تلقّت الحكومة سيلاً من الانتقادات إثر قرارها تعيين أحد مستشاريها في مفوضية حقوق الإنسان، التي توقف عملها بعد انتهاء ولاية مجلسها، قبل اكثر من ثلاث سنوات. وبدلا من التحرك نحو انتخاب مجلس جديد للمفوضية، بدأت محاولات تدجين عمل الأخيرة، تجنبا لرصد الانتهاكات التي تطال حقوق الانسان في العراق.
وفي عام 2021، أنهى مجلس النواب ولاية الدورة الثانية للمفوضية العليا لحقوق الإنسان بعد انتهاء مدتها، ومنذ ذلك الحين، توقفت نشاطاتها الأساسية لخلوها من مجلس مفوضين.
وعدّ مراقبون كتاب رئيس مجلس الوزراء الاخير بنقل خدمات المستشار في هيئة المستشارين التابعة لمكتب رئيس الوزراء سعد العبدلي، الى مفوضية حقوق الانسان "خطوة تهدد استقلالية المفوضية ومهنيتها، وتفقدها حياديتها، ويعرض عملها لضغوط محتملة".
يشار الى ان قوى السلطة اعتمدت هذا الأسلوب سلوكا في احكام قبضتها على مؤسسات الدولة التي يفترض ان تكون مستقلة.
قرار غير شرعي
يقول الخبير القانوني امير الدعمي، ان المفوضية العليا لحقوق الانسان، هي جهة مستقلة وخاضعة لميثاق الامم المتحدة، وبالتالي فإن وجود ممثل عن الحكومة في المفوضية، هو امر غير قانوني.
ويضيف الدعمي في حديث لـ"طريق الشعب"، ان هذا الاجراء "هو تجاوز على القانون وميثاق الامم المتحدة، وبالتالي يفقد المفوضية مهنيتها وحياديتها"، منبها الى انه "قد يكون هناك تأثير حكومي على عمل المفوضين، وبالتالي فإن هذا الاجراء غير صحيح، سواء مع المفوضية او مع اي جهة اخرى كانت"، مشيراً الى ان "الحكومة بات الجميع يسميها حكومة المستشارين؛ حيث اننا نجد في كل مفصل ومؤسسة او جهة مستشاراً حكومياً، وهذه بدعة محاصصاتية".
ويشير الى ان "كل الاحزاب الماسكة بالسلطة لديها ذراع في مفصل من مفاصل الدولة عبر سلة مستشاريها، وبالتالي فإن تعيين هؤلاء من قبل الحكومة هو ترضية لتلك الأحزاب".
ويفسر الدعمي كتاب رئيس الوزراء بأنه "طريقة للتأثير في عمل المفوضية وتقاريرها وبالتالي حياديتها تجاه حقوق الانسان في العراق"، محذراً من ان "الديمقراطية مهددة في العراق، بينما صناع القرار يفهمون الديمقراطية على انها صندوق اقتراع، وبالتالي نحن نعيش في عصر اكذوبة الديمقراطية؛ فمنذ 21 عاما لا تزال نفس الوجوه تتسيد وتهيمن على المشهد السياسي".
توجه نحو السلطوية
من جهته، قال رئيس منظمة مدافعون لحقوق الانسان، د. علي البياتي ان "نموذج مفوضية حقوق الانسان وشكل عملها، باعتبارها من المؤسسات الدستورية والتي تعبر عن وجود نظام ديمقراطي في البلد، هو علامة من علامات احترام حقوق الانسان، ومن علامات النظام السياسي الديمقراطي".
واضاف قائلاً لـ"طريق الشعب"، إن "التعامل بهذا الشكل مع المؤسسة هو دليل على عدم ايمان الطبقة السياسية التي تتحمل هذه المسؤولية، بالنظام الديمقراطي او الياته".
وقال البياتي، وهو احد اعضاء مجلس المفوضية المنتهية ولايته، إن "الطبقة السياسية تتعاطى فقط مع ما يخدم مصالحها ومع ما يعطيها الفرصة لتداول السلطة، وهي قضية الانتخابات وتوزيع المناصب عن طريق تحاصص مذهبي وقومي واثني، وبالتالي كانت تأخذ منها ما ينفعها وتترك ما لا ينسجم مع مصالحها".
ونوه الى أن "المفوضية بكل تأكيد هو ليست جهازا تنفيذيا، ولا تمنع الانتهاكات، ولكنها تراقب اداء الحكومات وتسجل ملاحظاتها وتشارك المؤسسات الاخرى، وخاصة القضاء العراقي في التعامل مع الملفات".
وعزا السبب في ذلك الى "عدم وجود محاكم حقوق الانسان. نعم كانت الملفات تحال وكان يتم فتح تحقيق فيها، ولكن لم نرى هناك صراحة مسألة حقيقية، وتحقيق حقيقي مع الجناة وبالتالي محاسبتهم حول هذه الجرائم".
ويعتقد البياتي ان "المفوضية بعمرها القصير، كانت اول مواجهة لها في ملفات حقوق الانسان في قضية تظاهرات تشرين، ومن يراقب اداء هذه المؤسسة آنذاك، يستطيع ان يقول انها كانت تعمل وتحاول ان تحافظ على قدر من الاستقلالية، وان تحرك ادواتها من اجل مراقبة حقوق الانسان وتحريك ملفات انتهاكات حقوق الانسان".
غياب مجلس المفوضية
من جهته، عد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان، د. فاضل الغراوي "غياب مجلس مفوضية حقوق الانسان منذ فترة تزيد على ثلاث سنوات، يمثل اشكالية كبيرة، كون كل الصلاحيات الخاصة بالمفوضية واعمالها وادارتها، تتعلق بوجود مجلس المفوضين، سواء في القرارات او التقارير، واحالة الشكاوى والاليات الفنية والقانونية والإدارية، وبالتالي فان عدم وجود مجلس مفوضين، عرقل بشكل كبير ادارة المفوضية، واثر على استقلاليتها.
وأضاف الغراوي لـ"طريق الشعب"، انه "منذ عام 2021 وحتى اللحظة لم يتم تشكيل او اكمال متطلبات تشكيل مجلس المفوضين، من قبل لجنة الخبراء، وخصوصا بعد ان قدم العديد من الاشخاص ـ وصل عددهم الى اكثر من 1000 طلب ـ لهذه اللجنة، ليكونوا ضمن مجلس المفوضين".
مسؤول حكومي يراقب الحكومة!
أما رئيس مؤسسة حق لحقوق الانسان، عمر العلواني فقد قال إن "المفوضية لا تزال حتى الان تحافظ على تصنيف (A)، وهو وفق تصنيف المنظمات الدولية يعتبر تصنيفا متقدما، فيما شخّص عددا من المهددات لهذا التصنيف الذي يواجه خطر الهبوط. واضاف العلواني لـ"طريق الشعب"، ان اول ما يهدد عمل المفوضية هو محاولة الحكومة ضرب استقلاليتها، مبينا ان المفوضية يديرها الان وزير العدل!
ويتساءل العلواني: كيف يمكن لوزير حكومي ان يراقب اداء الحكومة؟
ويردف كلامه بأن أكثر الوزارات التي تواجه اتهاما بانتهاك حقوق الانسان هي وزارة العدل، التي تدير السجون والمحاكمات.