يواصل مجلس النواب تعميقَ الهوّة بينه وبين الشعب من خلال قراراته المستفزة التي تؤكد أنه لا يمثل الناس، ولا يعير اهتماما لمعاناتهم.
تفاجأ الرأي العام بتصويت سري لمجلس النواب على قرار يزيد رواتب ومخصصات أعضائه لتصبح مساوية لرواتب ومخصصات الوزراء، بالإضافة إلى زيادة نسبة مخصصات الخطورة لموظفي المجلس بمقدار 30 في المائة من الراتب الاسمي. هذا القرار، قوبل برفض شديد واستنكار واسع من المواطنين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها فئات واسعة من المجتمع.
أين العدالة الاجتماعية؟
في هذا السياق، تساءل د. حيدر علي، المهتم بالشأن السياسي، عن سبب "تصويت مجلس النواب بشكل سري على هذه الفقرة التي لم تُدرج ضمن جدول الأعمال المعلن"، معتبرًا أن هذا يدل على وجود "نية مبيتة لزيادة رواتبهم وامتيازاتهم، في وقت يحتاج فيه المواطنون إلى تحقيق العدالة الاجتماعية".
وأضاف علي في حديثه لـ"طريق الشعب"، أن "القوى المتنفذة المهيمنة على مجلس النواب تثبت مرارًا أنها لا تفكر إلا بمصالحها الضيقة وتنشيط لجانها الاقتصادية، دون أن تعير أي اهتمام لمصالح الشعب، وهذا هو الحال منذ التغيير وحتى اليوم".
وأشار إلى أن "هذه التصرفات تؤكد أن هؤلاء ليسوا أهلاً للمسؤولية، ولا يمكن الاعتماد عليهم في بناء دولة يسودها القانون، حيث إن همهم الوحيد هو دوام نفوذهم واستئثارهم على حساب معاناة الشعب".
واختتم بقوله: ان "تصويت البرلمان على زيادة رواتب النواب يمثل استهتارًا واستخفافًا بالمواطن وظروفه الصعبة، خاصة في وقت حرج تعاني فيه البلاد من أزمبيمة سيولة حيث تأخر اطلاق رواتب الموظفين، بالإضافة إلى ازمة التضخم التي ما زال المواطن يدفع ثمنها".
خرق للنظام الداخلي
من جانبه، عدّ المحامي زهير ضياء الدين، "تصويت البرلمان على فقرة تعديل رواتب ومخصصات أعضائه خرقًا للنظام الداخلي، إذ لم يُعلن المجلس عن وجود هذه الفقرة في جدول الأعمال".
وقال ان "البرلمان قد صمّ أذانه عن مطالبات الناس بإعادة النظر في سلم الرواتب، وتجاهل احتجاجات المتقاعدين المستمرة منذ سنوات، التي تطالب بتعديل قانون التقاعد الموحد. ثم نفاجأ بجلسة تتضمن فقرة سرية لتعديل رواتب ومخصصات أعضاء مجلس النواب والتصويت عليها".
وأضاف ضياء الدين في حديث مع "طريق الشعب"، أن "تمرير هذه الفقرة بشكل سري وبالأغلبية هو أمر معيب وغير مقبول، لأنه يتماشى مع مصالحهم الذاتية"، مؤكدًا أن "هذا القرار أفرغ البرلمان من أي صفة تمثيلية للشعب العراقي ومصالحه، وأثبت أن وجود النواب في البرلمان هو لخدمة مصالحهم الشخصية فقط".
وشدد على ضرورة أن "ينتبه الشارع لهذا الأمر ويرفضه تمامًا"، مشيرًا إلى أن ما حدث "دليل دامغ على أن هذه الفئة الموجودة في مجلس النواب بعيدة كل البعد عن الشعب العراقي ومعاناته وهمومه".
وخلص إلى القول إن "التصويت على هذه الفقرة يعد وصمة عار في جبين كل من اسهم وصوّت عليها، بينما يتم تجاهل معاناة الناس وعدم إيجاد معالجات جادة للواقع السيء الذي يعيشه المواطنون".
مؤشر سلبي آخر
من جهته، رأى الناشط السياسي يعقوب الحساني، أنه "كان من المفترض، بعد كل ما شهدناه خلال السنوات الأخيرة منذ 2019، أن يكون صناع القرار في البلاد على درجة عالية من الحذر والمسؤولية في التعامل مع الشعب ومصالحه".
وأضاف الحساني في حديثه لـ"طريق الشعب"، أن "المنظومة السياسية، على ما يبدو، لم تتعظ ولا تزال تسير على نفس النهج المأزوم في التحاصص وتقاسم المناصب، مما يعمق الفجوة بينها وبين الناس ويزيد من استيائهم وحنقهم".
وتابع الحساني قائلاً ان "قوى السلطة أثارت الرأي العام بقضايا مثل تعديل قانون الأحوال الشخصية وغيرها، لتمرير مشروع آخر في الخفاء كما هو الحال دائمًا".
وأوضح، أن "البرلمان استغل هذه الضجة التي اختلقها للتصويت على زيادة رواتب اعضائه بشكل سري ودون إعلان، في تحدٍ واضح لإرادة الشعب والرأي العام الذي كان ولا يزال يطالب بإلغاء امتيازات النواب أو تخفيضها على أقل تقدير".
واعتبر، أن هذا التصرف "يعد مؤشرًا سلبيًا آخر يضاف إلى سجل هذه الدورة البرلمانية التي أخفقت في أداء مهامها وواجباتها".
وأشار إلى أن "هذه التوجهات، في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها المواطنون، قد تؤدي إلى تفجر احتجاجات شعبية ضاغطة"، موضحًا أن "الأزمات التي أدت إلى اندلاع احتجاجات تشرين 2019 لا تزال قائمة، بل تفاقمت بشكل أكبر وتوسعت. وقد وصل المواطنون إلى مرحلة قد لا يطيقون الصبر أكثر من ذلك، نتيجة الضغط الاقتصادي وتراكمات فشل المنظومة السياسية في معالجة مشاكل الناس".
واختتم الحساني حديثه بالتأكيد على أن "هذه التراكمات المتزايدة تحولت الى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت في وجه قوى المحاصصة والفساد ".