اخر الاخبار

ضمن برنامج خيمة طريق الشعب في مهرجان  صحيفة اللومانيتيه الباريسية في أيلول 2024، عُقدت ندوة سياسية يوم 15 أيلول الماضي للرفيق بسام محي نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب. وفيما يلي عرض لما ورد فيها:

في البداية أود أن انقل تحيات قيادة الحزب إلى جميع الرفيقات والرفاق المساهمين في خيمة طريق الشعب في مهرجان اللومانتيه والذي يكتسب أهمية استثنائية لأنه يتزامن مع الذكرى التسعين لتأسيس حزبنا الشيوعي العراقي، وكذلك يتوافق مع تصاعد الدعم والتضامن الأممي مع نضالات شعوبنا في البلدان العربية في فلسطين ولبنان والسودان، كما تأتي إقامة المهرجان في ظل أوضاع سياسية كبيرة في فرنسا بعد الانتخابات الاخيرة وما حققته قوى اليسار الفرنسي من نتائج جيدة. إنها فرصة لرفع صوت التضامن مع شعبنا وحزبنا.

عجز القوى المتنفذة

واما في بلدنا العراق الذي يشهد أزمة بنيوية بسبب عجز القوى الماسكة بالسلطة عن معالجة الأزمات وايجاد الحلول بسبب تمسكها بمنهج المحاصصة المقيت والتوافقية الطائفية وإصرارها على تقاسم السلطة والثروة بين أقلية حاكمة  مستبدة متحالفة مع قوى الفساد والمتماهية مع أجندات ومصالح خارجية، وأمام ذلك أغلبية  ساحقة من أبناء الشعب الذي يعانون من الفقر والعوز والبطالة، لقد أثبتت التجربة السابقة للنظام السياسي المأزوم وعلى مدى عشرين عاما أن القوى الماسكة بالسلطة فشلت فشلا ذريعا في معالجة الأزمات ما أدى إلى إضعاف الدولة وإفراغها من محتواها المؤسساتي ووظيفتها، بل تعمق الفرز الطبقي وزادت التوترات الاجتماعية، ولم تتمكن من خلق الاستقرار والتنمية و التقدم في البلد، وعملت على تكريس الطابع الريعي للاقتصاد وإطلاق العنان للخصخصة وآليات السوق المنفلت لنمو العلاقات الرأسمالية المشوهة  بما ينسجم مع توجهات الليبرالية الجديدة، وعملت القوى المتنفذة على تكريس الهيمنة وتجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدولة العميقة في  الوزارات والمؤسسات، بحيث تحولت إلى اقطاعيات للأحزاب المتنفذة مع ترسيخ التخادم المحاصصاتي، وتجلى ذلك بشكل فاضح بصفقات الفساد، والفضائح الأخيرة ومنها سرقة القرن والتنصت  على المسؤولين، وزبائنية الدولة وهيمنة العناوين الفرعية على حساب مؤسسات الدولة كما هو الحال في نشاط المليشيات والعشائر حتى زحفت إلى أنشطة اقتصادية على حساب الاقتصاد الوطني بل غدت تزاحم حتى قطاع الدولة.

التضييق عل الحريات العامة

وأمام هذه الظواهر السياسية والاقتصادية وبدلا من معالجة حاجات الناس على الصعيد الخدمي يجري العمل على التضييق على الحريات العامة ومثال على ذلك في حظر النشاط الطلابي ومواجهة المحتجين بالأساليب الإرهابية والقمعية والتضييق على الصحفيين والإعلاميين وعلى الناشطين، والتي كان آخرها ما تعرضت له الناشطة المحامية زينب جواد في مواجهتها لتعديلات قانون الاحوال الشخصية، وحصل مع على منظمات المجتمع المدني. إن هذه الممارسات والظواهر انما تدل على مخاطر جدية في تآكل الهامش الديمقراطي في البلد ما يؤدي إلى منزلقات خطيرة على مستوى بناء الدولة، الأمر الذي يؤكد بأن قوى مهيمنة وخاصة من  الإسلام السياسي الشيعي على المؤسسات  وما تشكله من أغلبية داخل مجلس النواب فتح شهيتها للاستمرار في مشروع بناء الدولة على أساس ديني طائفي اي أسلمة الدولة، الأمر الذي يتناقض مع تضحيات شعبنا وقواه الوطنية والديمقراطية في انتفاضة تشرين وقبلها، من أجل الدولة المدنية الديمقراطية، إنها مخاطر تحتاج إلى تعبئة سياسية ومجتمعية لمواجهتها بالضغط الشعبي.

ولم تكن معركة تعديل قانون الأحوال الشخصية 188 لسنة 1959 إلا إحدى تجليات هذا الصراع من أجل الديمقراطية، فالتعديلات لم تأت على حساب حقوق المرأة والطفل والأسرة بل جاءت لأجل تعميق الانقسام الطائفي على حساب الهوية الوطنية. ومقابل ذلك هناك سخط مجتمعي عبرت عنه حملة 188 للناشطين في منظمات المجتمع المدني والحركات النسوية والأحزاب ومنها حزبنا. إن اقرار التعديلات يمثل تراجعا كبيرا ليس على صعيد التشريع وإنما لتكريس أسس الدولة اللامدنية وهروبا من مسؤولية القوى المهيمنة من الازمات الكبيرة والعميقة التي يعاني منها البلد. وعلى صعيد حزبنا فأن منظمات الحزب وأصدقاءها يعملون بجهد كبير في مواجهة التعديلات ذات الطابع الرجعي.

ضياع للفرص وهدر للمال العام

أما على صعيد أداء الحكومة وهي حكومة تحالف إدارة الدولة والتي سمت نفسها بحكومة الخدمات فأنها فشلت مثل الحكومات السابقة في عدم استخدام الإمكانيات المالية الكبيرة وضياع الفرص في هدر المال العام فالإنفاق لا يتناسب مع المنجز، واستمر توظيف الإمكانيات لتعزيز الزبائنية في الدولة من خلال استخدام التعيينات او الرعاية الاجتماعية.

 فقد فشلت في تقديم الخدمات الأساسية للمواطن على صعيد الكهرباء التي يجري الصرف عليه بشكل كبير دون تقدم ملموس، ولا على صعيد الصحة حيث قلة المستشفيات والمراكز الصحية ووجود أكثر من 6 ملايين يعانون من إعاقة وبدون رعاية صحية، ولا على صعيد التربية حيث لا تزال الحاجة إلى أكثر من 20 الف مدرسة، ولا على صعيد المياه حيث تعاني الزراعة والبيئة من قلة المياه، ولا السكن حيث لا يزال أكثر من 6 ملايين عراقي يعيشون في 4600 عشوائية، ولا تزال البطالة تشكل أكثر من   16في المائة حيث شكل الشباب 36 بالمائة، ولم تتمكن الدولة من وضع الخطط اللازمة لمعالجة الفقر حيث بلغ أكثر من 22  في المائة من السكان.

خلل كبير في موازنة 2024

إن التوجهات الحكومية اثبتت عدم جدواها وفشلها في جوانب عدة، وانعكس ذلك أيضا في موازنة 2024 حيث بلغت 211 ترليون دينار بعجز يقدر 64 ترليون دينار، وفي زيادة الإنفاق لأكثر من 13 في المائة مقارنة بالموازنة السابقة، ولم يجر توزيع عادل في التخصيصات للوزارات حيث جرى تخصيص 1 في المائة للصحة والصناعة بينما حصلت الدفاع والداخلية على أكثر من 18 في المائة وهو مؤشر للعسكرة وغيرها من المؤشرات التي لم تخدم في تقديم الخدمات المطلوبة للمواطن.

أما على صعيد أداء مجلس النواب فقد فشل في انتخاب رئيسه وكذلك في تشريع قوانين مهمة أبرزها قوانين النفط والغاز ومكافحة العنف الأسري، وقانون حرية التعبير والاحتجاج وحق الحصول على المعلومة. إن تركيبة المجلس التي تعاني من اختلال في موازين القوى وهيمنة القوى الماسكة في السلطة تعمل على تمرير القوانين التي من شأنها أن تكرس هيمنتها على الدولة والمجتمع ولم يعد البرلمان قادرا على أداء مهماته التشريعية والرقابية ولابد من تغييره.

من اجل انتخابات عادلة ونزيهة

وفي الآونة الأخيرة تطرح الانتخابات البرلمانية نفسها بقوة على اعتبار انها ضرورة، إلا أن المتسلطين يبغون من إجرائها إعادة إنتاج مشاريعهم ووجودهم ولو بأشخاص آخرين، وتعكس أيضا التناقضات الكبيرة في داخل القوى المهيمنة على السلطة إن كان داخل الإطار التنسيقي او بين الإطار والحكومة وهكذا بالنسبة للقوى الاخرى السنية والكردية. نحن في الحزب نعتبر الانتخابات ميدانا للصراع السياسي وإحدى وسائل التغيير، ونتطلع الى انتخابات عادلة ونزيهة وهذا مرتبط بمدى توفر بيئة انتخابية سليمة. ولكن السؤال هل من مصلحة القوى المهيمنة على السلطة توفير ظروف ملائمة لخوض انتخابات عادلة ونزيهة؟ بالتأكيد أن القوى الماسكة في السلطة سوف تعمل على تشريع قانون ومنظومة انتخابية تنسجم مع غاياتها. بالنسبة لنا أن الانتخابات البرلمانية يمكن أن تحقق نقلة في الحياة السياسية في حال هناك توجه جماهيري لخوض الانتخابات باتجاه تغيير القوى الماسكة بالسلطة، وهذا بالتأكيد يتطلب تشكيل قطب مدني ديمقراطي وطني قادر على واجهة منظومة المحاصصة والفساد.

إن حزبنا الشيوعي يرى في الانتخابات إحدى روافع التغيير وتتعشق مع سائر الوسائل النضالية الأخرى، وفي مقدمتها الحراك الجماهيري والسياسي لفرض إرادة التغيير. ومع استمرار نضال الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة وتصاعد الحراك المطلبي والاحتجاجي العادل في جميع المحافظات فأنه يشكل بعدًا جماهيريا مهما في عملية الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد ويفتح الفضاء أمام التغيير المنشود. إن مثل هذا التغيير لا يتحقق من دون تعديل في موازين القوى لصالح أوسع فئات وشرائح شعبنا المتطلعة للتغيير. ونحن في الحزب نطرح دائما ليس شعارات بل بدائل تبنى على أساس برنامج وطني ديمقراطي لتحقيق بديل سياسي آخر، وهذا لا يمكن تحقيقه دون تحرك سياسي نشيط على مختلف المستويات لتجميع وتوحيد عمل القوى المدنية والوطنية الديمقراطية ومضاعفة جهودها وصولا لبناء حركة شعبية ومجتمعية قادرة على الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد وبناء أسس دولة المواطنة الحقة والعدالة الاجتماعية. ونحن نعمل على أن تكون أية مشاركة في البرلمان قوة إضافية للحزب وللجماهير، أن تكون صوتا معبرا عن الناس ومطالبهم.

لا بد أن يكون لنا ثقة بقوة الجماهير وتطلعاتها وأن نكون معبرين عن مصالحها والعمل على تعبئتها واستنهاض طاقاتها وإشراكها الفعلي في تحقيق التغيير، فلا بد من مواصلة الضغط السياسي والشعبي والتماهي مع الحركة الجماهيرية لتحقيق تطلعاتها في العيش الكريم.