يعتاش الموسم الانتخابي في العراق على حاجة الناس للقمة العيش، ومعاناتهم من الملف الخدمي في ما يتعلق بالبنى التحتية والفوقية؛ إذ منذ أكثر من شهر، تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي بنشاطات مسؤولين ونواب وشخصيات سياسية، والتي تشمل لقاءات بالمواطنين والاستماع لمشاكلهم، وتبليط أو إكساء شوارع وتنظيم بطولات رياضية وغيرها مما يندرج ضمن الحملة الدعائية المبكرة للانتخابات.
ويبدو أن ما طرحته وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، مؤخرا، من برنامج بشمول آلاف العائلات برواتب شبكة الرعاية الاجتماعية، يشكل دسومة كبيرة لتعبئة الجماهير، في ظل القانون الانتخابي الجديد الذي يعزز المناطقية.
وكان وزير العمل والشؤون الاجتماعية، عادل الركابي، أعلن في وقت سابق عن وجود ما يقرب من مليون و400 أسرة تتقاضى رواتب شبكة الحماية الاجتماعية، لافتاً إلى زيادة تخصيصات هيئة الحماية الاجتماعية ضمن موازنة 2021 بنحو تريليوني دينار، لترتفع بذلك من 3 إلى 5 تريليونات دينار.
وقال الركابي، إن “نخطط لشمول أعداد إضافية برواتب شبكة الحماية الاجتماعية وفق قرار مجلس الوزراء، فضلاً عن إمكانية رفع سقف مبلغ الإعانات للمستفيدين منها”.
حصص لكل نائب؟
وبحسب مصادر مطلعة، فإن هناك حراكا سياسيا بدأ قبل شهر تقريبا، لاستغلال برنامج وزارة العمل في تحشيد الناخبين، عبر تسجيل عوائلهم في برامج الحماية.
وتتحدث المصادر لمراسل “طريق الشعب”، عن “وجود حصص معينة لكل نائب يقدمها إلى الوزارة، ضمن اتفاق سياسي واسع، تحت غطاء تقديم العون للعائلات الفقيرة، التي لا تستطيع غالباً التسجيل على المنصات الالكترونية، لافتقارها إلى التعاطي مع التكنولوجيا”.
ويتفق المرشحون من النواب مع تلك العائلات على التصويت لهم في الانتخابات النيابية المقبلة، مقابل رواتب محتملة في شبكة الرعاية. ورصد مراسل “طريق الشعب”، منشورات في صفحات عددٍ من النواب، تؤكد انجاز معاملات المتقدمين على شبكة الحماية الاجتماعية.
وتذكر المصادر انه “في ظل الاستغلال الحاصل لملف الرعاية الاجتماعية، برزت دعوات لإلغاء التقديم عبر النواب، لإبعاد المؤسسة التشريعية عن أية شبهات أو تنافس انتخابي”.
تبريرات برلمانية
بدورها، كشفت عضو لجنة العمل والشؤون الاجتماعية النائبة نهلة الراوي، عن سبب لجوء المواطنين إلى النواب لتسجيلهم في شبكة الحماية الاجتماعية.
وقالت الراوي في تصريح صحفي، إن “الأسر التي تم شمولها حديثاً في شبكة الرعاية الاجتماعية قدمت منذ العام 2016”، مشيرة إلى أن “البعض منهم قدم الكترونيا والبعض الآخر قدم عن طريق نواب في البرلمان”.
وأضافت أن “كثيراً من العوائل لجأت إلى بعض نواب البرلمان لغرض مساعدتهم في تسجيلهم بشبكة الرعاية الاجتماعية”.
وبررت الراوي ما يقوم به النواب بأن “بعضاً من أعضاء مجلس النواب قام بتسلم معاملات المواطنين، لغرض إيصالها إلى وزارة العمل، بحكم العلاقات التي يتمتع بها النواب في الدوائر والوزارات الحكومية”.
وتساءل عدد من المواطنين عن اسباب تأخر معاملات المتقدمين للشبكة، من الذين لم يقدموا طلبات الى اعضاء مجلس النواب، بينما انجزت غالبية المعاملات المقدمة عبر النواب؟
وتصاعدت مؤخرا التحذيرات من استغلال المؤسسات الحكومية الرسمية، ضمن الماكينة الانتخابية، وتسخير موارد الدولة في الحملات الدعائية، خلال الانتخابات التشريعية المبكرة.
وفي تصريح سابق، حذر رئيس الوزراء، فريقه الحكومي من استغلال وزاراتهم لأغراض انتخابية، فيما أكد أنهم جاؤوا لأسباب خدمية وليس لأهداف سياسية.
ويشكل استغلال موارد الدولة، إحدى أدوات الفساد في المواسم الانتخابية، حيث تلجأ بعض الأحزاب إلى وزرائها في الحكومة، لتمويل حملاتها الانتخابية، أو إحالة عقود مربحة إلى شركاتها الخاصة.
القانون الجديد ينعش الظاهرة
وأكد المحامي والناشط المدني سجاد سالم، أن القوى المتنفذة بدأت مبكرا “تشكيل ماكنات انتخابية، عينت مرشحين لها، وما زالت تبحث عن آخرين، وهي الان تستغل بشكل واضح الملف الخدمي لترويج مرشحيها”.
وقال سالم في حديث لمراسل “طريق الشعب”، ان تلك القوى “تحاول السيطرة على الجهد الهندسي داخل المديريات البلدية والخدمية، وجعلها تحت إمرة مرشحيهم، لتحقيق مكاسب انتخابية”.
واضاف “بما أن هذه الحملات (الانتخابية) مبطنة، وتأتي كجهود خدمية تطوعية، دعونا كناشطين الى متابعة الحكومة للجهد الهندسي في المحافظات، خلال هذا الوقت تحديدا، لتخليصه من سطوة المتنفذين وطموحاتهم الانتخابية غير المشروعة”.
ولفت المتحدث الى “القانون الانتخابي الحالي، بدوائره المتعددة، أحال النواب او من يطمح للوصول للبرلمان، الى مقاولين يستغلون نفوذ الجهات التي تقف خلفهم، للتدخل في ملفات التوظيف كما حصل سابقا، وكذلك الجوانب الخدمية والمقاولات”.
غياب المحاسبة القانونية
فيما ذكرت رئيسة منظمة تموز للتنمية الاجتماعية والمختصة بمراقبة الانتخابات، فيان شيخ علي، أن “استغلال الملف الخدمي يحدث قبل كل انتخابات، وهذا ما أكدناه مرارا في تقاريرنا الرصدية”.
وبشأن امكانية محاسبة هذه الحملات المبكرة قانونيا، أفادت بأن “القانون لم يتحدث عنها بشكل واضح. كما ان فترات الحملات الدعائية الرسمية تتعرض هي الاخرى الى الخروقات”.
ورأت الشيخ علي، أن “استغلال النفوذ والمال العام أصبح سمة بارزة لعمل القوى المتنفذة، خلال الفترات التي تسبق الانتخابات”.
وأكدت أن قانون الانتخابات الجديد “يركز على المناطقية، وهو بذلك سيجعل من النواب معقبين ومقدمين للخدمات، أكثر مما هم مسؤولين عن الجانب التشريعي والرقابي”.