يشهد قطاع التعليم الأهلي في العراق، أزمة متفاقمة تتمثل في ضعف الرقابة وغياب معايير الجودة، إضافة إلى التدخلات السياسية وتغول المستثمرين، ما أدى إلى تراجع مستوى التعليم في الجامعات والكليات الأهلية.
ووفقا لتقرير هيئة النزاهة، تعاني العديد من المؤسسات التعليمية الخاصة من مشكلات إدارية ومالية؛ حيث لم تلتزم 34 جامعة وكلية بتسديد المستحقات المالية منذ عام 2016.
وكشف التقرير، أن 46 من أصل 72 مؤسسة أهلية تصف نفسها بأنها "جامعات" بينما هي بمستوى "كليات"، ما يعكس فوضى في التسميات وضعفا في الرقابة الحكومية.
ويأتي هذا في ظل قانون التعليم العالي الأهلي لعام 2016، الذي قلّص صلاحيات وزارة التعليم في الإشراف والتدخل، ما أثر سلبًا على قدرة الوزارة في متابعة الشؤون الإدارية والمالية لهذه المؤسسات.
ووصف المختصون تقرير الهيئة بأنه أغفل العديد من السلبيات الأخرى، حيث سلط الضوء على مشاكل التعليم الجامعي الأهلي في العراق، وأبرز ضعف صلاحيات الوزارة في الرقابة نتيجة لتعديلات قانون التعليم العالي الأهلي لعام 2016، ما أثر سلبا على جودة التعليم وإدارة المؤسسات التعليمية.
ودعت الهيئة إلى تحسين معايير استحداث الجامعات والالتزام بتطبيق معايير الجودة. فيما حذر معنيون من مغبة تعديل القانون من جديد، داعين إلى التريث قبل اتخاذ أي إجراء.
مشاكل التعليم الأهلي
وفي هذا الصدد، قال نقيب الأكاديميين العراقيين السابق، د. مهند هلال، إن "تقرير هيئة النزاهة راعى الجوانب الشكلية فقط، ولم يتطرق إلى الكثير من السلبيات التي يناضل أعضاء هيئة التدريس والمتابعون للشأن الأكاديمي والتعليمي في العراق لمعالجتها". وعبر عن خشيته في حديث مع "طريق الشعب"، من أن "تتسرب هذه السلبيات إلى التعليم الجامعي الحكومي، نتيجة لتوسع مؤسسات التعليم الأهلي".
وقال هلال، إن "تسمية بعض هذه المؤسسات بـ (الدكاكين) دقيقة، إذ كانت بعض المؤسسات تمنح شهادات بدون أساس معرفي في الفترة من 2019 إلى 2020، كما أن إقرار قانون 2020 لمعادلة الشهادات دفع العراقيين للذهاب إلى لبنان وإيران لشراء شهادات وهمية، وهو ما يجعل تسمية 'الدكاكين' وصفًا دقيقًا لما يحدث في هذه المؤسسات".
وتناول النقيب السابق للأكاديميين في سياق حديثه مشكلة أخرى تتعلق بـ "تدخل المستثمرين في الشأن الأكاديمي، حيث يتفوق الطالب على الأستاذ باعتباره موردًا ماليًا للمؤسسة، بينما الأستاذ يتقاضى أجرًا من المؤسسة، ما يجعل العملية ربحية بحتة".
وأشار إلى "تغلغل أصحاب هذه المؤسسات في القرار السياسي والإداري في وزارة التعليم العالي، حيث إن معظم المستثمرين من خلفيات سياسية ويملكون دعما سياسيا، ما يعيق أداء الموظفين في الوزارة ويمنعهم من القيام بواجباتهم".
وتساءل هلال عن "عدم إصدار تعليمات قانون 25 (قانون التعليم الجامعي الأهلي) حتى الآن بعد مرور 8 سنوات"، مشيرًا إلى أن "القانون، رغم بعض الإشكاليات، كان من شأنه الحد من الانتهازيين وخلق مرونة في التعامل مع هذه المؤسسات".
وأضاف أن "تعديل القانون الحالي قد يسبب مشكلات أكبر بسبب تدخل الجهات السياسية والاستثمارية".
وأكد ضرورة "إبعاد تأثير المستثمرين عن المؤسسات التعليمية بدلاً من تقنين وجودهم، وتعزيز دور وزارة التعليم العالي في توزيع المقاعد والطلبة على الكليات، ما يعزز التنافس بين هذه الكليات لتحقيق أفضل النتائج".
وأشار إلى أن "جهاز الإشراف والتقويم العلمي في وزارة التعليم العالي يجب أن يقوم بواجباته بشكل فعال، حيث كشف الامتحان التقويمي السابق عن سوء مخرجات بعض الكليات، ما يعكس الواقع الذي وصفه بـ 'الدكاكين'".
وشدد على "ضرورة انتقاء اللجان المشرفة على المؤسسات التعليمية بدقة، سواء تلك المسؤولة عن الاستحداث أو الكشف الدوري، لضمان النزاهة والأمانة العلمية والأخلاقية".
وخلص إلى القول: إنه "في ظل الوضع الحالي، لا توجد بوادر لإنقاذ التعليم الجامعي الأهلي، ويجب التريث قبل إجراء أي تعديل على القانون أو إصدار تعليمات للقانون السابق لتنظيم العمل، والابتعاد عن استحداث دراسات عليا في هذه المؤسسات، طالما توجد مؤشرات على ضعف الأداء في البكالوريوس".
فساد ورشى ونفوذ سياسي
من جهته، قال عضو اللجنة التنفيذية لاتحاد الطلبة العام، حافظ الجاسم، إن "الوضع التعليمي في العراق بشكل عام في تراجع مستمر، خاصة ما يتعلق بالتعليم الحكومي، مع انهيار البنية التحتية للجامعات الحكومية".
وشدد في حديثه مع "طريق الشعب"، على أنه "من الضروري أن تكون الجامعات والكليات الأهلية رديفًا للتعليم الحكومي، ولكن في العراق أصبحت هذه المؤسسات تفوق أعداد الجامعات والكليات الحكومية بشكل كبير".
ونوه الجاسم إلى أن "أغلب هذه الجامعات والمؤسسات أصبحت عبارة عن محطات لغسيل الأموال، باستثناء الجامعات الرصينة التي تمتاز بالجانب العلمي والإنساني ودعم العملية التعليمية في العراق".
وأضاف، أن "التعليم الأهلي في العراق، في ظل الوضع الحالي، أصبح وسيلة لتجاوز قيود التعليم الحكومي، ما يسهم في تخريج أعداد كبيرة من الخريجين غير المهيئين لسوق العمل".
وبيّن أن "الرقابة من قبل الوزارة تأثرت وضعفت بفعل الفساد والرشاوى وضغوط المتنفذين، دون وجود معايير لحماية هذا المجال من الفساد".