تواجه الحكومة تحديات كبيرة في إعداد موازنة العام 2025 في ظل الأوضاع الاقتصادية المعقدة وتفاقم العجز المالي. ومع عدم إرسال مشروع قانون الموازنة إلى مجلس النواب حتى الآن، تتجه الأنظار نحو شهر تشرين الثاني المقبل، حيث يُتوقع أن تبدأ وزارة المالية بإعداد الجداول التفصيلية للموازنة.
وشددت اللجنة المالية النيابية على أهمية أن تأتي جداول موازنة 2025 بأرقام واقعية بعيدة عن التضخم غير المنطقي، وذلك لضمان توافقها مع الإيرادات المتوقعة وتجاوز التحديات المالية الراهنة. ويبقى السؤال المطروح: هل ستكون الموازنة المقبلة قادرة على تلبية الاحتياجات الضرورية وتجاوز العقبات الاقتصادية المتصاعدة؟ وهل سيعاد بناؤها ويجري ترتيب الأولويات فيها؟
المبالغ المصروفة
وقال عضو اللجنة المالية النيابية، معين الكاظمي: أن الحكومة العراقية لم ترسل حتى الآن مشروع موازنة 2025 إلى مجلس النواب، ومن المتوقع أن يتم إرسالها بعد انتهاء العطلة التشريعية في شهر كانون الأول المقبل.
وأضاف الكاظمي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن الحكومة يُفترض أن تكلف وزارة المالية خلال الشهر القادم بوضع جداول موازنة 2025، مع احتمال إجراء تعديلات طفيفة على بعض النصوص، تمهيداً لإرسالها إلى اللجنة المالية لمناقشتها ودراستها مع بداية العام المقبل، لتكون جاهزة للمصادقة والتصويت.
وفيما يخص موازنة 2024، أوضح الكاظمي أن الجداول التي قدمتها الحكومة بلغت 211 تريليون دينار، ورغم أن تنفيذها سيؤدي إلى عجز يقدر بأكثر من 60 تريليون، إلا أن الحكومة لم تصرف حتى الآن سوى نحو 100 تريليون، نظراً لمحدودية السيولة المتاحة.
وبيّن أن الحكومة ستقوم بتسديد رواتب الموظفين والمتقاعدين وتكاليف الرعاية الاجتماعية والحصة التموينية وشراء الحنطة والشلب والمستلزمات الطبية، فضلاً عن تكاليف استخراج النفط، قبل نهاية العام.
وشددت اللجنة المالية على ضرورة أن تكون جداول موازنة 2025 واقعية وتتجنب الزيادات غير المبررة، حيث يُقدر أن الإيرادات للعام المقبل لن تتجاوز 160 تريليون دينار، وأن العجز يجب ألا يتجاوز 3%، لضمان أن تكون الموازنة عملية وقابلة للتنفيذ.
وأضاف الكاظمي، أن اللجنة المالية تعتزم مطالبة الحكومة بالإسراع في تقديم جداول الموازنة، بالتزامن مع التحضير لعقد ورشة عمل أولية للجنة التخطيط الاستراتيجي داخل مجلس النواب، تهدف لتقييم مدى تنفيذ البرنامج الحكومي لعام 2024، وتحديد متطلبات البرنامج للعام المقبل، لضمان أن تكون الموازنة الجديدة مستندة على ما تم تحقيقه هذا العام واحتياجات العام المقبل.
إعداد متأخر
من جهته، قال المستشار المالي لرئيس الوزراء د. مظهر محمد صالح، أن وزارة المالية بصدد إعداد جداول الموازنة العامة لعام 2025، فيما أشار إلى أهم الركائز التي ستعتمدها موازنة العام القادم.
وقال صالح، إن "المادة 77/ثانياً من قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم 13 لسنة 2023، التي تنظم إعداد الموازنة الثلاثية، تنص على أن تقوم الحكومة بإرسال جداول الموازنة للسنتين 2024 و2025 إلى مجلس النواب للموافقة عليها قبل نهاية العام المالي السابق".
وأضاف أن "وزارة المالية قد أعلنت أنها في طور إعداد جداول الموازنة العامة للعام 2025، وفق الآليات الدستورية التي اعتمدها قانون الموازنة الثلاثية آنفاً".
وأشار إلى أنه "استناداً لمؤشرات تنفيذ الموازنة عبر السنتين الأوليتين التي جاء بها القانون رقم 13 المذكور آنفاً، فإن السلطة المالية تمتلك الإمكانات الإدارية المالية اللازمة لتقديم جداول موازنة العام 2025 لتأخذ مسارها التشريعي عبر مناقشتها وإقرارها في مجلس الوزراء، وإحالتها إلى مجلس النواب قبل نهاية العام الجاري".
ونوه صالح الى أن "جداول الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2025 ستكون نابعة من ثوابت قانون الموازنة الاتحادية رقم 13 لسنة 2024، مع الأخذ بنظر بالاعتبار الظروف الاقتصادية الدولية والإقليمية وتبدلاتها، بما يضمن تكييف أحكام جداول الموازنة لعام 2025 ضمن النصوص القانونية المتوافرة، إضافة إلى الاعتماد على أداء مؤشرات جداول الموازنة العامة للعام 2024".
تحديات كبيرة
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي همام الشماع، أن موازنة العراق الثلاثية، تواجه تحديات كبيرة مع دخول سنتها الثالثة عام 2025، مبينا أن وزارة المالية لن تقدم سوى جداول جديدة، مشدداً على ضرورة استكمال المشاريع التي بدأت في السنوات السابقة والالتزام بتعهداتها.
وأكد الشماع في تصريح لـ"طريق الشعب"، أهمية تقليص النفقات وزيادة الإيرادات، مشيراً إلى أن هناك مجالا واسعا لتحقيق ذلك، لكن هذه الجهود تتطلب الأتمتة في الجمارك والضرائب، بالإضافة إلى حصر وتقييم عقارات الدولة، ومراجعة مبيعاتها، ومتابعة الأموال المسروقة وطرق استردادها.
وأوضح الشماع، أن هذه التدابير يجب أن تُنفذ بسرعة فائقة لتقليص العجز الحالي في الموازنة، الذي يُقدر بنحو 80 تريليون دينار. وحذر من أن هذا العجز سيشكل أعباءً على موازنة 2025.
وفي ما يتعلق بإيرادات النفط، دعا الشماع إلى اعتماد سعر متحفظ للبرميل، حيث توقع أن يتجاوز سعره 70 دولاراً في 2025، مشيراً إلى أن دول الخليج تعتمد أسعاراً تقديرية تتراوح بين 50 و60 دولاراً للبرميل لتجنب التضخم في العجز.
كما شدد الشماع على ضرورة عرض الموازنة على مجلس النواب لمنحه صلاحية تخفيض الإنفاق. وأشار إلى أن الأحزاب السياسية المتنفذة تسعى لتحقيق مصالحها، ما سيعقّد عملية تخفيض العجز، مشيراً إلى أن المطالبات بخفض العجز تبقى عادة مجرد وعود غير قابلة للتنفيذ.