تعاني مجالس المحافظات في العراق من تحديات كبيرة تعيق دورها الخدمي والرقابي، حيث تهيمن عليها قوى سياسية متنفذة تكرس المحاصصة والمحسوبية والمنسوبية. وفي ظل هذا الواقع، أصبحت هذه المجالس عاجزة عن تحقيق ما مطلوب منها، ما أدى إلى تفاقم الأزمات في المحافظات، واستياء المواطنين الى تزايد، في وقت تتعالى فيه الأصوات المطالبة بإصلاح هذه المجالس وضمان تمثيل أفضل في الانتخابات المقبلة، بهدف تحقيق استقرار سياسي وتقديم خدمات تلبي احتياجات المواطنين.
غياب الدور الخدمي والرقابي
يقول المحلل السياسي علي البيدر، أن "فكرة مجالس المحافظات أُفرغت من محتواها في ظل سيطرة القوى النافذة التي تسعى لتكريس المحاصصة والبحث عن الامتيازات الفئوية".
ويضيف أن "هذا الواقع أدى إلى تغييب الدور الخدمي والرقابي لتلك المجالس التي لم تتحرر بعد من الفئوية والمحسوبية الحزبية الضيقة والمكوناتية، ما أسفر عن عدم استقرار سياسي في معظم المحافظات، إلى جانب التسبب بإرباك العمل الخدمي، نتيجة محاولة فرض إرادات معينة وتجاوز الصلاحيات الممنوحة لها".
وعلل البيدر في حديث خص به "طريق الشعب"، عدم ظهور أي دور إصلاحي لهذه المجالس بـ"أنها جاءت نتيجة قانون شرعته قوى السلطة المتنفذة بما يتناسب مع مصالحها"، مبيناً أن المزاج السياسي يتجه نحو الانتقام والإقصاء، ما قد يؤدي إلى أزمات جديدة".
وفي ما يتعلق بأداء مجالس المحافظات، أكد البيدر على غياب الرغبة الإصلاحية ومحاولة التغيير الإيجابي، وسط تعثر الإدارات المحلية وعدم رضا مجتمعي عن الخدمات المقدمة، ما ينعكس سلباً على تفاعل المواطن معها.
واختتم البيدر حديثه بالدعوة إلى ضرورة أن "يصنع الجمهور رأيًا عامًا يفرض على هذه المجالس تغيير سلوكها، والمساهمة في إيصال ممثلين أفضل في الانتخابات المقبلة لهذه المجالس".
نينوى.. الوضع لم يتغير
وقال عضو مجلس محافظة نينوى، أحمد الكيكي، أن "الوضع في نينوى لم يتغير بشكل كبير حتى الآن، رغم وجود بعض التطور الطفيف."
وعبّر الكيكي في حديث لـ "طريق الشعب"، عن اسفه بسبب عدم وجود دور حقيقي "للمجالس المحلية"، مرجعاً الأسباب الى "الصراعات الداخلية. وحتى قبل هذه الصراعات، كانت اللجان الخمس الأكثر أهمية غير مكتملة".
وتابع قائلاً: "تشمل هذه اللجان لجنة الصحة، الأمنية، الخدمات، المالية، والإعمار. السبب وراء ذلك يعود إلى محاولة بعض الأطراف الحصول على حصة أكبر من الاستحقاقات".
الديوانية.. من سيئ الى أسوأ
وأفاد مصدر مسؤول في محافظة الديوانية، رفض الكشف عن اسمه، أن "أداء الحكومة المحلية يتسم بالتلكؤ، ولا يختلف كثيراً عن أداء الحكومات السابقة".
وأضاف المصدر أن "الحكومة المحلية تهتم ببعض الملفات وتجاهل أخرى. على سبيل المثال، ملف الإعمار يُعطى أولوية، رغم أهميته، لكنه لا يجب أن يكون على حساب ملفات أخرى مثل العمل اليومي لبلديات الديوانية أو إدارات الكهرباء والماء والزراعة".
وأشار المصدر إلى أن "التدخلات من قبل أعضاء مجلس المحافظة في الشؤون الإدارية والتنفيذية تعمّق المشكلة. المجلس الحالي يتكون من أعضاء جدد يفتقرون للخبرة والكفاءة اللازمة للتعامل مع الملفات الإدارية والتنفيذية. رغم ضعفهم الواضح، إلا أن تدخلاتهم المباشرة في العمل التنفيذي أثرت سلباً على أداء الدوائر المختلفة".
كما اشار المصدر الى "تدخلات غير مبررة من قبل بعض النواب في المشاريع الكبيرة، ما ينعكس سلباً على جودة العمل. على سبيل المثال، مشروع مجاري غماس شهد تدخلاً واضحاً من قبل إحدى النائبات التي فرضت استخدام مواد غير مطابقة للمواصفات، وهو ما أدى إلى فشل تلك المواد في الاختبارات الفنية واستبدال المهندس المسؤول عن المشروع الذي رفض استخدامها".
وواصل المصدر حديثه بأن "هناك ضعفاً واضحاً في التخطيط. مقترحات مشاريع عام 2024 لم تُستكمل حتى الآن، ونحن على مشارف نهاية العام. قسم التخطيط في المحافظة وأقسام التخطيط في الدوائر التابعة لها لم تُكمل بعد الكشوفات والبيانات الخاصة بالمشاريع المقترحة. كما أن خطط عام 2025، التي كان من المفترض أن تكون جاهزة في هذا الوقت، لم تبدأ بعد".
عجز عن تنفيذ المشاريع المهمة
وفي تقييمه لأداء الحكومة المحلية، أكد المصدر أن "المحافظة التي تعرضت للإهمال خلال السنوات الماضية، كانت تنتظر تعويضا عما فاتها خلال المدة الماضية من خلال تخصيصات مالية كبيرة من الحكومة المركزية".
وتابع، ان رئيس الوزراء أقرّ العديد من المشاريع الوزارية الكبرى لإعادة إعمار الديوانية، ولكن هذه المشاريع تتطلب وجود حكومة محلية تمتلك القدرة على مواجهة التدخلات السياسية والحزبية التي تُعيق العمل".
واختتم المصدر الحديث قائلاً: إن "الديوانية بحاجة إلى قيادة قوية قادرة على حماية موظفيها ومهندسيها ومديري دوائرها من التدخلات، كما تحتاج إلى رؤية واضحة للتخطيط والتنفيذ من أجل تحقيق التنمية المستدامة".
نائب: البرلمان مشلول
وبالرغم من مرور نحو نصف العام على تشكيل معظم الحكومات المحلية، إلا أن ملف الخدمات في المحافظات ما زال يواجه انتقادات كبيرة، في ظل انعدام الدور الرقابي لمجلس النواب وغياب تام لتقييم عمل المحافظين، واقتصار حالات الإعمار فيها على الوزارات الاتحادية.
وقال عضو لجنة الخدمات البرلمانية محما خليل، إن "اللجنة المعنية بتقييم أداء المحافظين هي لجنة الخدمات والإعمار وفق الدستور، وهي من يقع على عاتقها محاسبة المتلكئين من المحافظين، ممن فشلوا في تنفيذ برامجهم وأساؤوا استخدام المال العام".
وأضاف خليل في تصريح صحفي، أن "لجنة الخدمات الحالية لم تكن بمستوى اللجنة الحقيقية ولم تؤد دورها الرقابي بمحاسبة المحافظين ولم تطالبهم بأي برامج كما لم تتم دعوة أي محافظ على الرغم من مضي فترة كافية للتقييم"، لافتا إلى أن "هذه اللجنة بإمكانها دعوة المحافظين المتلكئين إلى البرلمان وسحب الثقة من بعضهم بعد استجوابهم".
وتابع، أن "مجالس المحافظات بإمكانها أيضا بموجب القانون مراقبة عمل المحافظين واستجوابهم، وهي تمتلك هذه السلطة، لكنها لم تفعل حتى الآن"، مشيرا إلى أن "الخدمات في المحافظات ما زالت متلكئة جدا، والحكومات المحلية فشلت في إيصال رسالة البرنامج الحكومي الذي طرحه رئيس الوزراء حين وصف كابينته الوزارية بحكومة الخدمات".