أثار حجم الإنفاق الذي تضمنته موازنة 2021، حفيظة الكثير من الخبراء الاقتصاديين الذين اعتبروه “مبالغا فيه”، وكذلك ينافي التوجه “التقشفي والاصلاحي” الذي أكدته الحكومة، عندما قدمت مسودتها إلى مجلس النواب، لغرض مناقشتها وتقنينها، خلال الأيام القادمة.

ووفقا لمسودة الموازنة التي اطلعت عليها “طريق الشعب”، فإن تقدير الايرادات يبلغ حوالي 93 تريليون دينار، بينما بلغت النفقات حوالي 164 ترليون دينار. وبذلك تكون نسبة العجز المخطط بقيمة 71 تريليونا، الامر الذي عدّه مختصون بأنه يتناقض مع الأزمتين المالية والاقتصادية، اللتين تواجهان البلد، داعين الى “الترشيد الحقيقي، وضغط النفقات بما يلائم الوضع الراهن للبلاد”.

نفقات تعادل موازنات دول

ووفقا للخبير الاقتصادي حازم هادي، فإن التخطيط المالي لموازنة 2021 “غير سليم”، معللا ذلك بان “ارتفاع حجم النفقات فيها يقارب موازنات أربع أو خمس دول عربية”.

وقال هادي خلال حديثه لـ”طريق الشعب”، إن الارتفاع الهائل في نفقات الموازنة التي قدمتها الحكومة “يعني ارتفاعا جديدا للعجز وتأثيرا سلبيا يفترض ان يعالج، خصوصا وأن عام 2020 شهد انخفاضا بالناتج المحلي الاجمالي يقدر بحوالي 11 في المائة، وعجزا تولد عن هذا الناتج وصل تقريبا الى 30 في المائة، لترتفع معدلات البطالة الى حوالي ثلث القادرين على العمل، مع وصول نسب الفقر الى 42 في المائة”.

وأِشار هادي الى كل هذه “المؤشرات الخطيرة لم تنظر لها الموازنة الحالية”.

وزاد الخبير “لو فحصنا النفقات، سنجد مثلا أن وزارات الدفاع والداخلية والكهرباء تستحوذ على نسبة كبيرة من حجم الانفاق، في حين لا تحظى وزارات التربية والتعليم والصحة بالأهمية، لذلك كان يفترض على المخطط المالي أن يقوم بالترشيد الحقيقي للنفقات، وضغطها بطريقة تتلاءم مع الوضع الحالي”.

وبيّن أن “الموازنة لا توفر فرصا جديدة للعمل، لأن القطاع العام امتلأ بالموظفين، بينما القطاع الخاص الذي يفترض ان يمتص جزءا من البطالة، لم تعِر له الموازنة أية أهمية”.

وبحسب وجهات نظر، فان الاعتماد على الواردات النفطية في تغذية الانفاق العام، يعد مشكلة حقيقية تديم الازمتين الاقتصادية والمالية. لذلك يرى الخبير الاقتصادي، حيدر عبد الله، إن بقاء العراق معتمداً على النفط “سيؤدي به الى المجهول”.

وأكد عبد الله في تصريح صحفي، إن النمو السكاني “يبلغ سنويا نحو 3 في المائة، وهناك احصائيات تؤكد ان عدد نفوس العراق سيبلغ 60 مليون نسمة خلال العام 2030. وبما إن الموازنة ستشهد ضرائب وتخفيضات ومساسا برواتب المتقاعدين والموظفين، من خلال اجراءات عدة، فان حركة عجلة الاقتصاد ستتعرقل بشكل مؤكد”.

ويجد عبد الله، ان “العراق ارتكب كارثة بحق نفسه في ظل بقائه معتمداً على النفط في اطعام سكانه وتوزيع رواتب موظفيه، دون إيجاد اي مصدر آخر”. من جانبه، عدّ الخبير الاقتصادي، عماد تويج، النفقات التي أوردتها الموازنة “عالية ولا مبرر لها”.

وأكد تويج لـ”طريق الشعب”، إن نسبة الاستثمار بالموازنة “ضئيلة، ولن توفر فرصا للعمل تعالج أزمة البطالة المستفحلة”، لافتا الى أن “الموازنة غير رشيدة وتعادل تخصيص عامين كاملين، وهي بذلك تجيب سلبا على الدعوات التي تطالب بضغط النفقات”.

الأعلى منذ 2003

ورأى عضو اللجنة المالية في مجلس النواب، عبد الهادي السعداوي، أن الموازنة الحالية ليست “تقشفية”، انما هي الأعلى منذ 2003، واصفاً اياها بـ”الانفجارية”.

وقال السعداوي في تصريح صحافي، إن “الحكومة تعهدت بان تكون الموازنة تقشفية، لكن تبين انها انفجارية، وهي الاعلى بعد 2003”.

وأضاف “لم نر في بنود الموازنة اي ضغط للنفقات، بل ذهبت الحكومة الى رفع سقف الموازنة العامة”.

وفي السياق، قال عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب، مازن عبد المنعم، إن موازنة 2021 “ترفيهية والنفقات فيها مرتفعة جداً، حيث تتضمن أكثر من 19 ترليون دينار مخصصات سلع وخدمات، وصيانة موجودات 578 مليار دينار، بالإضافة الى نفقات اخرى هائلة”.

تبذير كبير

وعلى صعيد ذي صلة، كشف استاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، نبيل المرسومي، ارقام النفقات لبعض الجوانب المهمة في الموازنة، مبينا انها “مبذرة بشكل كبير”.

وذكر المرسومي على صفحته في موقع “فيسبوك”، إن بعض النفقات التشغيلية للوزارات والدوائر المختلفة جاءت كالآتي: “المستلزمات الخدمية 2.881 ترليون دينار، المستلزمات السلعية 16.708 ترليون دينار، صيانة الموجودات 577 مليار دينار، البرامج الخاصة 967 مليار دينار. ليصل المجموع الى 21.113 ترليون دينار، وهو يعادل 14.574 مليار دولار، حيث إن هذا المبلغ اكبر من موازنة الأردن واكبر من ضعف موازنة سوريا، ولو تم اختزال الرقم الى ثلاثة ترليونات دينار فإن المبلغ المتبقي يعادل ثلاثة اضعاف المبلغ الذي ستحصل عليه وزارة المالية من تخفيض سعر صرف الدينار”.

وتابع الخبير، ان “حصة الانفاق العسكري في الموازنة، تفوق حصة الانفاق الاجتماعي بنسبة 344 في المائة. علما إن الاهتمام بالإنفاق العسكري على الرغم من أهميته في توفير الامن والاستقرار يؤثر سلبا في طبيعة الإنفاق الاجتماعي وتطوره المتمثل بالإنفاق التعليمي والصحي اللذين يعدان من ضرورات الحياة”.

يُذكر أن المتحدث باسم مجلس الوزراء، وزير الثقافة حسن ناظم، أكد أن “الموازنة بُنيت على رؤية إصلاحية قدمتها وزارة المالية، وستعمل على تنشيط القطاع الخاص”.

عرض مقالات: