رغم التحذيرات والأحاديث المتكررة بشأن ضرورة حفظ سيادة العراق واتخاذ كافة الإجراءات الضرورية الخاصة بهذا الشأن، إلا ان الحكومات المتعاقبة والحالية منها، لم تتخذ الإجراءات المناسبة، وراحت تواصل اعتمادها على وجود قوات التحالف الدولي التي تتولى مسؤولية حماية أجوائنا.
ورغم الحديث عن تطوير منظومة الدفاع الجوي والقوة الجوية وصرف مبالغ مالية كبيرة على عقود شراء طائرات حديثة ومنظومات جوية متطورة، الا ان الامر بقي دون نتائج ملموسة، حيث تعبث الطائرات المعادية في السماء العراقية كيفما تشاء، واخرها ما حدث من انتهاك صهيوني للأجواء العراقية، خلال هجوم دولة الاحتلال الأخير على ايران.
موقف الحكومة
وفي هذا الشأن، أكد المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي، أن العراق قدّم مذكرة احتجاج رسمية إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن، تضمنت إدانة واضحة لـ"الانتهاك الصارخ" الذي ارتكبته إسرائيل بخرقها للأجواء العراقية وسيادتها خلال ضرباتها على إيران.
وذكر العوادي في بيانه، أن "العراق تقدّم رسمياً بمذكرة احتجاج إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن الدولي، تضمنت إدانة الانتهاك الصارخ الذي ارتكبته إسرائيل بخرق طائراتها أجواء العراق وسيادته، واستخدام المجال الجوي العراقي لتنفيذ الهجوم على إيران".
ووجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بحسب البيان، وزارة الخارجية بالتواصل مع الجانب الأمريكي بشأن هذا الخرق، وذلك وفقاً لبنود اتفاق الإطار الاستراتيجي الثنائي، الذي يُلزم الولايات المتحدة الأمريكية بحماية أجواء العراق وضمان أمنه وسيادته.
من جهته، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية علي البنداوي، أهمية فرض السيادة على الأجواء كأولوية لضمان سيادة العراق، مشيراً إلى أن "سيادة البلدان تبدأ من السماء".
وانتقد البنداوي عدم التزام الولايات المتحدة بتعهداتها الأمنية وفقاً للاتفاقية الموقعة بينها وبين العراق لحماية أجوائه، قائلاً: إنه "رغم وجود اتفاقية أمنية بين العراق والولايات المتحدة لحماية الأجواء العراقية، إلا أننا نلاحظ عدم التزام الجانب الأمريكي بهذا الخصوص".
وشدد البنداوي على ضرورة الاعتماد على القدرات العراقية في بناء منظومة دفاع جوي متطورة، إضافة إلى تأسيس قوة جوية فعالة، مضيفا انه "من الضروري جداً أن يتم الاعتماد على القدرات العراقية لحماية الأجواء العراقية والأراضي من أية اعتداءات أو خروقات، سواء كانت من الكيان الصهيوني أو من تركيا أو غيرها".
إخفاق أمني عراقي
فيما وصف الخبير الأمني عدنان الكناني، الانتهاكات الجوية الأخيرة التي طالت السيادة العراقية بأنها "إخفاق في حفظ الأمن والسلام من قبل القوات المسلحة العراقية، وعجز عن حماية سيادة العراق وأمنه".
وأكد الكناني في تصريح لـ"طريق الشعب"، أن "هذا الانتهاك يمثل أوضح إشارة لرغبة الولايات المتحدة في إبقاء العراق ضعيفاً وبدون منظومة دفاع جوي".
وأشار إلى أن المسؤولية تقع بشكل تضامني على وزارة الدفاع ممثلة بوزير الدفاع ورئيس أركان الجيش والقيادات العسكرية المختلفة، بالإضافة إلى القائد العام للقوات المسلحة والعمليات المشتركة.
وأوضح الكناني، أن "السيناريو بات واضحاً، مع تصاعد نوايا الكيان الصهيوني التوسعية وتزايد اعتداءاته على سيادة الدول دون رادع"، مكررا القول أن "السيادة العراقية اليوم قد انتهكت بشكل صارخ، في ظل عدم وجود قدرة لدى العراق على منع هذه التجاوزات".
واعتبر أن "تجاوز هذا الخرق يمثل استهانة بالقوات المسلحة العراقية، ويجب عدم التساهل مع من يقبل بهذا الانتهاك".
لا نملك غير الاحتجاج؟
وعن خيارات الحكومة العراقية، أوضح الكناني أنها "لا تملك سوى خيار الاحتجاج كأقصى رد، في ظل عدم امتلاك العراق منظومة رادارية قادرة على اعتراض الطائرات المعادية، أو حتى القدرة على مواجهة الولايات المتحدة التي سهلت هذا الخرق".
كما انتقد الكناني سعي الحكومة ووزارة الدفاع للتعاقد مع شركة كورية لشراء منظومة دفاع جوي، معتبراً أنها "غير كافية لحماية الأجواء العراقية من طائرات حديثة مثل F-15 وF-16 وF-35، التي تستطيع اختراق هذه المنظومة بسهولة".
ودعا الكناني في ختام حديثه الحكومة إلى إعادة النظر في هيكلية القيادة العامة للقوات المسلحة، مشدداً على ضرورة تعيين ضباط أكفاء يتمتعون بالكفاءة والنزاهة لإدارة ملف الدفاع الجوي وتقديم المشورة في هذا الصدد.
تساؤلات كثيرة
من جهته، انتقد المحلل السياسي مناف الموسوي تكرار الانتهاكات الجوية للأجواء العراقية، واصفاً الهجمات الأخيرة التي شنتها طائرات الكيان الصهيوني على إيران عبر الأراضي العراقية بأنها تضع الحكومة العراقية أمام "تساؤلات كثيرة تحتاج إلى إجابات شافية".
وقال الموسوي في حديثه لـ"طريق الشعب" إن العراق قدم شكوى إلى الأمم المتحدة، إلا أن الرد لم يكن واضحاً بشأن علم الحكومة العراقية بمرور الطائرات المعادية في أجوائها.
وأضاف الموسوي، "إنْ كانت الطائرات قد مرت بموافقة القوات الأمريكية، فهذا يكشف عن أن السيادة العراقية على الأجواء مفقودة، ويسيطر عليها الجانب الأمريكي"، متسائلا "إذا كان هذا صحيحاً، فأين اتفاقية إخراج القوات الأمريكية من العراق؟".
وبيّن، أن هذه الضربات تسببت في إحراج للحكومة العراقية، سواءً فيما يتعلق بملف إخراج القوات الأجنبية أو السماح باستخدام الأراضي العراقية للاعتداء على دول الجوار، لافتا إلى أنّ هذه الأحداث تثير تساؤلات حول جدوى الموازنات الكبيرة التي تُخصص لوزارة الدفاع ولعقود التسليح، في ظل عدم توفر منظومة دفاع جوي قادرة على حماية الأجواء العراقية، حتى الان؟.
وأعرب عن قلقه من أن تكون هذه الهجمات بداية لسلسلة انتهاكات أخرى داخل العراق، مشيرا هنا إلى القصف التركي المتكرر للأراضي العراقية.
واختتم الموسوي حديثه قائلاً: "كل هذه الأحداث تؤكد أننا غير قادرين على الدفاع عن أنفسنا، ونعجز عن حماية أجوائنا، ما يفتح الباب أمام تحديات كبرى وأسئلة مهمة حول ما تم تحقيقه سابقاً، وكيف ستكون قدرتنا على إخراج القوات الأجنبية في ظل هذا العجز".