مرّ عامان من عُمر الحكومة الحالية التي مُنحت الثقة من مجلس النواب في 27 تشرين الاول عام 2022، بينما لم يلاحظ المراقبون أي تغيّر جدي في قطاع الخدمات الاساسية، كما لم تجد الحكومة التي بنيت على المحاصصة، حلولا للقضايا التي يطالب المحتجون ليل نهار بحلها، من بينها الفساد والبطالة والسلاح المنفلت والريعية الاقتصادية والمحاصصة الحزبية والسياسية في المناصب المهمة، والبناء المؤسسي للدولة وغيرها.
الفساد يبقى متفشيا
وقال عضو لجنة الاقتصاد النيابية ياسر الحسيني، إن الفساد المتفشي يشكل السبب الرئيس الذي يحرم العديد من الشباب من الحصول على فرص عمل كريمة.
وأضاف الحسيني في تصريح لـ "طريق الشعب"، أن "الحكومة التزمت بمواضيع ومشاكل أوردتها في منهاجها الوزاري، وتعهدت بمعالجتها، إلا أن هذه المشاكل أصبحت مجرد مواد إعلامية تُطرح لتبرير تأخر الحكومة في معالجة القضايا الكبيرة".
وأضاف الحسيني، أن الحكومة جعلت من مشاكل البطالة والتظاهرات والضغوط الجماهيرية والسياسية والنيابية أسباباً لعدم تحقيق تقدم ملموس في معالجة التحديات الاقتصادية، ما دفع بالمزيد من الشباب إلى خنادق البطالة.
وأشار الحسيني إلى أن المشاريع الوطنية الكبرى، التي كان من المفترض أن توفر فرص عمل للشباب، وتزيد من موارد الدولة غير النفطية، تم تسليمها إلى جهات سياسية تحت ذريعة "التشغيل المشترك"، ما حال دون تحقيق الأهداف المرجوة بتشغيل الأيدي العاملة العاطلة عن العمل.
واختتم الحسيني تصريحه بأن أداء الحكومة أسهم في تفاقم مشكلة البطالة، وعزز من مظاهر الفساد على حساب تحسين الموارد الاقتصادية والتنمية المستدامة في البلاد.
أداء غير مقنع
المحلل السياسي داوود سلمان، يرى أن "المؤسسات الحكومية ما زالت ضعيفة وغير قادرة على مواجهة الفساد بعد عامين من تشكيل الحكومة".
ويقول سلمان، إنّ أداء الحكومة بعد مرور عامين على تشكيلها غير مقنع حتى الآن، مشيراً إلى عدم وجود بناء مؤسساتي حقيقي في الدولة التي ما زالت ضعيفة، وغير قادرة على مواجهة مافيات الفساد.
ويضيف سلمان في تصريح لـ"طريق الشعب"، أن "المؤسسات الحكومية، ورغم مرور عقدين من الزمن، لم تحقق النمو الذي يطمح إليه المواطن، ولم تصبح مؤسسات قوية تستند إلى القوانين وتنفذ قرارات الحكومة بفعالية دون خشية من أي جهة".
ويوضح سلمان، أن هناك جهات تستغل المؤسسات الحكومية لتوظيفها في خدمة أهدافها السياسية، ما يعيق تحقيق تقدم حقيقي على مستوى الإدارة وبناء مؤسسات دولة قوية، مشيرا إلى أن هذه الجهات تهتم بالعناوين الظاهرية فقط، فيما تعمل في جوهرها على خدمة مصالحها الخاصة.
وعبّر سلمان عن خيبة أمله إزاء الحكومة الحالية التي وصفها بعدم الجرأة في مواجهة نهج المحاصصة، حتى مع تعهدها بالالتزام بمعايير الكفاءة والمهنية والنزاهة. وأكد أن الحكومة لم تفِ بتعهداتها ولم تتخذ إجراءات حقيقية لمحاسبة الفاسدين، بل ساهمت سياساتها بشكل أو بآخر في زيادة انتشار الفساد.
وأضاف، أن الحكومة فشلت في تطبيق وعودها المتعلقة بضبط السلاح المنفلت، حيث إن السلاح ما زال بيد الجهات التي تحمله خارج إطار الدولة، مشيراً إلى أن حالة "الهدنة" التي أبدتها فصائل مسلحة جاءت بناءً على طلب الحكومة، وليس نتيجة تطبيق فعلي للقوانين أو اتخاذ قرارات صارمة.
واعتبر سلمان، أن هذا السلاح لا يزال خارج سيطرة الدولة وأن الحكومة تفتقر إلى الوسائل القانونية الجريئة لضبطه.
وختم سلمان حديثه بالإشارة إلى أن معدلات الفقر وتدني جودة الحياة وارتفاع مستوى البطالة وغيرها من المؤشرات الاجتماعية تعكس فشل الحكومة في تنفيذ وعودها، ما يدلل على أن الأداء الحكومي لم يرتقِ إلى مستوى التطلعات التي وعدت بها المواطنين.
مراجعة شاملة للسياسات
بدوره، أكّد المحلل السياسي د. نبيل العزاوي أن الحكومة الحالية تعمل على مراجعة شاملة لسياساتها بهدف تقليص الهوة التي أحدثتها السياسات الفاشلة طوال العقدين الماضيين بين الشعب والمنظومة السياسية، ما أدى إلى قطيعة واضحة وعزوف كبير عن المشاركة في العملية الانتخابية.
وقال العزاوي في حديث لـ"طريق الشعب"، إنّ "عملية البناء المؤسسي للدولة تتطلب رصانة وإرادة حقيقية"، مشدداً على "أهمية دعم هذه الجهود وتذليل التحديات التي تواجه الحكومة، خاصة في الجانب التشريعي، حيث يبرز نقص التناغم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية عائقاً أمام بناء مؤسسات دولة حقيقية، يمكنها استعادة ثقة المواطنين".
وعن نهج المحاصصة، أكد العزاوي أن "التوافقية بحد ذاتها ليست مشكلة، فكثير من الدول تعتمد عليها في تشكيل الحكومات، لكن المشكلة تكمن في أن المحاصصة المعتمدة هنا مشوهة، فالحكومة الحالية جاءت عبر نظام المحاصصة، والكتل السياسية لا تزال متشبثة بهذا النهج".
نهج المحاصصة يترسخ
وانتقد الصحافي منتظر بخيت أداء الحكومة الحالية في مسألة البناء المؤسساتي للدولة، مؤكداً أن النهج الذي تتبعه لا يختلف عن الحكومات السابقة، موضحاً أن الحكومة جاءت من ائتلاف "إطار التنسيقي" وتحالف "إدارة الدولة"، الذي يمتلك مناصب وزارية وإدارية في المؤسسات الحكومية.
وقال بخيت، أن رئيس الوزراء، رغم إعلانه عن تغييرات في المناصب العامة، لم يستطع تجاوز نهج المحاصصة، حيث تم توزيع المناصب بناءً على التحالفات الحزبية، ما أعاد الأزمة إلى نقطة الصفر.
وأضاف أن هذه الأساليب في توزيع المناصب لا تبني دولة حقيقية، مشيراً إلى الفوضى في بعض المؤسسات، مثل وزارة النقل والمنافذ الحدودية، حيث أدى تغيير إدارة هيئة المنافذ إلى تراجع في مستوى النشاطات.
وأكد بخيت، أن الحكومة الحالية تُعتبر الأكثر ترسيخاً لنهج المحاصصة، حيث يعجز رئيس الوزراء عن اتخاذ خطوات مستقلة دون الرجوع للأحزاب التي شكلت الحكومة، مشيراً إلى أن التغييرات الوزارية المقترحة ستبقى ضمن إطار المحاصصة الحزبية.
ورأى، أن الحكومة رغم ادعائها الشرعية تعتمد على أسلوب مشوه في بناء الدولة.
وفي ما يتعلق بتقييم الحكومة، أشار بخيت إلى أن لكل ملف إيجابيات وسلبيات؛ إذ زادت الحكومة من شمول المواطنين بالرعاية الاجتماعية، ولكن هذه الخطوة صاحبتها زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية وارتفاع في تكاليف المعيشة. أما في الملف الاقتصادي فقد وصف أداء الحكومة بأنه "فشل ذريع"، حيث لم تتمكن من ضبط استقرار سعر الدولار أو تقليل الفجوة بين السعر الرسمي والموازي، مؤكدًا أنها لم تفِ بوعودها في هذا الشأن.
واختتم بخيت قائلاً: إن "الحكومة أخفقت في أهم ملفين، وهما الملف الاقتصادي والأمني، بسبب العقلية المحاصصاتية التي تشكلت بها الحكومة، وهي عقلية لا تهدف إلى بناء مؤسسات حقيقية، بل تسعى إلى تحقيق مصالح اقتصادية للأحزاب".
وطبقا لإحصائيات صحفية، فان الحكومة أطلقت 71 وعدا، وردت في المنهاج الحكومي، والتي اشتملت على تقديم مشاريع قوانين عدة، إلى جانب ملفات تتعلق بالسياسة والأمن والاقتصاد والخدمة العامة، مشيرة الى إخفاقها بتنفيذ 40 وعدا (أي ما نسبته 56.3 في المائة من مجمل الوعود التي أطلقتها)، في حين نجحت بتنفيذ 31 وعدا (أي بنسبة 43.6 في المائة)، تنقسم إلى 16 وعدا أوفى بتنفيذها بشكل كامل (22.5 في المائة).