اخر الاخبار

يتعرض المحامون في العراق لضغوط شديدة تعرقل قدرتهم على ممارسة مهنتهم بحرية، حيث يواجهون تهديدات وعمليات اغتيال لمجرد أنهم يتعاملون مع قضايا يكون فيها الطرف الآخر من عشائر أو أشخاص متنفذين يمتلكون أسلحة. هذه الضغوط تبرز التحديات الكبيرة التي يواجهها المحامون، ما يهدد استقلالية عملهم، ويسهم في تآكل نظام العدالة في البلاد.

نقلت الأخبار المحلية أمس الأول، خبرا عن مسلحين مجهولين أطلقوا النار على محام أثناء توجهه إلى عمله في قضاء الزبير جنوبي البصرة. المحامي نجا من الحادث.

ووفقًا للأخبار، فإن “المعلومات والتحقيقات الأولية الواردة تشير إلى أن الحادث جاء بسبب مرافعة المحامي في إحدى القضايا الموكلة إليه”. يأتي هذا بالتزامن مع إعلان نقابة المحامين العراقيين، في وقت سابق من صباح اليوم ذاته، عن مقتل أحد أعضائها داخل مكتبه في منطقة الكاظمية ببغداد، مبينة أن “ظروف مقتله غامضة”، وتتابع مع القوات الأمنية ملابسات القضية.

وذكرت، أن “المسلحين قاموا بإطلاق النار بأسلحة من نوع مسدس، ما أسفر عن مقتله في الحال”، مبينة أن “الجريمة حصلت داخل مكتب المحامي في الطابق الثالث المعد للمرافعة والمحاماة”.

أزمة أمنية حقيقية

وعلّق المحامي والناشط السياسي علي القيسي، على أحداث الاغتيالات الأخيرة قائلاً: “للأسف الشديد، نعيش اليوم أزمة أمنية حقيقية تسببت بخسارة المهنة لفرسانها بشكل مستمر. ما كان سابقًا مجرد اعتداء لفظي تطور ليصبح اعتداءً جسديًا وجنائيًا”.

وأضاف في حديث لـ “طريق الشعب”، “لقد كنا نعتمد على الوسائل القانونية لردع مثل هذه التصرفات، ولكن مع تصاعد الانفلات الأمني وعدم معاقبة المعتدين، ازدادت الأوضاع سوءا، حيث هناك افلات من العقاب”.

وزاد القيسي، أن “الاعتداءات التي يتعرض لها المحامون في العراق اليوم تجاوزت كل الحدود. ففي بيئة عمل غير آمنة، أصبح الدفاع عن حقوق الموكلين مهمة محفوفة بالمخاطر”، وأشار إلى ان “الحماية الضعيفة التي نتلقاها تجعلنا غير قادرين على أداء واجباتنا بشكل صحيح”.

وتابع قائلاً، “في الأشهر الأخيرة، تم تسجيل أكثر من 11 حالة جنائية ضد محامين، وكان شهر آب من بين الأشهر الأسوأ، حيث سجلت حالتان جنائيتان، آخرها كانت جريمة اغتيال الزميل المغدور أحمد الأسدي”.

وبيّن أن “في العراق، لا يمكن للمحامي تبني أي قضية قانونية ما لم يكن لديه دعم أمني، حيث يواجهون خطر الابتزاز والتهديد وحتى القتل في حال عدم توفر هذا الدعم”.

وختم القيسي حديثه بالتعبير عن قلقه العميق إزاء الوضع الحالي، قائلاً: “المضايقات والتضييق على الحريات وصل إلى أبشع الدرجات، والقلق الكبير هو أن نصل إلى مرحلة نضطر فيها للاختيار بين الموت أو التخلي عن الدفاع عن موكلينا”.

وأعربت نقابة المحامين عن قلقها البالغ إزاء الارتفاع الملحوظ في حالات الاغتيال التي تستهدف المحامين خلال الفترة الأخيرة.

ويقول وكيل نقابة المحامين زياد اللامي، أن “هذه الاعتداءات تأتي نتيجة لعدة عوامل أبرزها عدم استقرار الوضع الأمني في البلاد، حيث تتزايد نفوذ القوى الخارجة عن سلطة الدولة مثل السلاح العشائري والجماعات المسلحة. ويجعل ذلك المحامين، خاصة أولئك الذين يتولون قضايا حساسة، عرضة للخطر ويشكلون أهدافًا سهلة لهذه الجماعات”.

وأضاف اللامي لـ”طريق الشعب”، أن “من الأسباب الأخرى التي تسهم في تعرض المحامين لهذه المخاطر هو ضعف الحماية القانونية الممنوحة لهم، حيث تفتقر القوانين الحالية إلى نصوص واضحة تحمي المحامين بشكل كافٍ. ولهذا، تطالب نقابة المحامين بتعديل قانون المحاماة لإضافة نصوص تضمن حماية المحامين وتمنحهم حصانة أثناء تأدية عملهم”.

وفي ظل هذه الظروف الخطرة، يؤكد أن “نقابة المحامين تدعو السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز الحماية القانونية للمحامين. يشمل ذلك سن قوانين جديدة تضمن سلامتهم وتفعيل دور الأجهزة الأمنية لحمايتهم. كما تشدد النقابة على ضرورة تطبيق العدالة بحزم ومعاقبة كل من يرتكب هذه الجرائم لضمان عدم إفلاتهم من العقاب”.

وختم بالقول أن “نقابة المحامين ستظل دائمًا في طليعة المدافعين عن حقوق المحامين وتعمل على ضمان سلامتهم وحماية مصالحهم بكل السبل المتاحة”.

توفير الحماية

ويذكر الخبير القانوني علي التميمي ان المادة ٢٩ من قانون المحاماة رقم ١٧٣ لسنة ١٩٦٥، تعتبر ان “الاعتداء على المحامي بمثابة اعتداء على موظف أثناء تأدية واجبه، حيث تعاقب المواد ٢٢٩ إلى ٢٣١ من قانون العقوبات بالحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات على من يعتدي على الموظف أثناء تأديته لواجباته، مع تشديد العقوبة في حال كان الاعتداء مصحوباً بجرح أو أذى أو ضرب، أو إذا كان الاعتداء متعمدًا أو باستخدام السلاح أو ارتكبه مجموعة من الأشخاص”.

ويؤكد التميمي لـ “طريق الشعب”، أن “نقابة المحامين معنية بمتابعة مثل هذه الاعتداءات، حيث أن أي اعتداء يقع على محام يعتبر اعتداءً على جميع المحامين وعلى النقابة أخذ دورها”، واستدرك بالقول :”إننا نرفع صوتنا عالياً ونطالب بملاحقة الجناة الذين يعتدون على المحامين وتطبيق أقصى العقوبات بحقهم. المحامون هم القضاء الواقف والمدافعون عن الحق والعدل النبيل”.

بيئة غير مناسبة

فيما يقول مصطفى البياتي (يعمل في احدى محاكم بغداد)، أن “العراق أصبح غير مؤهل لممارسة هذه المهنة هناك جهات تعيق تنفيذ القانون الذي ينص على حماية المواطنين والذي ضمن في مواده الحماية لممارسي مهنة المحاماة”. ويضيف البياتي في حديث مع “طريق الشعب”، أن “مهنة المحاماة لن تكون آمنة في ظل الفوضى الأمنية والعجز عن تطبيق القوانين، ووجود نشاط لجماعات مسلحة وانتشار السلاح خارج الدولة”.

ويؤكد، أن “مئات المحامين تصلهم رسائل تهديد وابتزاز، ويتعرض الآخرون لمختلف الاعتداءات، الجسدية والنفسية”، مضيفا أنه “في كثير من الأحيان يتم ركن القانون تماما في المحاكم، خاصة في المناطق العشائرية، مما يبرز تحديات اكبر لمن يمارس المهنة هناك”.