اخر الاخبار

برغم ما يمتلكه البلد من موارد طبيعية هائلة وموقع استراتيجي يجعله رابطا رئيسيا بين قارات العالم، ما زال يعاني من بيئة استثمارية طاردة وغير مشجعة للقطاع للاستثمار، الأمر الذي أثّر بشكل كبير على جهود التنمية الاقتصادية المستدامة وفرص العمل.

 وتشير الإحصاءات إلى أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العراق شهد انخفاضاً في السنوات الأخيرة، إذ بلغت نسبة الاستثمارات الأجنبية 1.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي فقط، وفق تقرير البنك الدولي لعام 2023، بينما ترتبط هذه البيئة غير الجاذبة للاستثمار بعدة عوامل، أبرزها الفساد المالي والإداري إضافةً إلى تردي البنية التحتية، حيث يقدّر البنك الدولي حاجة العراق إلى استثمارات تفوق 88 مليار دولار لتحسين بنيته التحتية، وهو عامل رئيس لجذب الاستثمارات، في ظل تدهور واضح في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والنقل، الى جانب انتشار الجماعات المسلحة، والبيروقراطية المعقدة في المؤسسات الحكومية.

وتؤكد الاحصاءات والتقارير المنجزة من قبل جهات معنية، الحاجة الماسة للإصلاحات العاجلة لتعزيز جاذبية السوق العراقية للمستثمرين.

ووفقاً لمؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2023، يحتل العراق المرتبة 157 من أصل 180 دولة، مما يعكس تفشي الفساد بشكل كبير، ويؤثر سلباً على جذب الاستثمارات.

بحسب تقرير البنك الدولي لعام 2023، فإن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العراق يمثل 1.4 في المائة فقط من إجمالي الناتج المحلي، وهو من أدنى المعدلات في المنطقة.

ومن جانب اخر، ارتفعت معدلات البطالة في العراق لتصل إلى نحو 16في المائة، وفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2023. وفي السياق ذاته تراجعت الاستثمارات المحلية، فبحسب اتحاد الصناعات العراقي، تم اغلاق أكثر من 70 في المائة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خلال العقد الأخير، بسبب تعقيدات البيروقراطية وضعف الدعم الحكومي.

رابطة استثمارية لجذب رؤوس الاموال

وكشف رئيس غرفة تجارة ديالى محمد التميمي، عن مساع لإنشاء الرابطة الاستثمارية لجذب رؤوس أموال عشر دول صوب العراق، حيث قال إنه "خلال السنوات الماضية نجحنا في بلورة علاقات مهمة مع شركات ورجال اعمال في 10 دول بينها اقليمية وأخرى عربية ضمن الشرق الاوسط من خلال المشاركة في اجتماعات ومؤتمرات اقتصادية متعددة".

وأضاف التميمي، "لدينا حراك لإنشاء الرابطة الاستثمارية التي تعمل على جذب رؤوس الاموال من 10 دول للعراق من خلال بيان ما متوفر من رخص في 12 قطاعا مهما خاصة الصناعي والزراعي والاسكان"، مشيراً الى أن "هناك جهودا من أجل بلورة أول مؤتمر استثماري في ديالى ستليه مؤتمرات أخرى من أجل خلق شراكة أكبر من المستثمرين ورجال الاعمال".

لمَ البيئة طاردة؟

في هذا الشأن، قال استاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، د. عصام فيلي ان "الاستثمار في العراق هو بالأساس يكاد يكون حدثا طارئا على بنية الدولة العراقية، فبعد عام 2003 بدأ موضوع الاستثمار الذي يرتبط بطبيعة العولمة والانفتاح الاقتصادي".

واشار فيلي في حديث مع "طريق الشعب"، الى ان "وجود جهات نافذة ضاغطة تحاول تحقيق منافع ضيّقة، خلقت بيئة غير مشجعة على الاستثمار، حتى دفعت رأس المال العراقي للهرب الى دول الجوار، ومن جانب آخر نجد ان معظم مشاريع الاستثمار كانت وبالا على المواطن، ولنا في المجمعات السكنية والارتفاع الجنوني في اسعار الوحدات السكنية استناداً للتكلفة، وسط ازمة السكن، مثال واضح".

ونوه فيلي الى ان الاستثمار "بحاجة ماسة اليوم الى تشريعات وقوانين، توفر بيئة مشجعة ومحفزة تجذب رؤوس الاموال، فليس هنالك قوانين تحمي المستهلك او تحمي المواطن".

وبحسب استاذ العلوم السياسية فإن أكثر ما أثر سلباً على ملف الاستثمار: "الفساد المستشري وتأثير المكاتب الاقتصادية للأحزاب المتنفذة في السلطة، وعقود المشاريع التي لا تخضع للرقابة الدقيقة بل وصلنا الى مرحلة عدم الإعلان عنها، حيث نتفاجأ اليوم أن الكثير من العقود التي يتم ابرامها لا تكون مع شركات دولية".

وواصل القول: ان "الاستثمار لا يمكن ان يعمل وينتعش إلا في بيئة آمنة. وفي غيابها ستكون البيئة طاردة، وهذا بفعل وجود جماعات مسلحة وأحزاب متنفذة تمتلك اذرعاً مسلحة وقوى اجتماعية تمارس الضغط، نتيجة مواقف سياسية مرتبطة بالدول الأم للشركات الاجنبية التي تنتمي إليها هذه الشركات، حتى تصل الأمور احياناً الى إيقاف المستثمرين أو قد يتعرضون حتى للهجمات والاختطاف وغيرها، وبالتالي فإن الشركات العالمية لديها مؤشرات عن مخاطر في هذا الاتجاه، وتأخذ بعين الاعتبار موضوعة اصطدامها بعواقب مختلفة".

القوانين.. شرطها الأول

الى ذلك، قال الخبير الاقتصادي، همام الشماع، قال ان "الخطوة الاولى لتهيئة بيئة جاذبة للاستثمار وتأمين وضمان مستقبله هي القوانين، وهي الشرط الاساسي لتلبية ذلك. ونحن بالفعل لدينا قوانين لكنها غير مفعلة، بفعل وجود اشخاص وجماعات متنفذة تلعب دوراً سلبياً".

ونوه في حديث مع "طريق الشعب"، الى ان هناك "جماعات وجهات نافذة تمارس الضغوط والابتزاز، وتفرض شروطا تعجيزية على المستثمرين، الامر الذي حول العراق الى بيئة طاردة غير جاذبة. وعليه فإن تطوير الإطار القانوني هو الأساس الاول والأخير لتطوير الاستثمار في العراق"، لافتا الى انه "بدون تطوير الاساس القانوني، لن نستطيع جذب الاستثمارات".

واكد الشماع في سياق حديثه، أن "تطوير الإطار القانوني وإيجاد تشريعات محدثة، مرهون بوجود دولة قوية تسودها قوة القانون، ولا ينتشر فيها السلاح المنفلت والجماعات المسلحة التي تعطل عملية التنمية، ولا يمكن لأي قوى التجاوز على حقوق الناس".

وخلص الى القول: إن "وجود الجماعات المنفلتة وانتشار السلاح المنفلت وغياب الاستقرار، هي عوامل اساسية تجعل بيئة العراق غير مناسبة للاستثمار".