اخر الاخبار

التعداد السكاني والمحاصصة

كتبت ناننسي عزالديني مقالاً لموقع أمواج البريطاني حول التعداد السكاني الذي أُجري في البلاد مؤخراً، والذي يعّد الأول من نوعه منذ ثلاثة عقود، أشارت فيه إلى أن المسؤولين يأملون أن تكشف نتائج التعداد عن واقع العراق في أدق تفاصيله، وربما تعمل على إحداث ثورة في صناعة السياسات من خلال رؤى تعتمد على البيانات الجديدة.

آراء مختلفة

وذكرت الكاتبة بأن العديد من العراقيين لا يشاركون السلطات تفاؤلها هذا بشأن النتائج المتوقعة للاستطلاع، حيث يخشى إقليم كردستان مثلاً، من أن تؤدي أرقام السكان الجديدة إلى تقويض مطالباته بضم ما يسمى بالأراضي المتنازع عليها إلى الإقليم. ويبدو أن استبعاد الحكومة الأسئلة المتعلقة بالعرق والطائفة، لم ينجح في تخفيف مثل هذه المخاوف، فيما بدا هذا الاستبعاد نفسه غريباً في بلاد تحكمها منظومة يتحدد التمثيل السياسي وتوزيع الموارد فيها على أساس العرق والطائفة.

وأضافت الكاتبة بأن محاولات البيروقراطيين غالبًا أنكار ذلك، لم يعّد نافعاً، خاصة وإن الكثيرين باتوا يخشون من أن تكون النخب السياسية قد أصبحت مرتبطة بشكل لا رجعة فيه بصنع السياسات التي تركز على الطائفة. وعموما رأت الكاتبة بأن التحدي سيكون في إظهار بيانات التعداد الجديدة القدرة على تحسين حياة العراقيين، وما إذا كانت ستمثل لحظة نادرة لشق طريق مختلف، وإثبات أن التفكير المستقبلي والسياسة القائمة على الإحصائيات العلمية أمر ممكن.

أهمية البيانات الدقيقة

وأشار المقال إلى أن آخر تعداد سكاني أجرته بغداد قد أظهر بأن عدد سكان العراق، ماعدا المحافظات الثلاث ذات الأغلبية الكردية، أربيل والسليمانية ودهوك، يبلغ حوالي 22 مليون نسمة، في وقت شابت فيه تلك العملية عددا من المؤامرات السياسية من قبل حزب البعث الحاكم، إلى الحد الذي فقدت فيه مصداقيتها لدى كثير من المراقبين.

وأضاف بأن البلاد قد شهدت منذ ذلك الحين، طفرة كبيرة في المواليد، حيث يشير خبراء الديموغرافيا إلى أن 60 في المائة من السكان الحاليين ولدوا بعد عام 1990، و40 في المائة بعد عام 2003. وبالمقارنة بجيرانها، الذين شهدوا جميعًا تقريبًا "زلزالًا شبابيًا" من معدلات الخصوبة المرتفعة والنمو السكاني، فإن العراق يتصدر المجموعة بتوقعات تشير إلى أن إجمالي عدد سكانه سيصل إلى 50 مليونًا بحلول عام 2030. وأكدت الكاتبة على أن الافتقار إلى الأرقام الموثوقة يشكل العائق الأساسي أمام نجاح الحكومة، بما في ذلك قدرتها على تحديد الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات الفقر بدقة، حيث تتراوح حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بين 5620 دولارًا و6826 دولارًا، أي بين 15 و19 دولارًا في اليوم.

الديموغرافية والمحاصصة

وجراء اعتماد تكوين المؤسسات الديمقراطية في العراق على عدد السكان، بحيث يكون هناك مقعد واحد في الهيئة التشريعية الفيدرالية لكل 100 ألف عراقي، توقعت الكاتبة أن يتوسع البرلمان ليضم 450 مقعداً بدلاً من 329 مقعداً.

الاّ أن ذلك لايبدو سهلاً بسبب ما يختزنه التحاصص الطائفي والإثني غير الدستوري، من تفاصيل معقدة، أعطت للتركيبة السكانية النسبية للمجموعات العرقية والطائفية المختلفة في البلاد دورًا كبيرًا في التمثيل السياسي. كما ساهمت السياسات التمييزية والنزوح والتحولات الديموغرافية الأخرى في زيادة الارتباك، وهو ما يمكن أن يديم التوترات السياسية ويغذي المخاوف من زعزعة الاستقرار وقد يؤدي إلى المزيد من النزاعات على الحكم.

بقاء المحاصصة

وذكر المقال بأنه ومهما كانت الحقيقة التفصيلية للتركيبة السكانية في العراق، فمن المؤكد أن الديناميكيات الاجتماعية والسياسية ستستمر في إعادة تشكيل التركيبة العرقية الطائفية للبلاد في السنوات القادمة، في ظل تباين بمعدلات الخصوبة بين الفئات السكانية المختلفة، وهو ما سيزيد من المطالبات بزيادة أو تقليص التمثيل السياسي والحصة في الموارد من هذا الطرف أو ذلك. وتوقعت الكاتبة أن تتعقد المشاكل بين أربيل وبغداد، إذا ما إستمرت منظومة المحاصصة بإدارة البلاد وفق منهجها.

واختتمت الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن تعداد عام 2024 الذي يشكل خطوة ضرورية ومتأخرة منذ فترة طويلة، لن يكون الحل السحري للعديد من التحديات السياسية والديموغرافية التي يواجهها العراق، ما لم تُجبر السلطة على استخدام نتائجه بصورة حيادية وسليمة.