اخر الاخبار

يسجل العراق تصاعدا ملحوظا في أعداد العمال الأجانب الوافدين، في الوقت الذي تتزايد فيه نسب البطالة بين أوساط الشباب والخريجين الذين يفترشون الأرض بحثا عن فرص العمل. وترتبط عملية استقطاب العمالة الاجنبية بأسباب عديدة، لكنها في المجمل تظهر عمليات استغلال واسعة واجورا ضئيلة وظروفا قاسية لأكثر من مليون عامل أجنبي.

ويدعو مختصون للتأكيد على أهمية تنظيم هذا الجانب، وفرض سياقات سليمة للحد من الاستغلال واستقطاب العمالة المطلوبة فعليا في السوق المحلية.

لا توجد أرقام رسمية دقيقة

وتزايدت العمالة الأجنبية في السنوات الأخيرة داخل العراق، مسجلة أرقاما كبيرة لكن القسم الأعظم منها خارج اطار الاجازات والتراخيص الرسمية، ما يجعل من عملية الاستغلال سهلة جدا بالنسبة لأصحاب العمل.

ووفقا لأرقام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، يعمل في العراق حوالي مليون عامل أجنبي، لكن المسجلين منهم بأوراق رسمية يقدر عددهم بحوالي 71 ألف عامل فقط، يحولون أموالا إلى خارج البلاد بقيمة تقدر بحوالي 600 مليون دولار سنويا.

ويمارس العمال الأجانب في العراق مهناً متنوعة، فيما يرغب أصحاب المشاريع الخاصة في توظيفهم نظراً لاستعدادهم للعمل لساعات طويلة جدا مقابل أجور زهيدة. ويضطر بعض العمال الأجانب إلى المبيت في مكان العمل لتوفير تكلفة السكن، إضافة إلى ظروف أخرى صعبة ومرهقة تخلو من التعامل الإنساني أو الحفاظ على حقوق العمال بالشكل السليم.

وبحسب خبراء ومختصين، فإن أبرز المشاكل التي تواجه تنظيم العمالة الأجنبية وحمايتها تتعلق بعدم وجود بيانات رسمية ضمن هذا الميدان، إضافة إلى أن الجهات الحكومية لا تقوم بدورها المطلوب في تنظيم سوق العمل، ما يجعلها تخفق بالحفاظ على حقوق العمال.

ويرى أستاذ الاقتصاد الدكتور علي تويج، أن «السوق المحلية بحاجة إلى الأيدي العاملة الماهرة. بينما نرى أن أغلب العمال والعاملات الأجانب هم من غير الماهرين، وعملية استقطابهم لا تنسجم من الحاجة الفعلية للسوق»، لافتا إلى أن أغلب هؤلاء العمال «يدخلون العراق بتأشيرات للزيارات الدينية، ويبقون بعدها في البلاد، كما أن آخرين كثيرين يدخلون بدون تأشيرات عن طريق التهريب».

ويبيّن تويج لـ»طريق الشعب»، أن «غياب التخطيط والانفتاح الفوضوي لاستقطاب العمالة الأجنبية والمنافع التي تأتي من خلالها لأطراف داخلية، أضرت بالقوى العاملة المحلية أيضا، وانعكست على الاقتصاد والجوانب الاجتماعية والأمنية، ما يستدعي اتباع خطط وسياسات لتنظيم العمالة الأجنبية وتحويلها إلى سلوك طبيعي ضمن سوق العمل وليس كما يجري حاليا»، مشيرا إلى أن «وزارة العمل تتحمل جزءا كبيرا من هذه الفوضى كون أصحاب المكاتب التي تستقطب هؤلاء العاملين يدعون امتلاكهم تراخيص رسمية، الأمر الذي لا يجد حلولا ملموسة بين هذه الوزارة والجهات الأمنية التي تعمل على الحد من الظاهرة».

ويوضح تويج لـ»طريق الشعب»، أن التقديرات تشير إلى وجود حوالي «مليون عامل أجنبي غير مسجل رسميا باستثناء نسبة 10 في المائة فقط مع الاخذ بنظر الاعتبار عدم وجود ارقام رسمية دقيقة تخص هذا الجانب، الأمر الذي يوضح مدى عشوائية وفوضوية إدارة ملف العمل».

وأعلنت مؤخرا وزارة العمل عن قرب إطلاق حملة كبرى لتنظيم العمالة الأجنبية في بغداد والمحافظات، فيما حددت شروطاً وآليات جديدة للاستقدام، لكن تويج يرى بأنها «لا تتعدى مجرد تصريحات لأن هذا الملف بحاجة الى قرار حاسم وإرادة حقيقية وتنظيم سليم يضمن حقوق هؤلاء العمال الأجانب ويفسح المجال أيضا أمام الأيدي العاملة المحلية التي تبحث عن فرصها في السوق».

 ظروف ملائمة للاستغلال

ويعتبر المواطن علي رأفت (صاحب مشروع خاص) أن التعامل مع الأيدي العاملة الأجنبية له أوجه عديدة ولكن يمثل تحديا حقيقيا، كون «الكثير من العمال يأتون من بلدان فقيرة ويقبلون بكل أنواع العمل بغض النظر عن الظروف القاسية».

ويقول رأفت لـ»طريق الشعب»، إنّ «العمال الأجانب الذين يدخلون بشكل غير رسمي (وهم الأغلب)، لا يستطيعون الشكوى ضد ظروف القهر والاضطهاد بسبب عدم امتلاكهم تراخيص العمل وحاجتهم إلى المال، لذلك نراهم يعملون بأجور زهيدة وأوقات طويلة جدا، ويتحملون مهاماً شاقة».

ويشير المتحدث إلى أن «الكثير من أصحاب العمل يحترمون العمال، لكن عددا غير قليل أيضا يستغل حالة العوز لهؤلاء العمال. وبما أن الإجراءات القانونية تغيب عن تنظيم هذا الجانب، فإن الاستغلال يبقى احتمالا واردا جدا في جميع الأماكن».

واستطلعت «طريق الشعب» ظروف عدد من العمال الأجانب الذين يخشون التحدث بصراحة عن أحوالهم، لكنها رصدت أن الكثير منهم يعملون لحوالي 10 و12 ساعة أو أكثر في بعض الأماكن وأن اجورهم شحيحة جدا، ويواجهون استغلال حقيقي.

وتقول وزارة التخطيط، أن أرقام البطالة في العراق تبلغ أكثر مما أظهره تقرير موقع World of Statistics المعني بالاحصائيات الاقتصادية للدول. وقبل أقل من عام، أظهر هذا الموقع بأن العراق بات كثالث أعلى معدل بطالة على مستوى العالم وأعلى معدل في العالم العربي، حيث بلغ 15.55 في المائة لكن الوزارة أشارت إلى أن آخر احصائية للبطالة كانت في عام 2022 وبلغت 16.5 في المائة والعراق.

 «نقابات العمال» يؤشر الخلل

من جانبه، يراقب اتحاد نقابات العمال هذه الظاهرة ويطالب الجهات المعنية بتعزيز الحماية للعمالة المحلية وعدم استغلال الأجنبية في الوقت ذاته.

ويرى الاتحاد، أن العراق يشهد ازدياداً ملحوظاً في أعداد العمالة الأجنبية الوافدة من الخارج، ما جعله في قائمة الدول الجاذبة لها، بينما تُعاني البلاد في الوقت نفسه من ارتفاع معدلات البطالة بين أوساط الشباب، خاصةً بين الخريجين.

ويؤكد الاتحاد تضامنه مع العمالة الأجنبية في البلاد والتي تُواجه أسوأ أنواع ظروف العمل، بسبب الدخول غير الرسمي لعدد كبيرٍ منهم، مبينا أن قانون العمل العراقي ينظم عمل العمالة الأجنبية، ويُتيح لهم الحقّ بالشمول بالضمان الاجتماعي وبأجرٍ أدنى.

وبحسب الاتحاد، فإن الغاية من تواجد العمالة الأجنبية في البلاد هي اكتساب الخبرات. ولكنّ فوضى دخول العمالة الأجنبية أدّت إلى نتائج سلبية على العمالة المحلية، ما أدّى إلى تفاقم التنافس على فرص العمل. كما أنّ بعض مؤسسات البناء تُعامل العمال الأجانب بشكلٍ غير عادل، حيث تُجبرهم على العمل لساعاتٍ طويلة مقابل أجورٍ زهيدةٍ، دون شمولهم بالضمان الاجتماعي.

من جانبه، يقول ناصر عبد الجبار رئيس نقابة البناء والاخشاب في الاتحاد العام لنقابات العمال، أن الاتحادات ليست ضد العمالة الاجنبية، انما تقف ضد عمليات الاستغلال ولكنها مع عملية التنظيم والحصول على تراخيص رسمية.

ويوضح عبد الجبار خلال حديثه مع «طريق الشعب»، أن «هؤلاء العمال الأجانب أصبحوا مفضلين لدى الكثير من أصحاب العمل بسبب قلة أجورهم والفترات الطويلة التي يقضونها بالدوام الرسمي»، مبينا «أنهم يدخلون إلى البلاد كسائحين أو زائرين للأصدقاء، والقسم الاكبر منهم ضمن جوانب السياحة الدينية».

ويعتبر رئيس النقابة أن «هذا الأمر أضر كثيرا بحقوق العمال الأجانب وبالعمال العراقيين الذين يسعون الى كسب رزقهم اليومي المحدود أمام جيوش كبيرة من العمالة غير المرخصة».

ويشير المتحدث إلى أن ترشيد هذه الظاهرة وفرض القانون بشكل سليم «سيجعل من العراق بيئة لائقة للعمال الأجانب، وعند استقدام الحاجة الفعلية للأيدي الماهرة، سنرى أن اعدادا هائلة من العاطلين عن العمل في العراق يلتحقون بالسوق المحلية من أوسع أبوابه».

عرض مقالات: