المحافظات العراقية والتنافس الإقليمي
كتب فيليب سومير وريبوار رؤوف لموقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، مقالاً حول التدخلات الخارجية في إدارة بعض المحافظات العراقية، أشارا فيه إلى أن التوترات المستمرة في مجالسها، تكشف عن عمق وسعة التنافس بين القوى المحلية والإقليمية على النفوذ في تلك المجالس، والتي تشتد في ظل حالة من عدم اليقين وسوء الإدارة والصراع الخفي تارة والمعلن تارة على المواقع والموارد.
فصل جديد للصراع
وأشار الكاتبان إلى أن انتخابات المجالس المحلية التي جرت قبل عام، بعد طول انتظار، قد دشنت فصلاً جديدًا من الصراع السياسي بين الجهات الفاعلة المحلية، كما بين المركز والإقليم، وبين الطرفين المتنفذين فيه، وكذلك بين الدول المتنافسة الإقليمية ومنها إيران وتركيا.
وذكر المقال محافظة نينوى، بما في ذلك قضاء سنجار، كمثال على المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، وكواحدة من أكثر المناطق أهمية من الناحية الاستراتيجية لكل من جارتي العراق الشمالية والشرقية، مشيراً إلى أن مجلس المحافظة المتكون من 26 مقعدًا، مع ثلاثة مقاعد مخصصة للأقليات، مقعد واحد لكل من المسيحيين والإيزيديين والشبك، قد توزع بين تحالفين سياسيين رئيسيين هما تحالف أهالي نينوى الذي يشغل ستة عشر مقعدًا، وائتلاف نينوى الموحد الذي يشغل تسعة مقاعد.
وأعرب الكاتبان عن اعتقادهما بأن العلاقة بين التحالفين تمتد من تعاون عرضي لتصل إلى منافسة حول المواقع في الإدارة المحلية، وهو الأمر الذي ظهر جلياً في إجراء تغييرات على عشرين منصبًا إداريًا رئيسيًا في المحافظة بما في ذلك استبدال سبعة رؤساء بلديات وثلاثة عشر رئيس بلدية فرعية، دون التوافق مع ائتلاف نينوى الموحد والحزب الديمقراطي الكردستاني، الذين علقا عضويتهما في مجلس المحافظة، وطالبا بإقالة رئاسة المجلس.
وكانت من أبرز نقاط الخلاف تعيين قائمقام لسنجار، مقرب من الاتحاد الوطني الكردستاني، والذي زعم الكاتبان بأنه مقرب من إيران، ويوفر غطاءً لنفوذها في المحافظة، لاسيما بعد حظر بغداد لنشاط حزب العمال الكردستاني، صديق طهران الذي يهيمن على سنجار والمناطق المحيطة بها. ويبدو بأن هذه المشاكل قد تم تذليلها حين تراجع المقاطعون عن قرارهم وعادوا لتفعيل نشاطهم في المجلس.
تنافس إقليمي
وفيما تتعزز مواقع أصدقاء طهران في المنطقة، حسب زعم الكاتبين، يتقلص نفوذ أنقرة تدريجيًا، وخاصة في محافظتي كركوك ونينوى، ويفقد اصدقاؤها الكثير من مواقعهم، لاسيما بعد أن بات واضحاً التردد في التعاون معها بسبب خشية الكثيرين من عودة المنظمات الإرهابية، التي تدور شبهات حول دعم تلقوه من تركيا في العقد الماضي، فيما تبدو السياسة الإيرانية وكأنها تساهم في التصدي للإرهاب، في استراتيجية تضمن الشعور بوجود إيران دون هيمنة علنية واضحة لها.
ولا تلقى الاستراتيجية التركية التي تتضمن مواقف علنية، وتضع تركيا كراعٍ ومدافع عن الأقلية التركمانية، ترحيباً بين العراقيين، المعتدين بوطنيتهم، في وقت فشل فيه حلفاؤها في تعزيز مواقعهم في نينوى أو كركوك، جراء الانقسام الداخلي بين هذه الجماعات العرقية والدينية، وتحالف بعضها مع إيران ونتائجها الانتخابية السيئة بشكل عام. وتوقع المقال أن تعمل أنقرة على تعويض هذا التراجع عبر الحفاظ على وجودها العسكري المتزايد في شمال العراق، وما توفره لها الإتفاقية الأمنية الجديدة من موطيء قدم، وسعيها للحصول على ضمانات بأن سيطرتها على بعشيقة ستظل سليمة.
تدخلات ضارة
وأكد الكاتبان على أنه وبغض النظر عن النتيجة، فإن تورط الدول الإقليمية والمجاورة في الشؤون الداخلية للعراق لا يعالج المشاكل الأساسية للبلاد، ولا يوفر حلاً سلمياً لها، لأن دعم هذه الدول للمجموعات التي تتوافق مع أجنداتها الخاصة يساعد في زيادة الاحتكاك الداخلي بين أطراف العملية السياسية، ويستخدم كل منها ادعاءات الرأي العام لتبرير التدخل العسكري كوسيلة لتنفيذ استراتيجياتها الإقليمية على الأرض.