اخر الاخبار

دروس احتلال العراق

لصحيفة فورنبولسي، كتب ريد سميث مقالاً حول الدروس التي ينبغي أن تتعلمها واشنطن من التواجد في العراق، تحدث فيه عن اتفاق العراق والولايات المتحدة على إنهاء عملية العزم الصلب، وانسحاب القوات الأميركية والتي يبلغ عددها 2500 جندي على مرحلتين خلال العامين المقبلين، مع بقاء فرقة من هذه القوات في إقليم كردستان لدعم العمليات في سوريا.

بصمة جديدة

وذكر المقال بأن واشنطن لم تغادر العراق منذ انخراطها في حرب الخليج الأولى، حيث تدخلت في إنشاء مناطق حظر طيران ومراقبة القوات العراقية وفرض العقوبات، قبل أن تقوم بغزو البلاد واحتلالها العام 2003، ثم لتنسحب نسبياً في عام 2011، مع بقاء وجود استشاري صغير لتدريب ومساعدة العراقيين. لكن هذه القوات عادت ثانية للعراق في عام 2014 لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، داعش، والقضاء عليه، وذلك بمهمات قتالية انتهت في كانون الاول 2021. ولهذا فإن الانسحاب المقترح يفترض أن يكون الرابع خلال العقود الثلاثة الماضية، رغم تحذير البنتاغون من اعتباره انسحاباً تاماّ، وهو ما عبّرت عنه سابرينا سينغ، نائبة السكرتير الصحفي للبنتاغون، بقولها أن "الولايات المتحدة لن تنسحب من العراق. سوف تتغير بصمتنا داخل البلاد".

سياسة خطرة

وفسر سميث ذلك بسعي واشنطن لتنفيذ سياسة تحافظ فيها على مهمة "المشورة والمساعدة" شبه الدائمة، بذريعة النقص في المستلزمات الاستراتيجية والاستخباراتية واللوجستية العراقية للتعامل مع التهديدات الإقليمية. ووجد الكاتب في هذه السياسة مخاطر جدية، لأن التكاليف البشرية والمالية المترتبة على الوجود العسكري المستمر، تفوق برأيه أية فوائد ترتجيها واشنطن، لاسيما إذا ما قورن هذا التواجد بالجهود الدبلوماسية وتبادل المعلومات الاستخباراتية وتمكين القوات المحلية، وهي بدائل تقلل من نقاط الضعف الأميركية وتعزز علاقة أكثر ديمومة.

وتوقع الكاتب أن تكون للعراقيين وباقي ما اسماهم بالشركاء الإقليميين القدرة على مكافحة بقايا تنظيم الدولة الإسلامية، فيما يجعل التلكؤ في الإنسحاب، القوات الأمريكية طعماً سهلاً لخصوم واشنطن والغاضبين من دعمها غير المحدود لتل أبيب بحربها في غزة ولبنان. كما سيُفقد هذا البقاء، البيت الأبيض بعض الشعبية جراء ما تكتنزه ذاكرة الجمهور الأميركي من صور أحداث قاسية وقعت في العراق وتركت تأثيراً لا يمكن إنكاره على الثقافة والسياسة والذاكرة الجمعية في الولايات المتحدة.

دروس أخرى

ورأى الكاتب بأن حرب الخليج الأولى أسرت أفئدة جمهور أميركي، حين شاهد شبكة سي أن أن وهي تنقل على مدار الساعة القنابل الموجهة بدقة التي ضربت أهدافاً في بغداد، بينما كانت صواريخ الباتريوت تحبط هجمات سكود في المملكة العربية السعودية وإسرائيل. ولعل هذا الزهو المؤقت كان كافياً لجورج بوش الأب أن يقول "والله لقد تخلصنا من متلازمة فيتنام إلى الأبد". لكن ابنه لم يكن قادراً أن يفرح مثله حين صعد على سطح السفينة يو أس أس أبراهام لينكولن ليعلن النصر، الذي كلّف مقتل أكثر من أربعة آلاف من أفراد الخدمة الأميركية ومئات الآلاف من العراقيين، وانقسم بسببه الجمهور الأمريكي على أسس حزبية، وأكثر بكثير من أي عمل عسكري أمريكي آخر منذ ظهور استطلاعات الرأي!

ونصح الكاتب صناع القرار السياسي الأميركيين أن يتأملوا في حقيقة مفادها أن العراق لم يكن يحتل موقعاً في الوعي الأميركي قبل آب 1990، وإن هناك الكثيرون ممن يعتقدون بأن العراق كان في كثير من الأحيان مشكلة من صنع واشنطن، مما يجعل السؤال عن كيف ولماذا تشترك أمريكا في العمليات العسكرية دون أن تضمن خدمة الأهداف الأوسع نطاقاً المتمثلة في السلام والاستقرار والأمن الوطني.

وأكد سميث على أن الوقت قد حان للتحول من عمليات الانتشار غير المحددة إلى استراتيجية تحافظ على أرواح القوات والمصالح الأمنية الوطنية في الأمد البعيد، وربما يكون الخروج من إرث العراق بداية العملية العلاجية التي يحتاجها البيت الأبيض لإعادة تنظيم أولويات السياسة الخارجية، وإعادة التركيز على بناء حلول محلية مستدامة لتحقيق الاستقرار الإقليمي.