اخر الاخبار

في ظل الاوضاع والازمات التي تشهدها البلاد، أصبح خطاب الكراهية أداة فعالة وخطيرة تستخدمها قوى السلطة المتنفذة، لتصفية حساباتها مع كل لأطراف المعارضة لها ولنهجها وسياساتها المأزومة.

ويجد مختصون، ان هذا الخطاب، الذي تبثّه وسائل إعلام وماكنات المتنفذين، لم يعد مجرد أداة الهاء واشغال للرأي العام، بل تجاوز ذلك واصبح سلاحا يتم من خلاله التحريض على الكراهية والعنف، ويستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي، وتأجيج الصراعات الطائفية والإثنية، ويقود البلاد إلى مزيد من عدم الاستقرار والفوضى. إذا ما استمر إذكاء الكراهية دون رادع، قد نجد أنفسنا أمام مجتمع مشحون بالكراهية، يعجز فيه المواطنون عن التعايش السلمي، ويغرق فيه البلد في دوامة من العنف والانتقام.

ولفتوا الى ان مواجهة هذا الخطر الداهم، يستدعي تبني استراتيجية متكاملة تقوم على سن تشريعات صارمة تجرّم خطاب الكراهية، وتضمن عدم المساس بحرية التعبير عن الرأي، مؤكدين أهمية الموازنة بين حماية الحريات العامة ومنع التحريض على الكراهية.

ضرب للصوت المعارض

في هذا الصدد، قال رئيس مؤسسة مدافعون لحقوق الانسان، د. علي البياتي، انه "بحسب معايير الامم المتحدة، فإن التعامل مع خطاب الكراهية يكون بشكل موازٍ مع قضية الجرائم التي تحدث احياناً وحتى الإبادة الجماعية"، مبيناً أن "مسار الجرائم دائماً تبدأ من خلال خطابات كراهية".

واضاف قائلاً، ان "الطبقة السياسية في العراق، والتي من المفترض ان تمثل الشعب ومصالحه، بدون النظر في الخلفيات الدينية والمذهبية أو القومية او الايديولوجية تستخدم هذه الخطابات من خلال وسائل اعلامها تجاه الطرف الآخر الذي قد يختلف مع أيديولوجياتهم او سياساتهم او حتى ان انتقد فسادهم او اخطاءهم".

واكد البياتي في حديثه مع "طريق الشعب"، أن خطابات الكراهية تمثل آلية لأذية الطرف الاخر،  الذي يمثل توجها معينا، واداة لخلق رأي عام مناوئ لهذا الطرف، وقد تكون بحسب معايير الامم المتحدة، بداية لتفاصيل اخرى، مثل تجريمهم او استهدافهم".

وقال، إن هناك شواهد كثيرة عن الصراع الطائفي بعد عام 2003 ففي فترة الطائفية، كنا نرى كل جهة تستهدف جماهير الجهة الاخرى تحت مسميات وعناوين طائفية، وكنا شهودا على ما حدث بعدها من اقتتال دموي، وصولاً الى ما قبل مرحلة داعش، حيث سبق استهداف اقليات  الايزيديين والشبك والتركمان والمسيح".

واشار الى أن "هذا الخطاب استثمر في انتفاضة تشرين، ضد الشباب المنتفض، حيث استخدمت وسائل اعلام الطبقة السياسية الممسكة بالسلطة، عناوين كثيرة، مثل الجوكرية والانتماء الى السفارات وما الى ذلك. وكانت بمثابة ضوء اخضر لاستهدافهم سواء من قبل القوات الامنية او من قبل مجاميع خارج اطار الدولة".

حرف لمسار الرأي العام

وتابع قائلاً "اليوم نرى ايضاً ترديد لهذا الخطاب في الكثير من القضايا، لعل أبرزها محاولة تعديل قانون الاحوال الشخصية. فبدل ان نرى برلمانا يجلس مع المواطن ايا كان تفكيره او مذهبه وانتماؤه الديني، ويتبادل معه الحوار والنقاش لمعرفة سبب الرفض، والوصول الى ورقة ثابتة تجمع الجميع، نرى تكفيرا وشيطنة واتهامات بالانتماء للبعث والعمالة وغيرها".

وأضاف، ان هذا يدل على "ضيق أفق ورؤية الطبقة السياسية، وعدم وجود خيار الوطن والشعب الواحد لديهم، وان هناك اصرارا على التفريق لخلق نوع من الصراع الاجتماعي والشعبي عبر بث هذه الخطابات الموجهة".

ونوه الى ان ذلك "يهدف الى إثارة الرأي العام في قضايا معينة للتغطية على أمور وقضايا اخطر، من انتهاك سيادة العراق وصفقات الفساد الكبيرة وغيرها من الصفقات والامور التي يدفع الشعب ثمنها دائماً".

وخلص البياتي الى القول ان "القوى السياسية المتنفذة في العراق، لديها القدرة والذكاء الكافي، لاستخدام كل هذه الادوات لتبرير وتمرير مشاريعها".

اذكاء الصراع لتمزيق المجتمع

من جهته، قال رئيس مؤسسة مسارات د. سعد سلوم: ان هذه الخطابات "تؤثر على السلم الاجتماعي، ويراد منها ضرب مبدأ المساواة بين المواطنين والحريات العامة وحرية التعبير وحرية الدين والمعتقد والتنوع الاثني واللغوي في العراق"، مشيرا الى انها "محاولة لإذكاء وتعميق الصراعات داخل المجتمع بين المكونات، او احياناً ضد بعض رموزه الثقافية التاريخية".

واكد سلوم لـ "طريق الشعب"، أن هذه الاساليب "يراد منها حرف النضال عن تحقيق الاهداف والاجماع المشترك بين مكونات المجتمع العراقي، وتحقيق ارضية مشتركة يمكن ان نبني عليها المواطنة والهوية الوطنية، الى صراع اجتماعي مستديم يتعمق يوم بعد اخر".

وتطرق المتحدث الى تنامي خطاب الكراهية، بالتزامن مع الذكرى العاشرة للإبادة الجماعية للايزيدييين، بالقول انها "مؤشر بالنسبة لي على ان هناك نيات لحرف مسار احياء ذكرى الابادة الجماعية وحرف مطالب الايزيديين بتحقيق العدالة الانتقالية سواء كانت محاكمة الجناة ام تعويض الضحايا وغيرها، وبدلاً من ان يكون هناك في الذكرى العاشرة مطالبات جادة واستجابة لهذه المطالب بعد مرور عشر سنوات، راحوا يفتشون عن ازمة عبر ترويج خطابات الكراهية".

قانون يحفظ التوازن

وواصل سلوم حديثه بالقول ان "خطابات الكراهية لم تتحول الى مجرد اداة للتعبئة ضد الاخر وشيطنته، واستثمارها انتخابياً في مواسم الانتخابات، بل تحولت الى سلاح يفوق في تأثيره بقية الاسلحة، ويمكن تشبيهه بانه قنبلة نووية تحاول تفجير المجتمع من الداخل، وبالتالي يكون لها اضرار على المستوى البعيد على كافة المستويات، وتعمق الانقسام داخل المجتمع".

واشار الى ان هناك عدة اليات للتصدي لهذا الخطاب، مبينا "اننا عملنا في مؤسسة مسارات على خطة واستراتيجية شاملة تخص عملية رصد وتحليل ومواجهة خطابات الكراهية، وهي خطة اصبحت جاهزة للنشر والتطبيق".

واوضح ان الخطة تتضمن "مسودة تشريع كاملة جرى اعدادها من قبل مجموعة من الخبراء لمدة عامين، والتي تستهدف تجريم خطابات الكراهية، والعمل على المناهج الدراسية للتعريف بالآخر، وتربية الجيل الجديد على نبذ التطرف ومكافحة الكراهية".