اخر الاخبار

أطلقت وزارة التخطيط العراقية خطتها الخمسية للأعوام 2024-2028، والتي تحمل مجموعة من الأهداف. وعلى الرغم من الطموحات الكبيرة التي تتضمنها الخطة، فإن التحديات المتعلقة بإلزامية تنفيذها وغياب التشريعات الداعمة تظل عائقًا أمام تحقيق الأهداف المرجوة، بحسب ما يؤكد خبراء الاقتصاد.

مشكلة مزمنة 

تعد هذه الخطة الخامسة بعد عام 2003 وتهدف إلى خفض نسبة الفقر في البلاد بنسبة 30 في المائة، بالإضافة إلى تنويع الاقتصاد وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية. ورغم الطموحات الكبيرة، يشير خبراء الاقتصاد إلى أن المشكلة المزمنة في العراق تكمن في عدم إلزامية تنفيذ هذه الخطط، لغياب التشريعات التي تحولها إلى قوانين ملزمة، مما يجعلها مجرد وثائق إرشادية دون تأثير عملي يذكر.

محاور عديدة 

وفي حديثه عن الخطة، قال المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، إن أحد أبرز أهدافها هو "خفض نسب الفقر في البلاد بنسبة 30في المائة عن مستواها الحالي. فلو كانت نسبة الفقر اليوم 20 في المائة، فمن المفترض أن تنخفض بحسب الخطة إلى حدود 10-11في المائة خلال خمس سنوات، وهي نسبة منطقية ومعقولة في ظل الظروف التي يشهدها العراق".

وأوضح في حديثه مع "طريق الشعب"، أن الخطة تتضمن "محاور عديدة أخرى تتعلق بالتنوع الاقتصادي وزيادة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، وتقدير الإيرادات المتوقعة التي سيحققها العراق خلال السنوات الخمس، والتي تبلغ حوالي 670 تريليون دينار، معظمها من مبيعات النفط، وكذلك أثر هذه الإيرادات في تحفيز وتنمية قطاعات التنمية المختلفة".

وأضاف أن الخطة "تشمل أيضًا تنمية رأس المال البشري، وإيجاد حلول ومعالجات مبتكرة للمشكلات الموجودة في البلاد، وأتمتة وبرمجة العمل التنموي من خلال التحول إلى رقمنة كل الفعاليات المؤسسية في الدولة العراقية".

وأكد الهنداوي أنه "تم لقاء مع الجانب الصيني ممثلًا بالسفير، حيث تم بحث أوجه التعاون المشترك لدعم الحكومة الصينية للجهود الحكومية في العراق في مجال تخفيف نسبة الفقر، نظرًا لتجربة الصين الكبيرة في هذا المجال".

وأشار إلى أن "مخرجات التعداد السكاني العام ستكون مدخلات مهمة لخطة التنمية الخمسية للسنوات الخمس القادمة، لأنها ستوفر معطيات تفصيلية واضحة وكاملة عن المشهد، وبالتالي ستساعد هذه البيانات في تحديد الفجوات التنموية ومكامن الخلل في مختلف القطاعات".

وأوضح أنه "على أساس هذه المخرجات المهمة، سيتم وضع المعالجات ضمن البرامج الرئيسة والأنشطة الفرعية للخطة".

أين مكامن الخلل؟

من جهته، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي إن "وزارة التخطيط دائمًا ما تنظم خططًا خمسية، وهذه ليست المرة الأولى، فهذه هي الخطة الخامسة، وهي دائمًا خطط متكاملة تستهدف معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد العراقي وتحقيق التنمية والتطور".

وأشار المرسومي في حديثه مع "طريق الشعب"، إلى أن "المشكلة في العراق هي أن خطط التنمية لا تُحوّل إلى قانون يُصادق عليه البرلمان، وتكون ملزمة للجميع"، مبينًا أنها أصبحت "بمثابة خطط إرشادية وغير ملزمة للوزارات والأجهزة التنفيذية".

وأضاف أن "هذه الخطط مفيدة للباحثين والقراء، ولكن بما أنه لا يوجد التزام حكومي وبرلماني، فقد تحولت إلى مجرد خطة للتنظير ليس إلا".

وأكد الخبير أن "المدخل الأساسي لتحويل الخطة إلى واقع عملي هو أن تُشرّع بقانون (قانون خطة التنمية) ليصبح ملزمًا لجميع الأجهزة التنفيذية. فمن الملاحظ كذلك أن كل الموازنات في البلاد ليس لها علاقة بخطط التنمية ولا تشير إليها، على الرغم من أنها تتضمن أهدافًا قطاعية وكمية وكلية وتعالج مختلف المشكلات الموجودة في الاقتصاد والمجتمع العراقي".

وأشار إلى أن التجربة العملية "أثبتت أن ترك خطط التنمية بدون تشريع قانوني يجعلها ملزمة للأجهزة التنفيذية سيجعلها كأي برنامج آخر غير قابل للتطبيق بما أنها غير ملزمة".

وأوضح أن "تطبيق هذه الخطط سيؤثر بكل تأكيد في الواقع الاقتصادي، ويغير من نوعية الاقتصاد العراقي، ويحقق قفزة في مستوى معيشة المواطن. ولكن في الوقت الحالي ونظرًا لعدم تشريعها قانونًا ولكونها غير ملزمة، فهي بمثابة خطط إرشادية لا علاقة لها بالواقع الاقتصادي".

من جهته، قال الباحث في الشأن الاقتصادي، إبراهيم المشهداني، إن "هذه الخطط لا قيمة لها، والدليل على ذلك أن كل الخطط التنموية الأربع الماضية لم تحقق أهدافها، والأساس أن الخطة حين توضع، تكون فيها مشاكل كثيرة".

وأوضح في حديث لـ"طريق الشعب" أن "الخطة حين توضع، لا يؤخذ في الاعتبار معالجة المعوقات وتذليل العقبات التي تحول دون تنفيذها، والتي يعرفها المعنيون جيداً"، مؤكداً أن "الخطة التنموية حين تكون بدون قانون وغير ملزمة، فإنها لا تُنفذ وتبقى مجرد حبر على ورق". وعن فقدان هذه الخطط لقيمتها الحقيقية، قال إن "عدم اهتمام الدولة هو أحد أهم الأسباب؛ إذ يجب أن تنال هذه الخطة اهتمام ورعاية الدولة، وتقسم الخطة على الوزارات وكل منها تقوم بواجبها"، مبيناً أن "على وزارة التخطيط إشراك بقية الوزارات في التخطيط واستشارة الوزارات في كل القطاعات الإنتاجية، لمعرفة التحديات وما هو المطلوب ورسم الأهداف، وكل هذا غير موجود للأسف".

وأكد المشهداني أن "الفقر بحد ذاته بحاجة إلى خطة خاصة، حيث إن ثلاث خطط سابقة أخفقت في وضع الحلول المناسبة للحد من الفقر"، مبيناً أن "القائمين على الوضع السياسي في البلد لا يأخذون بعين الاعتبار الصعوبات التي واجهتها الخطط السابقة، ولا يضعون الحلول لتذليل العقبات أمامها، إضافة إلى عدم وضع قانون يلزم المؤسسات التنفيذية بتنفيذ الخطة".

وأفصح الباحث في الشأن الاقتصادي عن "عدم التفاؤل بهذه الخطة؛ فالاستناد في هذه الخطة وغيرها يجب أن يكون على قطاع الإنتاج المهمل"، منوهاً إلى أنه "بالنظر السريع إلى الموازنات السنوية التي من المفترض أن تكون جزءاً من الخطة، نرى أن الإنفاق يتركز على الخدمات والكثير من الأبواب الوهمية التي لا تُنجز، بما يعني أن الخطة تُرسم في جهة والموازنات في جهة أخرى". وبيّن أن "مخرجات التعداد العام للسكان يجب أن يُؤخذ في الاعتبار لأنه سيحتوي على كل المعطيات والبيانات التي تحتاجها الخطة". وخلص متسائلاً: "أي حديث عن تنفيذ الخطة في ظل وضع غير مستقر في العراق؟".