اخر الاخبار

جاء قانون الانتخابات الجديد بدوائره الـ 83 والمنافسة المناطقية التي فرضها، بأساليب دعائية جديدة أراد بعض المرشحين من خلالها التكيف مع هذا التغيير، ولكن عبر تكريس لغة المناطقية على حساب الخطاب الوطني. وتوالت خلال الأسابيع الماضية موجات كبيرة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي وانتقادات واسعة لبعض المرشحين بسبب حملاتهم غير المقنعة من وجهة نظر مواطنين.

أساليب مثيرة للسخرية والغضب

بمجرد أن أطلقت مفوضية الانتخابات، الضوء الأخضر للمرشحين من أجل الترويج العلني لأنفسهم، سرعان ما قام الكثير منهم بالتكيف مع القانون الانتخابي الجديد، ولكن من المنظور الضيق الذي يهدف لكسب الأصوات على حساب أي شيء آخر. واستغل البعض منهم الوضع العام الذي يشهد غياب المتابعة الصارمة داخل الأحياء والأزقة، وأصبح يركز على لغة المظلومية المناطقية أو الطائفية، واللغة العشائرية مقابل الخطاب الوطني الذي تلاشى في ظل هذه الدوامة.

الأمر اللافت للنظر في هذه الحملة، اتساع تقديم الخدمات البلدية “ تبليط وتنظيف” مقابل ضعف انتشار الملصقات الإعلانية التي كانت تغزو الشوارع في السابق، لتحول بغداد على سبيل المثال، إلى جدار مغطى بوجوه المرشحين، دون أي اعتبار للمؤسسات الحكومية أو ضوابط ولوائح المفوضية التي تؤكد على أهمية الابتعاد عنها وعدم زجها في هذه المعركة.

ويتحدث الناشط محمد مازن، من سكنة محافظة بغداد، عن التغيير الذي طرأ على نمط الإنفاق الانتخابي مقارنة بالدورة السابقة قائلا لـ”طريق الشعب”، إن المرشحين المتنفذين كانوا في السابق “ينفقون أموالا طائلة على طبع الملصقات والبوسترات العملاقة والكارتات وغيرها من المطبوعات”، مضيفا ان “الحال تغير هذه المرة، وأصبح بعض المرشحين يقدمون عروضا مختلفة داخل الرقع الجغرافية لحدود دوائرهم الانتخابية؛ فهناك من يأخذ المواطنين إلى سفرات ترفيهية أو دينية، أو من يقوم بحملات لتنظيف أو ترميم بعض الشوارع، أو القيام ببعض المهام الخدمية، فضلا عن الحديث بلغة الـ(نحن) والتركيز على الهم المناطقي على حساب الوطني. وكأن النائب سيمثل منطقة معينة ويشرع القوانين لها وحدها، وهذا واضح جدا بأنه تلاعب مخجل”.

ويتابع مازن “هناك محاولات لشراء البطاقات الانتخابية بالمال أو المغريات، فيما يستمر استغلال المال العام على قدم وساق لغرض كسب رضا الناخبين بتبليط الشوارع وغيرها”.

مخالفات انتخابية

وحتى وقت قريب، قال النائب علي البديري في تصريح صحافي، إن جهات وشخصيات متنفذة “تقوم بشراء بطاقات الناخبين مقابل مبالغ مالية أو هدايا. كما رصدت عمليات شراء الأصوات علنا مقابل تقديم هدايا ـ عبارة عن قطع سلاح ـ لبعض شيوخ العشائر في الوسط والجنوب”. فيما طالب النائب فرات التميمي، رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض “بفتح تحقيق فوري وبيان وكشف هوية من يضغط ويجبر مقاتلي الحشد الشعبي على جلب البطاقات الانتخابية”، موضحا أن “الأمر يستدعي تدخل الحكومة من اجل شفافية الملف الانتخابي. وعدم السماح بالتدخلات غير القانونية”.

جاء ذلك بعد أن طالب أمس الأول نواب نينوى في بيان مشترك الحكومة بـ”التدخل لوقف بيع وشراء البطاقات الانتخابية، لأن ذلك سيجعل الانتخابات المقبلة غير نزيهة، ومشكوكا بنتائجها”.

ولم ينته الأمر عند ذلك، خصوصا بعدما انتقدت عضو لجنة الخدمات النيابية، منار الشديدي ما سمته بـ”الصمت الحكومي والبرلماني وكذلك مفوضية الانتخابات، حيال الخروق الانتخابية التي يمارسها مسؤولون تنفيذيون في الدولة”.

وبينت الشديدي في تصريح صحافي أن “نصف المشاريع وموارد الدولة استحوذ عليها محافظون ومسؤولون تنفيذيون في عموم المحافظات لاغراض ودعايات انتخابية”.

وأشارت إلى أن “هناك عمليات مناقلة للمشاريع الخدمية يمارسها محافظون ومرشحون دون أي رادع أو إجراء قانوني”.

وأكدت أن “الحملات الانتخابية للمسؤولين تمول من أموال الدولة وأدواتها بشكل تام”، داعية البرلمان ومفوضية الانتخابات إلى “معالجة الخروق الانتخابية الفظيعة لمنح فرص متكافئة لجميع المرشحين”.

وطالبت النائبة بـ”إعفاء المسؤولين التنفيذيين المرشحين للانتخابات من مناصبهم قبل موعد الانتخابات بعدة أشهر، للحفاظ على نزاهة الانتخابات وإعادة ثقة المواطن بالعملية السياسية وحثه على المشاركة الفاعلة”، لافتة إلى أن “سيارات الدولة وإيراداتها سخرت للحملات الانتخابية للمحافظين والمسؤولين وأحزابهم، وان المشاريع تذهب نحو مناطق نفوذ المرشحين وأصحاب المناصب”.

هل الاقتراع يغير المعادلة؟

وبحسب الباحث في الشأن الانتخابي، مهند خضير، فإن ما يؤكد كلام النواب أعلاه، ان “الحديث الذي قالته الناطقة باسم المفوضية جمانة غلاي قبل فترة عندما أوضحت بان (المفوضية شكلت لجان رصد تنسق مع أمانة بغداد وهيئة الاتصالات لرصد المخالفات في هذه الحملات لكن قانون الانتخابات لا يحدد سقف ما ينفقه المرشح أو الحزب أو الكتلة في حملته الانتخابية)، أي بما يعني السماح لبعض الأحزاب والمرشحين المتمكنين ماليا من إنفاق ملايين الدولارات في حملاتهم الانتخابية، بينما هناك مرشحون لا يستطيعون توفير بضعة مئات من الدولارات لحملاتهم”. ويوضح خضير لـ”طريق الشعب”، إن العملية الانتخابية منذ تأسيسها بعد 2003 وحتى اليوم “لا توفر العدالة بين المرشحين، ومن المؤكد أن كل من مسك زمام السلطة حصل على مقاعد نيابية كثيرة، ويمكن قول ذلك اعتمادا على نتائج الانتخابات طيلة الدورات السابقة. ولذلك من غير المنطقي أن يتوقع المواطن العدالة في المنافسة بعدما حصرت مناطق الترشح في دوائر صغيرة محكمة تماما بالزعامات والقبائل والولاءات والمصالح المتبادلة”.

وتابع ان “المنظومة الانتخابية في شكلها الحالي لا يمكن أن تنتج حصيلة ايجابية في ظل كل هذا الخراب والتنافس اللامشروع ووجود المال السياسي والسلاح المنفلت والتغييب الممنهج للخطاب الوطني وترسيخ لغة الانتماءات الضيقّة”.

دعايات مستهلكة

ويؤكد المواطن أمجد ربيع (41 عاما) أن أساليب المرشحين باتت لا تنطوي على المواطنين، موضحا أنهم يستغلون سوء الأوضاع المعيشية للكثير من العوائل وافتقارها للخدمات العامة التي تشهدها مناطقهم السكنية.

وذكر أنه “في موسم الانتخابات، يتسابق المرشحون على تقديم الخدمات بهدف كسب تعاطف أكبر عدد من الناخبين للحصول على أصواتهم”، لافتاً إلى أن “هناك غضباً واضحاً من قبل غالبية الناس بسبب رؤية المرشحين في الموسم الانتخابي فقط”.

عرض مقالات: