اخر الاخبار

في ندوة جماهيرية عقدت في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن يوم 4 آب 2024، وحضرها جمهور واسع من بينهم ممثلون عن أحزاب ومنظمات يسارية وتقدمية عربية، وشخصيات إسلامية عراقية، وحقوقيون واقتصاديون وكتاب ومثقفون وأعضاء السلك الدبلوماسي في السفارة العراقية في الدنمارك، إضافة الى رفيقات ورفاق الحزب وأصدقائه. ادار الندوة  الرفيق علي حسين.

وتناول الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعى العراقي  موضوعات من الشؤون السياسية المحلية والعربية والدولية .

ازمة البلاد بنيوية شاملة

وجاء في حديثه: أن من مظاهر الأزمة البنيوية العامة في البلد غياب الرؤية الموحدة للدولة، والصراع حول الحصص السياسية والتجاوز على المال العام وتوزيع المشاريع الحكومية على القوى الرئيسية المتنفذة والشركات المعبرة عنها والعائدة لهامع وجود المكاتب الاقتصادية التابعة لاحزاب ماسكة بالسلطة ومتنفذة . وبما ان السلطة تعني المال عند المتنفذين فإن الوصول الى السلطة  أوجد الصراع بين الكتل، وكذلك داخل هذه الكتل، وفي ظل هذه البنية لا يمكن استئصال الفساد الذي له امتدادات وجذور سياسية. وصارت هناك منظومات هي صاحبة القرار الفعلي إلى حد كبير في توزيع المشاريع، حيث وصل الأمر إلى أن نسبة غير قليلة من المناصب العليا في المؤسستين السياسية والعسكرية تباع وتشترى، والفساد تمأسس اليوم وهناك أرضية لإعادة انتاجه.  إن تنفيذ أي برنامج حكومي يمرر وفق مصالح  وتوافقات محاطة بالفساد، والمشاريع لا تمنح بناء على معايير موضوعية بعيدة عن الفساد، والموازنة الأخيرة تضمنت تقديرات مبالغ فيها، ولأجل امتصاص احتجاجات شرائح اجتماعية منها بسبب البطالة، جرى اللجوء إلى إجراء التعيينات والتضخم فيها وهو قرار سياسي وليس اقتصاديا لاحتواء هذه الاحتجاجات.

انتهاك حقوق الأجيال القادمة

إن في بنية العمالة العراقية اليوم 40 بالمائة من القطاع غير المنظم الذين يمتهنون مهنا بسيطة وهم جزء من مجاميع الاحتجاجات، وهناك أربعة ملايين موظف رواتبهم تمثل 80 في المائة من ميزانية الدولة  التشغيلية، وعوائد النفط الذي هو ثروة ناضبة وأصل اقتصادي، وعندما يتحول من باطن الأرض إلى فوق الأرض يتحول أيضا إلى أصل اقتصادي، وتذهب وارداته في معظمها إلى الموازنة التشغيلية وتنفق لأغراض استهلاكية، وهذا يعني انتهاء حقوق الأجيال القادمة لكون النفط موردا ناضبا للأجيال القادمة حقوق فيه حيث يجري التصرف بها بتخصيص الإيرادات النفطية كليا للأنفاق التشغيلي الاستهلاكي من دون الاستثماري ولذلك تلجأ الحكومة إلى الاستدانة، فارتفعت المديونية وفوائدها إلى أرقام غير مسبوقة  لتبلغ حوالي 63 ترليون دينار أي ما يعادل 33 في المائة  من الموازنة، و هذا الرقم غير الاعتيادي جرى تقليصه بأسلوب غير علمي حيث تم في عام 2024 احتساب سعر البرميل 80 دولارا للبرميل الواحد في الموازنة، وهذا تقليص وهمي، وهو إجراء خطير ارتباطا بتذبذب أسعار النفط، اذن هناك استهانة بالاستدانة عن طريق البنك المركزي بصورة ملتوية والبنية السياسية انعكست على البنية الاقتصادية.

مليارات الدولارات تهرب الى الخارج

إن الذي حدث خلال السنوات الماضية هو أن ممثلي الكتل الذين تمتعوا بامتيازات مباشرة وغير مباشرة صارت لهم مصالح متميزة، وبما ان الدولة بنيويا غير فاعلة، فأن الموازنات الاستثمارية لا تنفذ إلا بنسبة قليلة، والجزء المنفذ في الغالب يتم عبر شركات وهمية، ولذلك تفاقمت مشكلة الخدمات ومنها الكهرباء، وعند الاستفسار عن مصير أموال البلد وفق الاعترافات الرسمية فأن الفساد ابتلع من 300 إلى 400 مليار دولار على مدى سنوات، أين ذهبت هذه الأموال؟ يمكن القول إن هذه الأموال تهرب للخارج وادخارها يتم خارج العراق، ولذلك صار راس المال العراقي المستثمر الأول في قطاع العقارات الأردني، والمستثمر الأول أو الثاني بقطاع العقار التركي، وكذا الحال في الإمارات ناهيك عن أوربا.

تعشيق مصالح  أصحاب المال والسلطة والسلاح والاعلام  

وبعد القيود المعروفة عادت بعض الأموال للعراق وذهبت للقطاع العقاري الذي ارتفعت فيه الأسعار. وإلى المراكز التجارية (المولات)التي تكاثرت بشكل لافت، وتبنى حاليا مراكز تجارية هي الأضخم في الشرق الأوسط. هذه الأموال أنشأت شريحة اجتماعية أثرت ثراءً فاحشا، ونشأ توافق بين أصحاب المال  السلطة  والسلاح  والبنوك والإعلام، ثم نشأت هوة بين هذه الاطراف وبين من يفترض أن يمثلون، وهم الأغلبية الساحقة، ومعروف أن أكثر المناطق التي تعاني من الصعوبات هي مناطق الوسط والجنوب فمثلا نسبة الفقر في المثنى 54 في المائة  وهذا يشير إلى فجوة فيما بين التمثيل والقاعدة.

 المسار السياسي للبلد بالغ الخطورة

البلد حاليا يعاني من ضعف التمثيل السياسي وترجمتها تتمثل في نسبة العزوف الهائلة عن المشاركة في الانتخابات التي تتجاوز الثمانين في المئة، وتم فقدان الثقة بالبُنية السياسية أي بالسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وفقد الأمل بأن هذه البنية قابلة للتغيير في صناديق الاقتراع  بسبب تدخل المال السياسي واستخدام النفوذ العسكري في العملية الانتخابية، والعملية الانتخابية تعيد انتاج السلطة بشخوص مختلفين، وهذا يهدد الديمقراطية لأن المؤسسات الديمقراطية تفشل في أن تكون وسيلة للتغيير. وهذا المسار بالغ الخطورة، ففي غياب العدالة الاجتماعية لن يكون هناك استقرار سياسي، ونظام المحاصصة لا يحقق الاستقرار السياسي. سيادة الدولة لا يمكن المحافظة عليها في ظل نظام مكونات  وقوى تعتمد الطائفية السياسية وتارة تحتمي أو تتكئ على إسناد خارجي، فعندما نريد معالجة المشاكل الحالية علينا مغادرة الدولة المتشظية والاقتراب من دولة المواطنة، لأن الهوية الوطنية تراجعت كثيرا. ومما يثير المزيد من القلق في الأشهر والأسابيع الأخيرة، جرت عدة أمور تؤجج الهويات الطائفية والصراع الطائفي.  وفي هذا السياق يندرج مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 حيث يأتي هذا المقترح ضمن مسلسل المحاولات منذ عام 2003 من قبل قوى وأحزاب الطائفية السياسية التي استهدفت هذا القانون الذي يعتبر من انضج قوانين الأحوال الشخصية في المنطقة ويتم تطبيقه منذ أكثر من ستة عقود من دون مشاكل ذات شأن  تذكر. وليس من المصادفة أن تأتي هذه المحاولة بعد قيام مجلس النواب بإلغاء يوم 14 تموز كعطلة رسمية لطمس دور ومكانة والمحتوى التقدمي لثورة 14 تموز 1958. وبهذا المعنى يشكل التعديل المقترح ارتدادا عن البعد والمضمون الوطني والمدني للدولة، ومسعى لتكريس الانقسامات المجتمعية على أسس هوياتية دينية وطائفية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. مقترح التعديل يتعارض مع المادة 2 أولا (ب) التي تنص على عدم جواز  سن قانون  يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، والمادة 14  التي تنص على أن العراقيين متساوون أمام القانون والمادة 29 أولا  (ب) التي تنص على أن الدولة تكفل حماية الأمومة  والطفولة. كما أنه سيؤدي إلى انشاء 21 مدونة لوجود 21 طائفة في العراق و21 محكمة شرعية متخصصة ويسمح لعقد الزواج خارج المحكمة وما ينطوي عليه من مخاطر على حقوق المرأة في الإرث والنفقة والحضانة.

فلمصلحة من هذا الصراع ولماذا الآن؟ في الوقت الذي تواجه البلد والمنطقة تحديات خارجية، نجد اليوم بُعد الدولة المدني مهددا، والعملية السياسية أخذت تخوض صراعين؛ صراعا داخليا وصراعا خارجيا. الخارجي المعادي للعملية السياسية، والداخلي حول وجهة العملية السياسية . فهل يذهب البلد  نحو جهة تعزيز البناء الديمقراطي، نحو دولة مستوفية للشروط الديمقراطية، دولة تبنى وفق ما منصوص عليها في الدستور؟

من اجل التغيير الشامل

نحن نسعى للتغيير الشامل الذي لا يقوم بين ليلة وضحاها انما هو تغيير يسعى لتحقيق البعد المدني والديمقراطي للدولة وتعزيز الهوية الوطنية، وتشجيع القطاعات المنتجة على حساب القطاعات الريعية، والتغيير الشامل هو مهمة الشعب العراقي وليس مهمة حزب واحد أو مجموعة أحزاب، هو مهمة الأغلبية الساحقة المتضررة .

صمود بطولي للشعب الفلسطيني

وتطرق الرفيق فهمي الى  موقف الحزب من تطورات القضية الفلسطينية، مؤكدا أن ما تشهده الساحة الفلسطينية هو حرب إبادة بكل معنى الكلمة بدعم من الولايات المتحدة والغرب عموما، وهناك صمود بطولي وأسطوري للشعب الفلسطيني، نحن نتضامن بقوة مع الشعب الفلسطيني، وعلى الشعوب العربية أن تضغط على حكوماتها من أجل المزيد من الدعم للشعب الفلسطيني، وعلى العراق ان يستغل علاقاته الاقتصادية للضغط ولكسب مزيد من التضامن مع الشعب الفلسطيني.

عرض مقالات: