وقع وزيرا الدفاع العراقي والتركي، مؤخرًا، على مذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، ومواجهة تهديدات حزب العمال الكردستاني.
وتأتي هذه المذكرة امتدادًا لتنفيذ الاتفاقيات الثنائية التي وُقِّعَت خلال زيارة الرئيس التركي أردوغان الأخيرة إلى بغداد. في هذا السياق، انتقد مختصون في الشأن الأمني ما وصفوه بتذبذب وتناقض الموقف العراقي، مشيرين إلى أن الحكومة العراقية سمحت بفتح مقرات لحزب العمال الكردستاني في مناطق معينة، بينما شرعنت التواجد التركي عبر إنشاء مركز عمليات مشتركة في عمق الأراضي العراقية.
وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، ذكر في تدوينة على منصة (X) أن الاجتماعات الأمنية المكثفة بين البلدين تُوِّجَت بتوقيع مذكرة تفاهم للتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب، واصفا المذكرة بأنها "تمثل إضافة نوعية لعلاقاتنا الثنائية وتأكيدا على التزامنا المشترك بالسلام والاستقرار في المنطقة، بما يحقق المصالح المشتركة".
مفاوضات جارية.. ما انعكاساتها؟
من جانبه، صرح عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، ياسر وتوت، أن القرار "سيكون إيجابيًا إذا أسهم في حل المشكلات القائمة بين العراق وتركيا، وهو قرار تتحمل الحكومة العراقية مسؤوليته". وأضاف في حديثه مع "طريق الشعب" أن "تركيا تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وتذرعت بوجوده للتعمق داخل الأراضي العراقية مسافة 40 كم. واليوم تتحمل الحكومة العراقية مسؤولية حسم هذه القضية". وأكد أنه "إذا كان إنشاء هذا المركز سيؤدي إلى حل هذه القضية، فسيكون قرارًا صائبًا".
وتابع وتوت: "ليس من المنطقي السماح بوجود قوات مسلحة على الأراضي العراقية تشن هجمات على تركيا"، مشددًا على رفضه تحويل العراق إلى "ساحة للنزاعات والصراعات والحروب؛ فلا مصلحة لنا مع حزب العمال الكردستاني أو تركيا". وكشف أن "رئيس الوزراء أوفد ضابطًا رفيع المستوى للتفاوض مع حزب العمال الكردستاني بشأن نزع سلاحه وتسليمه للدولة العراقية، ومن الممكن أن نتوصل إلى نتائج خلال الأيام القريبة". واختتم حديثه بالقول إن "نجاح المفاوضات ونزع سلاح حزب العمال الكردستاني سيقطع الطريق على الجانب التركي في تقديم حجج لتواجده العسكري في العراق".
تصاعد التعاون العسكري
وفي سياق متصل، قال الخبير الأمني عماد علو أن "إنشاء مركز عمليات مشتركة يعني الشروع في تنفيذ التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، من خلال وضع الترتيبات والبنية التحتية المناسبة". وأشار إلى أن "مركز العمليات المشترك سيكون مقراً لهيئات الركن المسؤولة عن تنسيق التعاون وتبادل المعلومات الاستخبارية بهدف مواجهة وإخراج حزب العمال الكردستاني من مناطق شمال العراق، خاصة سنجار وجبال قنديل".
وأضاف علو في حديثه مع "طريق الشعب" أن هذه الخطوة "جاءت عقب توقيع الاتفاق الإطار الاستراتيجي خلال زيارة الرئيس التركي الأخيرة إلى بغداد، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تصاعد التعاون بين القوات الأمنية العراقية والتركية". وأوضح أن "مهمة المركز حاليًا تتمثل في تبادل المعلومات، فيما يمكن أن تتخذ المواجهات مع حزب العمال الكردستاني أبعادًا أخرى في حال اندلاع مواجهات فعلية".
كما أشار الخبير الأمني إلى أن "التوجه الحالي يميل نحو التفاوض والحوار، بهدف إقناع قيادات حزب العمال الكردستاني بالخروج من الأراضي العراقية أو نزع سلاحهم".
وقال أن "الإدارة الأمريكية منزعجة من هذا الاتفاق، حيث تمر خطوط الإمداد والدعم اللوجستي للقوات الأمريكية في شمال وشرق سوريا عبر المناطق التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية".
واختتم حديثه بالتأكيد على أن "نجاح التعاون الأمني والعسكري والاستخباري بين العراق وتركيا، وتطوره، سيزيل مبررات تواجد القوات التركية في الأراضي العراقية، في حال انسحاب أو إخراج قوات حزب العمال الكردستاني عبر الطرق العسكرية أو الدبلوماسية".
تناقضات كبيرة وتساؤلات عديدة!
من جانبه، اعتبر الباحث في الشأن الأمني عدنان الكناني، أن "إنشاء مركز بهذه المواصفات يمثل شرعنة للتواجد التركي داخل العراق".
وأوضح أن "وجود مقر بمستوى فوج معني بهذه المهام يعطي صفة رسمية لهذا التواجد"، واصفًا إياه بـ"الخرق الأمني غير المسؤول؛ فوجود محطة استخباراتية في عمق الأراضي العراقية (220 كم)، يسهل مهمة الاحتلال التركي لهذه الأراضي".
وتطرق الكناني في حديثه لـ"طريق الشعب"، إلى التناقضات في الموقف العراقي، موضحًا أنه "من جهة، قامت الحكومة بحظر حزب العمال الكردستاني، ومن جهة أخرى، سمحت بوجود مقرات له في العراق، خصوصًا في سنجار، حيث تعمل هذه المقرات بشكل رسمي وتعتبر من القوات المسيطرة على الأرض". وكشف الكناني عن "معلومة مؤكدة تفيد بأن هناك رواتبَ تُصرف لأعضاء الحزب. هذه تناقضات واضحة؛ فمن جهة تم شرعنة وجود حزب العمال، ومن جهة أخرى تمت شرعنة وجود القوات التركية. لذلك، يجب أن نحدد موقفنا بوضوح؛ أين نقف وأين نتجه، قبل الشروع في باقي الخطوات".