247 شيكًا من قبل الهيئة العامة للضرائب في وزارة المالية للدفع إلى خمس شركات وهمية تمثل شركات نفط دولية تسعى إلى استرداد تأميناتها الضريبية في العراق.

وبناءاً على رأي مستشار غربي يتعاون مع شركات النفط، وجدت الصحيفة بأن إحدى هذه الشركات لم تكن على علم بأنها فقدت أي أموال في عملية الاحتيال، مما يشير إلى أن الأموال المستردة زوراً كانت من مصادر أخرى تخص الحكومة العراقية. ووفقًا لمصدر ثانٍ في مكتب رئيس الحكومة السابق فإن التدفق الهائل للأموال خلق فقاعة عقارية في المناطق الراقية من بغداد وبعض أجزاء جنوب العراق.

وأكد مستشار سياسي لرئيس الحكومة للصحيفة على أن رئيسه جعل تنفيذ العدالة في قضية السرقة أولوية قصوى له، حتى وإن أدى ذلك لتآكل شعبيته، في وقت تبين فيه أن شبكة واسعة من الموظفين الكبار في بنك الرافدين وهيئة الضرائب والبنك المركزي العراقي ووزارة النقل وهيئة النزاهة، قد شاركت في العملية، وفق ما ورد في المقال، الذي بيّن بأن رصيد حساب المالية لم يتغير ليعكس عمليات السحب الضخمة، حتى عندما تم إفراغه من الأموال، مما يعني وجود من قام بالتعتيم المتعمد على حركة الأموال. كما لم يجد تحقيقان لاحقان أجرتهما هيئة النزاهة تحت قيادة رئيسها الأسبق أية مخالفات!

تحضيرات دؤوبة

ورغم أن معظم روايات السرقة تبدأ في صيف عام 2021، عندما أرسل رئيس لجنة المالية البرلمانية، رسالة إلى وزير المالية يطلب فيها إنهاء دور ديوان الرقابة المالية، وهو أقدم منظمة تدقيق عامة، في سلطة الضرائب، وذلك لتقليص البيروقراطية التي "تعرقل" إعادة أمانات الضرائب، فإن التحضير للسرقة كان قد انطلق مع تعيين مدير عام لهيئة الضرائب في عام 1919، متهم بضلوعه في محاولة معروفة للاحتيال على هيئة الضرائب، وهو أمر ممكن الحدوث وفق تقسيم الوزارات والمناصب على أساس "المحاصصة".

عرض مقالات: