يستمر البرلمان الحالي بغض النظر عن القوانين المهمة التي يحتاجها المواطن والدولة، ويذهب الى تبني تشريعات قانونية جدلية غير مفهومة او مهمة، تعمق الهوّة بينه وبين الناس، الى ان وصل الامر لإقرار قانون التعليم الحكومي الخاص.
وقد أبدى أكاديميون ومؤسسات طلابية معنية وناشطون رفضا شديدا لهذا القانون الذي يلغي مجانية التعليم التي كفلها الدستور، واكد عليها في بنوده، والزم الحكومة العراقية بدعم العملية التعليمية.
البرلمان يحتال على الدستور
وقال سكرتير اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق ايوب عبد الحسين، إن اقرار هذا القانون يعني الغاء مجانية التعليم التي كفلها الدستور، وتجاهل الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها العراق بشأن التعليم، مشيرا الى ان المشرّع "استند الى فقرة او جملة واحدة مطاطية في الدستور تؤشر الى وجود تعليم خاص بمعنى التعليم الأهلي، وليس ان تتخلى الدولة عن التزاماتها بدعم التعليم، وتتوجه الى جباية ملايين الدنانير من جيوب الطلبة في سبيل حصولهم على تعليم يؤهلهم للدخول في سوق العمل".
وأضاف عبد الحسين في تصريح لـ "طريق الشعب"، انه "بالنظر للأسباب التي شرع بموجبها القانون، نجد ان الحجة هي لغرض الانفاق على (باقي مرافق التعليم تطوير بناه التحتية، بما ينسجم مع الزيادة في اعداد المقبلين على التعليم بفعل الزيادة السكانية)"، معتبرا هذا الامر بحد ذاته "اعترافا واضحا وصريحا بتخلي الحكومة عن التزامها في تطوير التعليم الحكومي وتوسعة بناه التحتية".
وتابع سكرتير اتحاد الطلبة، انه "كان حري بمجلس النواب ان يفتح تحقيقاً حول اموال صندوق التعليم الموازي التي تقدر بمئات المليارات من الدنانير".
ووجه أيوب سؤالا مباشرا الى وزارة التعليم العالي والجهات الرقابية: "أين ذهبت هذه الاموال؟"، مضيفا انه "كان من المفترض انه تُخصص لتوسعة البنية التحتية وتطوير مرافق الجامعات الحكومية".
وواصل حديثه عن التعليم الموازي قائلا: "مرت قرابة 10 سنوات على اصدار تعليمات التعليم الموازي، لكن لم نشهد اي تطور ملحوظ في البنية التحتية للجامعات، بما ينسجم مع حجم الاموال والمبالغ التي استحصلت من الطلبة في هذا الجانب".
مفارقة عجيبة
ونوه عبد الحسين بان "المفارقة العجيبة في هذا القانون، هي أن الحكومة في الوقت الذي تتخلى فيه عن التزاماتها بدعم التعليم الخاص بالطلبة العراقيين، نراها تنفق ملايين الدولارات على الطلبة الاجانب ضمن برنامج (ادرس في العراق)، الذي يعتمد المنح المجانية التي تقدمها الحكومة لهؤلاء الطلبة، في سبيل تحسين سمعة المنظومة السياسية بين دول المنطقة، لكنها تتخلى في الوقت ذاته عن التزاماتها امام الطالب العراقي الذي يواجه تحديات اقتصادية صعبة، وظروفا اجتماعية قاهرة تمنعه من ان يكمل تعليمه؛ حيث يواجه مصاعب ومتاعب كثيرة تعرقل إكمال تعليمه".
واكد سكرتير الاتحاد، ان اقرار هذا القانون "يأتي ضمن حزمة من القوانين التي عمد مجلس الوزراء على ارسالها الى البرلمان، والغاية منها هدم التعليم الحكومي وتحويله الى تعليم خاص يعود بالنفع على المستثمرين وكبار الفاسدين".
ورهن أيوب عبد الحسين تراكم الفشل واستمراره في القطاع التعليمي بكون الجامعات اليوم موزعة بحسب المحاصصة الطائفية والاثنية، وبالتالي فإن "ما يجبى من موارد يذهب الى جيوب الاحزاب المتنفذة التي تسيطر على هذه المرافق التعليمية".
جملة من الملاحظات
وطرح الكاتب والمدون علي فاهم، مجموعة من الملاحظات حول قانون التعليم الجامعي الحكومي الخاص، قائلا انه "يمنح الوزير صلاحية فتح قنوات خاصة للقبول في الدراسات العليا على النفقة الخاصة"، معربا عن رفضه هذا القانون لأنه سيضعف الرصانة العلمية، خصوصا ان السائد في دوافع عمل المؤسسات التعليمية الربحية، هو اهمال الجانب العلمي وكفاءته والتركيز على الجانب الربحي، ما يعني اننا سنرى بعد فترة شهادات عليا تفتقر للرصانة والكفاءة العلمية تمارس التدريس في الجامعات، وهذا خطر كبير على مستقبل التعليم في البلاد".
وأشار فاهم الى ان "الأسباب الموجبة لتشريع القانون، تذكر هدف الحفاظ على الرصانة العلمية"، متسائلا "متى كانت الدراسة الخاصة والمعتمدة على تحصيل الأرباح المادية دافعا للرصانة العلمية؟".
وضمن الأسباب الموجبة أيضا، ذكر المتحدث أنه "لغرض تمويل العملية التعليمية"، وأردف ذلك بتساؤل "هل موازنة الوزارة التي تبلغ أكثر من (٣) تريليونات لا تغطي الموارد المالية وتمويل العملية التعليمية، حتى نجبر على المجازفة برصانة المستوى الجامعي العلمي في مراتبه العليا من اجل تحصيل اموال لا تشكل نسبة (١ في المائة) من موازنة الوزارة السنوية؟".
وخلص الى القول: ان "الدراسة على النفقة الخاصة تحكمها المجاملات والتسهيلات في اجراءات ومعايير التقييم العلمي، سعيا لاستقطاب مزيد من المتقدمين على حساب الكفاءة والجودة. وهذا تفريط بأساس مهم في التنمية العلمية وما يتبعها من تنمية اقتصادية وخدمية وصحية، تتوقف على عناصر علمية كفوءة تنهض بمسؤولياتها ومتطلباتها".
أسئلة منطقية
فيما تحدث نقيب الاكاديميين السابق مهند هلال، عن مخاطر تشريع هذا القانون، مؤكدا انه "مخالف لما اكد عليه الدستور العراقي".
وقال هلال لـ"طريق الشعب"، ان "مبررات اقرار قانون التعليم الحكومي الخاص، هو فسح المجال امام الطلبة الراغبين في الدراسة على نفقتهم، والذين يذهب نسبة كبيرة منهم الى خارج العراق لإكمال دراستهم".
لكن هلال يسأل وزارة التعليم العالي: "لو كان لا مانع لديها من مضاعفة هذه الاعداد، فلماذا لم يتم سابقاً قبول هذه الأعداد او توسعة القبول ومضاعفته؟ لماذا فجأة اصبحت اليوم قادرة على استيعاب هذه الفئة من الطلبة؟".
خصخصة التعليم؟
وقال هلال ان هناك سندا قانونيا للتعليم الموازي او كما يسمى بالتعليم الخاص، وعليه لا بد ان توضع الاجابات حول هذه التساؤلات: هل نحن ذاهبون الى خصخصة التعليم في العراق؟ هل ستتم اعادة النظر باقرار الدستور للتعليم المجاني؟ هل سيصار الى تقديم طعون كون هذا القانون يتقاطع مع مجانية التعليم التي اقرها الدستور؟
وأعرب المتحدث عن خشيته من ان "يصار الى اكمال مجموعة قوانين التعليم العالي بما يسمح بتعديل قانون التعليم الاهلي ويكون باتجاه توسعة الخصخصة وتمكين المستثمر وسيطرته على المؤسسة التعليمية".
وأشكل نقيب الأكاديميين السابق أيضا على "قانون معادلة الشهادات الذي سمح بمعادلة أكثر من 200 ألف شهادة من مؤسسات غير رصينة، بل عبارة عن دكاكين تمنح شهادات للكثير ممن لا يتمتعون بالكفاءة، وبالتالي تسلمهم مناصب حساسة ومهمة في الدولة".