اخر الاخبار

تتوزع هنا وهناك على مساحات شاسعة من البلاد، أعداد كبيرة من المقابر الجماعية التي تضم رفات الالاف من العراقيين الذين ذهبوا ضحية النظام الدكتاتوري المباد وجرائم الارهاب وغيرها.

وتمثل هذه المقابر تذكيرًا مؤلمًا بالعديد من الضحايا الأبرياء الذين فقدوا حياتهم جراء الاعتقال التعسفي، التعذيب، القتل الجماعي، وتحمل أسراراً تنتظر من يكشفها، اذا انه لا يزال هناك الكثير منها لم يتم العثور عليها بعد، بانتظار الصدفة التي تميط اللثام عنها، لتحقيق العدالة لضحايا هذه الجرائم البشعة ولذويهم.

بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) ومكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وثقوا وجود أكثر من 202 موقع للمقابر الجماعية في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين والأنبار في الأجزاء الشمالية والغربية من البلاد. كذلك مقبرة الخسفة او كما يطلق عليها (حفرة الموت) التي لم تفتح بعد، والتي يتوقع أنها تضم نحو 4 آلاف رفات، قتلهم تنظيم داعش الإرهابي.

وتشير تقارير رسمية، إلى أن العدد الأكبر من تلك المقابر هو من حصة محافظة نينوى (95 مقبرة)، تليها محافظات كركوك (37 مقبرة)، وصلاح الدين (36 مقبرة)، والأنبار (24 مقبرة).

تلكؤ وإخفاق

رئيس منظمة مدافعون لحقوق الانسان، د. علي البياتي قال: ان «العراق من أكثر البلدان التي تحوي مقابر جماعية في جرائم الإبادة الجماعية، والتي تدخل ضمن الجرائم الدولية، والتي تستلزم إجراءات دولية تخص العدالة سواء من ناحية فتح هذه المقابر ضمن المعايير الدولية وإنصاف الضحايا وذويهم وجبر الضرر وما الى ذلك».

وتابع قائلا: ان كل ذلك «يحتاج الى إمكانيات وكوادر وخبرات. نعم العراق لديه قانون ومؤسسة الشهداء فيها قسم خاص للمقابر الجماعية، لكن إمكانيات هذه المؤسسة ليست بمستوى حاجة العراق للتعامل مع هذا الملف، علاوة على ان التخصيصات وسرعة الإنجاز بطيئة ولا تتناسب مع الإجراءات التي من الضروري التي ان تكون».

واشر البياتي في حديثه مع «طريق الشعب»، وجود «إخفاق في إتمام هذه المهمة على المستويين المحلي والدولي؛ فعدد المقابر التي تخص جرائم داعش فيها 12ـ 20 ألف ضحية على اقل تقدير، بينما عدد ما تم فتحه وإكمال إجراءاته ضئيل، مقارنة بهذا العدد الكبير».

وعزا في سياق الحديث «جزء من هذا التلكؤ بإخفاق العراق في التعامل مع الجانب الدولي في هذا الملف، فهناك الكثير من اللجان والمنظمات المتخصصة التي تحتاج الى موافقات واتفاقيات وتسهيلات من الجانب الحكومي للعمل، وبحسب اطلاعنا فأن الحكومة لم يبادر لتقديم هذه التعهدات».

حفر عشوائي

وحذر المتحدث من «العبث بالمقابر الجماعية التي يعثر عليها المواطنون صدفة، فنبش المقبرة مخالف للقانون. لذا يجب على المواطن الذي يعثر على مقبرة جماعية، عدم العبث بها وابلاغ الجهات المعنية او مركز الشرطة ليتولى المسؤولية. كما ان الجهات التي تعمل في لجنة كشف المقابر وهي وزارتي الداخلية والصحة ومجلس القضاء الاعلى ومفوضية حقوق الانسان، مسؤولة عن متابعة هذه المقابر وضمان عدم العبث فيها».

وقال ان «كل معالم المقبرة وأي جزئية منها مهما كانت بسيطة هي دليل، وان نبشها والعبث بها يشكل اتلافا للأدلة التي تخص جريمة دولية. كما ينبغي على الدولة القيام بواجباتها بحماية المقبرة، وليس فقط نبشها لحين إتمام إجراءات الكشف عنها، ورفع رفات الضحايا».

واكد ان هناك « الكثير من المقابر لم يتم كشفها او الإبلاغ عنها، فالعمل على كشف المقابر ليس منهجياً، وانما يتم التعامل معه وفق البلاغات التي تصل للجهات المختصة، وحتى الأرقام المعلنة هي تقديرية».

معوقات عديدة

من جهته، قال رئيس مؤسسة حق لحقوق الانسان، عمر العلواني، ان اليوم الدولي للمقابر الجماعية وضع للتوعية بهذه الجرائم ومنع استمرارها، مبيناً ان موضوع المقابر الجماعية مرتبط بأكثر من نمط انتهاك، ويتعلق بحق الحياة وملف الاختفاء القسري والمفقودين، وهو انتهاك مركب. 

وأضاف انه «يتم الإعلان بين فترة وأخرى عن اكتشاف مقابر جماعية وهناك يقيناً مقابر لم تكتشف بعد، ولكن الإعلان عن الاكتشاف لا يعني المباشرة باستخراج الرفات، واخرها اكتشاف 4 مقابر في محافظة الانبار. مشكلتنا تكمن في اننا لا نملك سوى فريق وطني واحد معني بفتح المقابر الجماعية، ومع هذه الاعداد، لا يمكن لهذا الفريق ان يحقق شيئا».

وفصل العلواني بحديثه لـ «طريق الشعب»، أنواع هذه المقابر قائلا: «تتوزع هذه المقابر على ثلاث فئات: الاولى ترجع الى عهد النظام الصدامي الدموي، ومقابر تسبب بها تنظيم داعش الارهابي، ومقابر نتيجة الحروب والعمليات العسكرية».

ولفت الى ان هذا الملف «حكومي بالدرجة الاساس، وحتى المنظمات المعنية بحقوق الانسان، لا يحق لها ان تفتح المقابر او تتصرف بها، كونها تشكل مسرح جريمة واي تغيير او تأثير يعتبر تلاعبا»، مشددا على ضرورة ان «تكثف الدولة اهتمامها وتوفر التخصيص المالي المناسب لهذا الملف، كون يشكل أحد أبرز العوائق التي تحول دون فتح العديد من المقابر».

وأشار الى «اننا بحاجة الى توعية وفهم للسياق القانوني في التعامل مع المقابر الجماعية، فأهالي الضحايا في بعض الأحيان، يستخرجون الرفات عندما يجدون مقبرة جماعية، وينتج عن هذا تلاعب بمسرح الجريمة، وربما تضيع حقوق الضحايا».

ودعا الى «مواصلة تحري مصير الأشخاص المفقودين، وتقديم الدعم للفرق المتخصصة المعنية بتحري وجمع المعلومات عن مواقع تلك المقابر وحمايتها من الفتح والنبش العشوائي، والقيام بفتحها بالطرق العلمية المنسجمة مع التطور الحاصل في كل ذلك والاستعانة بالأقمار الصناعية والاجهزة والتكنلوجيا المتطورة التي توفر معلومات دقيقة عن تلك المواقع، وتسليم الرفات واعادة دفنها وفق مراسيم لائقة، بحسب ما حدده القانون الدولي والتشريعات العراقية».

عرض مقالات: