سمح أسلوب السلة الواحدة - وهي بدعة كوميدية لا أساس قانوني لها - للكتل الطائفية المتنفذة في مجلس النواب العراقي، بتمرير الجزء الأهم في التعديل غير الدستوري واللا إنساني لقانون الأحوال الشخصية، بعد ربطه بقانونين جدليين، هما تعديل قانون العفو العام ومشروع قانون إعادة العقارات إلى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل.
ففي حين أن القوانين ومنها قانون العفو العام يجب أن تخدم قضايا الناس الملحة، وتنقذ الأبرياء منهم، يراد بها هنا - عبر صفقات سياسية فاسدة ومساومات بائسة - إنقاذ عدد من الإرهابيين وسارقي المال العام.
وسادت أجواء من الفوضى والتراشق الكلامي وعدم الشفافية جلسة مجلس النواب ليوم أمس، اذ غابت التصريحات الرسمية حول هل تم التصويت على هذه القوانين فعلاً مثل ما ظهر في أحد الفيديوهات، أم رفعت الجلسة حقاً للتداول. في مشهد يدل على دهاء المتنفذين المهيمنين على مقاعد مجلس النواب. وحصل بسبب ذلك إرباك للرأي العام قبل أن تقرر رئاسة البرلمان رفع الجلسة رسمياً. وهذا يؤكد حالة الخراب التي تمر بها الدورة النيابية الحالية.
ليس غريباً التراجع عن التصريحات التي جرى فيها رفض العودة إلى أسلوب السلة الواحدة، وان تشبع القوانين المختلف عليها نقاشاً، وصولاً إلى مرحلة التصويت دون عوائق، إذ شهدنا جلسات وجلسات يُغّيب فيها النظام الداخلي واحترام الدستور والقانون، وتشترى فيها الذمم ويُراقب فيها صوت النائب في مسـألة اختياره ممثله في هيئة الرئاسة.
فيما غاب تماماً دور هذا المجلس الفاقد للشريعة الشعبية في مراقبة الأداء الحكومي وتشريع القوانين التي تهم الناس وقضاياهم الملحة.
ألا يعلم النواب الذين يفترض بهم معرفة مهامهم الدستورية، بحجم خطورة الأوضاع التي تجري في سوريا، أم أن مصالحهم الذاتية هي الأساس، وما تبقى ثانوي، اذ تؤكد هذه الأساليب حجم أزمة الثقة بين القوى المهيمنة على القرار النيابي، ومساعي تكريس مصالحها البعيدة عن حاجات الناس وتطلعها إلى العيش الكريم، من خلال وضع العديد من القوانين المختلف عليها في جلسة واحدة، لضمان تمريرها بصفقة نهج المحاصصة الطائفية المقيتة سيئة الصيت، فيما يُبقي المتنفذون على الأزمات ويرحلونها إلى استعصاء آخر، بغية البقاء في السلطة ليس إلا.
ويبدو أن الحراك النيابي والسياسي والاجتماعي والشعبي الذي قاده تحالف 188 الرافض لتعديل قانون الأحوال الشخصية في المدة الماضية، والملاحظات الجدية التي قدمت على مشروع قانون الأحوال الشخصية، لم تجد طريقها في التعديلات، ما يفند ادعاء الكتل المتنفذة بالاستماع إلى الرأي الآخر من خلال جلسات الاستماع المزعومة.
لذا نخاطب باسم النساء، الأمهات المتضررات من هذا القانون، خصوصاً فقرة الأثر الرجعي، وباسم الإنسانية وحقوق الانسان، باسم العراق وشعبه الكريم، نخاطب ما تبقى من الضمير الانساني، في عدم التصويت بشكل نهائي على هذا التعديل، كونه سيسلبهن حق الأمومة، وأن يسحب القانون من مجلس النواب فوراً.
كما نؤكد على أننا ماضون في جميع الإجراءات الدستورية والقانونية حالياً ولاحقاً من أجل إحقاق الحق للحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي للشعب العراقي وعدم تفرقته طائفياً واثنياً، رغماً عن محاولات المتنفذين في مجلس النواب في تكريس ذلك، عبر وضع صياغات طائفية وعنصرية، في التعديل المطروح.
أخيراً، نقول إن تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية بمثابة صفقة عار، مقابل إطلاق سراح سجناء بتهمة الإرهاب والفساد، وإدخال النساء والقاصرات في سجن العبودية الذكوري!
بغداد
3-12-2024