اخر الاخبار

ما زالت ذاكرة العراقيين تحتفظ بما حدث خلال انتفاضة تشرين 2019 وما تبعها من عمليات اغتيال واختطاف وتعنيف كلّ من تعتقد الجهات المتنفذة أنه يمثل خطرًا على وجودها، وها هي اليوم تستخدم العنف نفسه ضد المحتجين المطالبين بالحقوق المشروعة في مختلف المحافظات.

وكان قمع المحتجين من أصحاب الشهادات العليا أمام مكتب رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي في منطقة العلاوي، من قبل قوات الامن، شكّل الشرارة الاولى لاندلاع انتفاضة تشرين في العام 2019.

وواجهت القوات الأمنية المنتفضين بعنف شديد، وجرى استهداف المتظاهرين بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، حيث بلغ عدد القتلى من المتظاهرين حوالي 740 شخصاً منذ بدء التظاهرات، فيما أُصيب أكثر من 17 ألف بجروح، من بينهم 3 آلاف إعاقة جسدية، فضلاً على اعتقال العديد من المحتجين، ولغاية الان لم تعلن نتائج التحقيق بشأنها رغم اللجان التحقيقية المشكلة من قبل الحكومة.

وكان المئات من أصحاب العقود في شركة نفط ذي قار، تظاهروا، خلال اليومين الماضيين، مطالبين بتثبيتهم على الملاك الدائم بعد إكمالهم المدة القانونية للعمل كعقود والبالغة سنتين.

وبعد إقدام المحتجين على إغلاق بوابة الشركة، هاجمت القوات الأمنية مدعومة بعناصر حماية الشركة، المحتجين بشكل غير مبرر، مخلفة إصابات جسيمة في صفوف المحتجين. ولم تسلم النساء من ذلك فقد تم الاعتداء عليهن بوحشية.

وبدل الاعتراف بالخطأ، سارعت وزارة الداخلية إلى نفي صحة ما تم تداوله من صور وفيديوهات لإصابات «شديدة» بين المتظاهرين من أصحاب عقود شركة نفط ذي قار.

وذكر بيان للوزارة، «انتشرت صور ومقاطع مصورة يظهر فيها تعرض بعض الأشخاص إلى إصابات وجروح شديدة نسبت إلى قوات مكافحة الشغب التي قامت بواجبها في حماية منشآت شركة نفط ذي قار».

وأشارت إلى أنها تحث الجهات المختلفة والمواطنين على تحري الدقة وترويج الحقائق والابتعاد عن التلفيق، ونشر صور لا تمت إلى واقع ما حصل في مدخل شركة نفط ذي قار، من صلة».

وأكدت عزمها «القيام بواجباتها الدستورية والقانونية بحماية المنشآت العامة والخاصة، ومنع التعديات من أي جهة كانت».

وعبّرت عن حرصها على «حماية حق المواطنين بالتجمع والتعبير عن الرأي والمطالب في إطار سلمي ومشروع»، لافتة إلى أنه «قد لوحظ أن هناك مساعي تبذلها جهات لنشر الفوضى وإشاعة العنف لأهداف سياسية وأجندات مشبوهة».

وأظهرت مقاطع فيديو وصور متداولة على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، تعرض المتظاهرين من معتصمي عقود الشركة المطالبين بالتثبيت على الملاك الدائم، إلى اعتداءات من قبل القوات الأمنية خلال محاولة تفريقهم.

وبحسب المواد المصورة، أصيب عدد من المتظاهرين بكدمات في الرأس ومناطق أخرى تسببت بنزف الدم، وكان بين المصابين فتاة واحدة على الأقل.

وكانت قوات مكافحة الشغب، قد اعتدت بشكل قاس على المتظاهرين المطالبين بالتثبيت على الملاك الدائم، حسب ما أكد شهود عيان، ما تسبب بمناوشات بالحجارة بين المتظاهرين وعناصر مكافحة الشغب.

من جهتها، أكدت لجنة الأمن والدفاع النيابية، بأنها ستقوم بتشكيل لجنة تحقيقية لمحاسبة المقصرين في ما يخص أحداث تظاهرات أصحاب عقود شركة النفط.

وقال رئيس اللجنة كريم عليوي المحمداوي في بيان: إنّ «ما شاهدناه اليوم من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي يدمي القلب»، مضيفا أن «ما حصل في محافظة ذي قار أمر غير مقبول وبدورنا كلجنة أمن ودفاع سنقوم بتشكيل لجنة تحقيقية للوقوف على ملابسات الحادث».

ولفت إلى أن «ما حدث مرفوض جملة وتفصيلا لأن وجودنا هنا لخدمة المواطن وواجبنا الشرعي والأخلاقي يضعنا أمام تحقيق الحق والدفاع عن المواطن لأن الشعب هو مصدر السلطات».

تحالف قيم يستهجن الاعتداء

واستهجن تحالف قيم المدني قيام السلطات الأمنية بقمع المتظاهرين في البلاد، عادين ذلك «انتهاكاً صارخاً وواضحاً للدستور».

وقال التحالف في بيان له: ان «المتظاهرين السلميين من أصحاب عقود التربية 2020 وعقود النفط في بغداد وذي قار وعدد آخر من المحافظات تعرضوا إلى قمع وحشي غير مبرر، في انتهاك صارخ وواضح للدستور، والمعاهدات والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان».

وأضاف البيان، أن «هذه الممارسات القمعية المدانة تمثل انتهاكاً لحرية التعبير والرأي المكفولة دستورياً خصوصاً وإن أبناء شعبنا يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة، يرافقها سوء الإدارة والتخطيط».

تحالف قيم المدني، أشار الى أن «مثل هذه الإجراءات لا تسهم في تحقيق الاستقرار المنشود، ونسجل في تحالف قيم المدني رفضنا لاستخدام القوة المفرطة، ونطالب الحكومة بإجراءات عاجلة للتحقيق ومحاسبة المقصرين».

وعبّر المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي العراقي عن أسفه العميق لاستخدام العنف والقوة المفرطة من قبل القوات الأمنية في تظاهرات عقود ذي قار، مطالبا بالتحقيق العادل والمنصف فيما جرى.

وشدد التيار في بيان على «محاسبة المقصرين وضمان تقديمهم للعدالة والكشف عن أية انتهاكات لحقوق الإنسان وتجاوزات في استخدام القوة»، مؤكدا على «أهمية احترام حق المواطنين في التظاهر السلمي والتعبير عن آرائهم بحرية».

وشدد على ضرورة أن تكون القوات الأمنية حامية للمواطنين وليست مهددة لهم.

من جانبه، قال مدير قسم العلاقات والإعلام في المفوضية العليا لحقوق الإنسان سرمد البدري: إن “المفوضية راقبت اعتصامات عقود وزارة النفط، والأحداث التي جرت، وأفضت إلى سقوط عدد من الضحايا والإصابات بين المدنيين والعسكريين”.

وأضاف قائلاً لـ”طريق الشعب”: إن “هذا الحدث مؤسف وغير مقبول، ولا سيما أن المفوضية دائماً ما تعمل في مجال التوعية والنشر بحماية حق التظاهر والمتظاهرين، باعتباره حقاً مكفولاً وفق المادة 38 من الدستور العراقي”.

وأكد أن “مكتب المفوضية في محافظة ذي قار، يتابع هذه الإجراءات وأجرى زيارات رصدية لذوي الضحايا إضافة إلى الجهات الأمنية ومقرات القيادة، بغية إيجاد صورة حل”، مبيناً أن “تقرير المكتب حول الأحداث في طور الإعداد وسيستغرق يومين ليكتمل”.

ودعا المتحدث كلّ من يتعرض للانتهاكات إلى تقديم شكاوى في مكاتب المفوضية سواء في مكتب بغداد أم محافظة ذي قار، لتحيل المفوضية هذه الشكاوى إلى الادعاء العام، حسب المادة 5 من قانون المفوضية.

احتجاجات تشرين.. شاهد

وفي السياق، أكد رئيس منظمة مدافعون لحقوق الإنسان الدولية، الدكتور علي البياتي، أن “التظاهر السلمي هو الأداة الوحيدة لإحداث التغيير في بلد مثل العراق، في ظل نظام ديمقراطي حديث ومؤسسات لا تزال غير متكاملة”، معتبرا أن “قمع هذه التجمعات يدل على وجود إرادة سياسية لا تريد لهذا النظام الديمقراطي أن يتطور. ولا تريد للإصلاح أن يحدث”.

وأشار البياتي إلى أن “الدول الديمقراطية قامت على الإصلاح وحرية التعبير والتظاهر والتجمع وتشكيل الجمعيات، بينما تحكم أنظمتنا أدوات قمعية لا تدرك معنى حقوق الإنسان ومعنى التظاهر، ولا تدرك مدى حرية المواطن وصلاحية رجل الأمن”.

ونوه بأن “احتجاجات تشرين ليست ببعيدة، وأن أكثر من 600 متظاهر استشهدوا، وأن الجاني والمتجاوز الذي يقمع التظاهرات لم يتعرض للعقاب أو المساءلة حتى الآن”، مشددا على أن “الإفلات من العقاب هو جزء أساسي من استمرار هذه العملية. وطالما احتياجات المواطن لا تزال قائمة في وقت لم يحدث فيه أي تغيير حقيقي جذري، سيستمر التظاهر”.

هل كانت هناك موافقة ضمنية حكومية على العنف؟

وقال المحلل السياسي والأكاديمي مناف الموسوي: إن “استخدام القوة المفرطة بحق متظاهرين هو إشارة واضحة على أن هذه الحكومة لا ترغب في أن تعلو الأصوات المطالبة بالحقوق”. وأضاف الموسوي في حديث مع “طريق الشعب”، أنّ “ما جرى من قمع ممنهج وعنف مفرط هو محاولة للترهيب وتخويف المواطنين، لكي لا يمارسوا هذا الحق القانوني والدستوري”، مؤشرا “غياب أي ردة فعل تجاه هذا القمع، وغياب الرقابة للمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، ما يشجع ويغذي ويسمح بهذا التمادي والتطاول من قبل القوات الأمنية، متناسين أن الاحتجاج هو حق مكفول قانونياً ودستورياً”.وابدى المتحدث استغرابه من “موقف وزارة الداخلية بنفيها استخدام العنف المفرط”، مؤكدا ان “موقف الوزارة كان سيئاً، وعدم تشكيل لجنة تحقيقية من قبل القائد العام للقوات المسلحة، هو إشارة واضحة بأن أي تظاهرة ستواجه بهذا الكم من العنف والقوة”.

وعبّر الموسوي عن قلقه وتخوفه “من أن تكون هذه هي البداية لعملية قمع جديدة نواجهها في حال أردنا أن ننتقد أو نتحدث بواقعية أو أن نطالب بحقوقنا”.

عنف سياسي

أمّا الناشط المدني والقيادي في حركة رفض حامد السيد، فقد دعا الحكومة إلى استيعاب غضب الشعب، واللجوء إلى الحوار بدلاً من العنف.

وقال السيد في حديث لـ”طريق الشعب”، إنّ “الحكومة عليها أن تحافظ على مساحة التفاهم مع الشعب، وأن تستوعب المطالب الاحتجاجية، حتى لو كانت غاضبة وعنيفة، ولا تقابلها بعنف متبادل من قبل الأجهزة الأمنية”. وأضاف السيد، أن “واجب المؤسسة الأمنية ترويض عناصرها على استيعاب غضب الناس وانفعالهم”، مبيناً أن “اللجوء إلى فض التظاهرة بالطريقة التي شاهدناها باستخدام الأسلحة والضرب والركل، كلها رسائل سلبية تؤكد أن المعادلة الحاكمة لا تختلف عن بقية المعادلات”.

وتابع السيد حديثه بالقول: “إننا نعيش مرحلة يبدو فيها أن الانجاز مقابل تكميم الأفواه. المجسرات مقابل صمتكم عن التعبير عن آرائكم. هناك محاولة لتكريس هذا المعنى”.وأشار السيد إلى أن “المعني بالدرجة الأساس فيما حدث هو القائد العام للقوات المسلحة، لأن من ارتكب العنف هو المؤسسة الأمنية، وهنا يجب أن يستخدم صلاحياته، ويستخدم سلطته القانونية، وإيقاف هذه المهزلة التي دائماً ما ترافق عمل ما يسمى مكافحة الشغب، التي تستخدم الشغب والقسوة والعنف والفوضى”.

وعلّق السيد على بيان وزارة الداخلية الذي أعقب الأحداث بالقول: إنه “ليس موقف مؤسسة مسؤولة، هذا موقف سياسي يشبه موقف القوى السياسية المتحكمة بالمعادلة الحاكمة، وحتى التصرف الذي صدر من الأجهزة الأمنية، هو تصرف سياسي وليس تصرف مؤسسة أمنية مسؤولة عن حماية المصالح العامة للمواطنين وحماية المؤسسات أو الأماكن الحكومية”.

وخلص السيد إلى القول إن “ما واجهه شباب الناصرية، هو عنف سياسي وإرادة أقوى من إرادة الشباب المحتج لإسكاتهم، وقد تم استخدام الاستبداد السياسي ضدهم”.

حقوق اساسية

رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق، د. فاضل الغراوي، قال إن “التظاهرات تُعد من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور. وبالتالي، يحق للمواطن ممارسة هذا الحق بشكل سلمي”، مؤكدا أن هناك “التزامات تتعلق بقيام المؤسسات الأمنية بحماية التظاهرات وتسهيل إجراءات ممارسة المواطن لهذا الحق”. وأضاف الغراوي في حديثه لـ”طريق الشعب”، أن هناك “معايير أساسية وضعتها الاتفاقيات والعهود الدولية في هذا الشأن. وقد نصت ومنعت كل هذه المعايير استخدام القوة المفرطة تجاه المتظاهرين واعتبرتها انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان”.

وتابع أن “ما حصل في محافظة ذي قار ـ للأسف الشديد ـ وما حصل في بعض المحافظات، ما زال يؤشر على أن هناك جوانب لا تزال بحاجة إلى زيادة الوعي والتثقيف والتدريب وتقديم الأشخاص أو المؤسسات الامنية المتدربة في التعامل مع التظاهرات، ليكونوا بين المتظاهرين، وخلق علاقة إيجابية بين المتظاهرين والقوات الأمنية، لحماية هذا الحق وكذلك تطبيق هذه المعايير التي تُعتبر نقلة نوعية للديمقراطية المعاصرة في العراق”.

عرض مقالات: