اخر الاخبار

برغم رفع رأس مال المصرف الصناعي العراقي إلى ٥٢٥ مليار دينار، لا تزال هناك شكوك حقيقية حول قدرة هذه الزيادة على إحداث تغيير فعلي في القطاع الصناعي، الذي يعاني منذ عقود من الإهمال وغياب الخطط والاستراتيجيات الواضحة.

فالمصرف الصناعي، الذي من المفترض أن يكون رافعة أساسية لدعم الصناعة العراقية ودعم الاقتصاد الوطني، يعاني ضعفاً واضحاً في أداء دوره، ويفتقر حتى الآن إلى رؤية شاملة واستراتيجيات فعالة لإدارة هذا المال وتوجيهه هذه الأموال نحو مشاريع تعزز التنمية الصناعية، بما يخدم تنمية مستدامة للصناعة العراقية.

وعلى الرغم من مرور أكثر من عشرين عاماً على الوعود المتكررة للنهوض بالصناعة، لم تستطع الحكومات المتعاقبة تجاوز عقبات الفساد والتخطيط العشوائي، ما أدى إلى هدر الموارد المالية وتفويت فرص التقدم الاقتصادي، بينما يؤكد مختصون أن تطوير القطاع الصناعي العراقي لا يرتبط بزيادة رأس المال فحسب، بل يتطلب إرادة سياسية صادقة، ومشاريع حقيقية تحقق نقلة نوعية بعيداً عن التصريحات والشعارات الجوفاء التي عرقلت هذا المسار لعقود.

غير كاف

باسم جميل انطوان، الخبير في الشأن الصناعي، قال إن "عملية تمويل المصرف الصناعي وزيادة رأس ماله، هي عملية مهمة بكل تأكيد ومطلوبة، لتتماشى مع تطلعات المنهاج الوزاري، ولكن المسألة لا تتعلق او ترتبط فقط برأس المال، بل ان هناك عوامل عدة تحتاج الى معالجة جادة وناجعة".

وقال انطوان لـ"طريق الشعب"، إنّ هناك ضرورة لـ"التخلص من الأساليب القديمة والروتين والبيروقراطية والطلبات التعجيزية للإقراض، مثل الضمانات والكفالة، فيفترض ان المشروع الصناعي بحد ذاته هو ضمان كونه عراقيا، ناهيك عن تكلفته العالية".

وأكد أن خطوة زيادة رأس مال المصرف لوحدها غير كافية ما لم تقترن بتوفير البنية التحتية وفي مقدمتها الكهرباء، مثلاً، التي تعتبر عاملا أساسيا لتقليل الكلف التي تذهب لتوفير الطاقة، والدعم والتسويق. والاهم هو القروض وترك التعقيدات، وتوفير الحماية الجمركية للسلع والبضائع والكف عن اغلاق السوق العراقية بسلع وبضائع مستوردة. كل هذه وغيرها مسائل مهمة وحساسة نحتاج لمعالجتها بموازاة زيادة رأس المال، لتكتسب هذه الخطوة أهمية كبرى".

هل يملك خطة واستراتيجية؟

من جهته، قال الخبير الاقتصادي صالح الهماشي: ان "المصارف كلما تضخمت رؤوس أموالها ارتفعت قدرتها على الإقراض والدخول في مشاريع وتمويلها، فهذه الزيادة تدفع المصارف الى توجيه الأموال"، مردفا "لكن المشكلة هي في آلية عمل المصارف العراقية".

وأضاف الهماشي في حديث مع "طريق الشعب"، متسائلا: "هل يقوم المصرف الصناعي او الزراعي او بقية المصارف الحكومية مثل الرافدين والرشيد، بتمويل المشاريع؟"، مبينا ان "النقاش يجب ان يبدأ من هذه النقطة، فالمصرف الصناعي لا يمول المشاريع، بل لا توجد مشاريع حقيقية لتمويلها".

واكد، ان هناك "فسادا كبيرا في تنفيذ المشاريع، التي يجري استغلالها من قبل قوى السلطة، وبالتالي تتحول الى مشاريع متلكئة"، مشيرا إلى انه "ليس لدينا إلى الآن تنمية صناعية تقودها وزارة الصناعة، ولا حتى مدن صناعية".

ولفت إلى ان "زيادة رأس المال ليست أمراً صعباً، فمن الممكن ان يتم الاقتراض من جهات دولية او البنك الدولي لتمول المشاريع، لكن مشكلتنا الدائمة مع كل الحكومات المتعاقبة هي في غياب الرؤى والخطط"، متسائلاً: "هل لدى الجهات المعنية رؤى وخطط لبناء مدن صناعية او منح إجازات لمشاريع صناعية ليمولها المصرف الصناعي؟ وهل لدى المصرف الصناعي خطة استراتيجية لتمويل مشاريع؟".

وواصل القول: ان "المصارف العراقية غير قادرة على تمويل مشاريع، وحتى لو لاحظنا طبيعة المشاريع التي بدأت تنفذ من قبل المصارف، سنجد انها مشاريع اسكان فقط ومحدودة".

واوضح قائلاً ان "مسألة الحصول على قرض معقدة جداً وتشكل عملية شاقة، وتتطلب موافقة جهات عدة مثل وزارات الصناعة والبلديات والمالية والحكومة المحلية. وكل جهة من هذه الجهات تفرض على من يحاول الاستفادة من القروض قيودا وإجراءات تتطلب شهورا لإنجازها، من اجل تمويل مشروع صناعي".

وخلص الى القول: ان "النهوض بالصناعة يحتاج الى ارادة سياسية بالدرجة الأساس، وخطة متكاملة مدروسة بدقة وعناية شديدة على أسس واقعية واستراتيجيات، لكن كل هذا غير موجود".

متطلبات ضرورية

الى ذلك، قال الباحث والمختص في الشأن المالي والمصرفي، مصطفى حنتوش ان "زيادة رأس مال المصرف الصناعي الى أكثر من 500 مليار، هي خطوة مهمة، حيث ستجعل المصرف ضمن معايير لجنة بازل للرقابة المصرفية، في حال استلام كميات كبيرة من الودائع وكذلك منح مبالغ كبيرة من القروض".

ويعتقد حنتوش ان "إدارة المصرف بحاجة الى ان تدخل بعمق العمل الصناعي، لا ان تتصرف مع العمل الصناعي على انه عمل هامشي"، مشيراً إلى ان "اغلب مشاكل الصناعيين اليوم هي في عدم كفالة المعمل أو المصنع للعملية، وهذا يحتاج معالجة جادة".

وشدد على ضرورة أن "يكون المعمل أو المشروع الصناعي هو الكفيل. بعض الصناعات صفرية في العراق في عملية توطينها وتكوينها، بينما مبالغ القروض كبيرة، لذا يجب ان تكون الفائدة صفرية"، مؤكداً أهمية "الاستثمار البنية التحتية للنظام الصناعي، كالاستثمار في المدن والطرق الصناعية، فهذه الاستثمارات تخلق بنية تحتية أساسية لهذا القطاع، وبالتالي إيجاد جهاز إنتاجي فاعل، يعزز الاقتصاد الوطني".

عرض مقالات: