اخر الاخبار

المجتمع المدني والديمقراطية في العراق

نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى على موقعه مقالاً للكاتب عبد السلام المدني، تطرق فيه إلى الخيارات الصعبة التي يواجهها، المجتمع المدني العراقي، بعد السنوات التي أعقبت سقوط الدكتاتورية، والنمو الذي شهده هذا المجتمع وما استُثمرت من جهود وأموال وموارد طائلة لتعزيزه، والتي أثمرت عن ولادة مئات المنظمات المدافعة عن الديمقراطية ومن أجل تمكين المرأة سياسياً واقتصاديًا والدفاع عن حقوق الأقليات.

تراجع في التمويل

وذكر المقال بأن السنوات الأربع الأخيرة شهدت تراجعاً في تمويل هذا المجتمع بسبب جائحة كوفيد والركود في اقتصاديات الدول المانحة وتوجهها لتقديم دعم كبير لأوكرانيا في حربها مع روسيا، إضافة إلى اعتبارها العراقَ من الدول الغنية التي تمتلك 100 مليار دولار من الإحتياط النقدي و130 طناً من الذهب، رغم إبتلائها بفساد شنيع.  

وشمل هذا التقليص حتى ميزانية صندوق الدعم الإنساني العراقي  (IHF) الذي يُديره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ، حيث لم يتلق سوى 29 في المائة من احتياجاته مما ترك آثاراً سلبية على دوره المحوري في توفير التمويل المباشر وتنسيق الجهود بين المنظمات غير الحكومية. كما أدى تقليص تمويل الجهود الإنسانية التابعة للمنظمة الدولية للهجرة بنسبة 93 في المائة إلى الإضرار بمجالات حيوية مختلفة تشمل مراقبة النزوح وتقييم تغير المناخ ودمج النازحين داخليًا.

انتقادات حادة

وبعيدًا عن كل الجدل حول التمويل الدولي، تعبر أصوات قوية عن انزعاجها من اعتماد المجتمع المدني العراقي على التمويل الدولي، بدعوى خضوع العديد من المنظمات التي تتلقى الدعم لأجندات خارجية. وأشار الكاتب إلى إنه وعلى الرغم من تلك الانتقادات، سيكون لغياب المجتمع المدني نتائج كارثية على المسار الديمقراطي، حيث لا ديمقراطية دون مجتمع مدني ولا مجتمع مدني دون ديمقراطية. وحدد المقال أبرز معالم الدور الذي يجب أن تلعبه منظمات المجتمع المدني كتقديم الخدمات المباشرة و نشر الوعي و بناء القدرات و حماية المجموعات و حملات المناصرة و مراقبة الأداء الحكومي و المشاركة في عملية صنع القرار.

حلول مقترحة

وتضمن المقال مجموعة من المقترحات لمعالجة المعوقات والمشاكل التي تعترض نشاط وديمومة المجتمع المدني، ومنها تطوير ديناميات مجتمعية محلية تشجع على العمل الخيري وتضمن استمراريته دون الاعتماد على الدعم الخارجي، والإبقاء على خطوط التواصل بين المنظمات الدولية والمنظمات المحلية للحفاظ على دعم مستمر حتى ولوكان محدوداً، لاسيما بعد أن أدت التمويلات الطائلة لمشاريع قصيرة المدى، إلى جعل أبواب الفساد مشرعة بقوة.

تدخل السلطة والقوى المتنفذة

واعتبر الكاتب تحكم القوى السياسية المتنفذة وآليات منظومة المحاصصة بالمسار الديمقراطي، عقبة كبيرة ليس أمام تطور المجتمع المدني بل وأيضاً في إدامة الفساد والتخادم مع المفسدين وتحطيم القطاع الخاص، مشيراً إلى أن تغلغل القوى المتنفذة في هذا القطاع سيوطد سلطة الحكومة عليه بما يعزز من المركزية ويقلص من دوره ويهدد استقلاليته.

واضاف الكاتب بأنه في الوقت الذي تواجه فيه العديد من منظمات المجتمع المدني خطر الاندثار، تزدهر أوضاع المنظمات التابعة لأطراف تمتلك النفوذ والسيولة المالية وأغلبهم من المتنفذين أو القريبين منهم، وتنفذ أجنداتهم وتبتعد عن تمثيل رؤية ورسالة المنظمة والأهداف المدنية التي تأسست لأجلها وتقوم بالتركيز على تقديم الخدمات المباشرة والمعونات لإستقطاب الجماهير انتخابيا.

وإختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن المجتمعات الديمقراطية الحديثة وتلك المتجهة نحو الديمقراطية تقوم على ثلاث قطاعات مستقلة، العام والخاص والمجتمع المدني. وأضاف بأنه في ظل قطاع خاص ضعيف ومستقطب سياسيا، ومجتمع مدني إما معرض للخنق او مستقطب بشدة، واستيلاء القوى السياسية المتنفذة على القطاع العام، يصبح التساؤل مشروعاً عما إذا كانت النسخة الديمقراطية لم تعد صالحة أو لم تكن بالأساس صالحة وهناك حاجة لنسخة أخرى أكثر فاعلية.