اخر الاخبار

نعرف ان عاطفة الحب تفتح نافذة يطل من خلالها الانسان على ذاته، ثم على الاخر باحثا من خلاله عن معانٍ حقيقية تؤدي للسعادة، تلك التي تشعره بالنشوة التي تتراءى له في أحلامه، ويتمنى وجودها في أيامه، فهو منذ بدء الخليقة يبحث عن سر سعادته. اذن هو يبحث عن مشاعر إنسانيةٍ تحويه وتضعه في موقعه الصحيح، بوجوده في هذا الكون الفسيح، ويعيش العطاءات المثمرة، ويكتشف من خلالها وجودها ذاته، متجلية في مشاعر الحب والصدق والوفاء الإنساني.

ومنذ نهاية القرن الثامن عشر وظهور الاتجاهات التنويرية وتحدياً للانقلاب الصناعي الحديث، وكرد فعل على الكلاسيكية والواقعية في الأدب والنزعة الشمولية السياسية، برزت المسحة الرومانسية في الادب العربي الحديث، جراء ازدياد الاحتكاك بين العالم العربي والدول الغربية الأوربية. وخلال فترة الاستعمار وتدفُّق الهجرات العربية إلى الغرب، برز واضحاً التيار الرومانسي ابداعا ونقدا.

من خلال هذه المقدمة يمكن أن ندخل لقصيدتي الشاعر علي حمودي الخفاجي (بدلة عرس) و(أصابع) لنجد فيها الهموم الانسانية بافراحها واحزانها، الفرح حين اللقاء، وتبادل عاطفة الحب والحزن حين الجفاء، ومع هذا الجفاء، يسطر الشاعر همومه الذاتية التي لاتخلو من خليط الهموم الموضوعية كلها، ليصبها في واحة الحب، ثم الطرف الآخر السلبي وتأثيره في معادلة عاطفة الحب.

يقول الشاعر الخفاجي في قصيدة (بدلة عرس):

(اشتهيتك

ورده تملي اخدودي گمره

اتبوسها اشفاف الشمس

واشتهيتك

سفره يشربني فرحها

ابكاس من گذلة عرس

اوچان ليلي وجهه اسود

جنت اتمنّاك نجمه

اتصيرلي شمعه اوّونس)

فكانت مشاعر الحب تحتضن الشاعر الخفاجي بكل صدق، حيث أماني القرب والألفة والدفء. لكن الصورة الاخرى المقابلة تخدش مشاعر الحب الصادقة المستقرة في ذاته حين يقول:

 (جيتك ابلهفة شبابي

اوقشمرتني

اوعلعلتني

اوچنت ويّايه شرس)

 ورغم هذا يبقى الشاعر وفيا لمشاعره قائلا  (وبقت أحلامي طريه/فصّلت منها صفنتي (بدله بيضه))، وهنا يبدو لنا ان الرومانسية تؤكد بأنها قوة المشاعر والعواطف والخيال الجامح، تكمن بالمصادر الحقيقية والأصيلة للتجارب الجمالية، تخالطها مسحات شتى العواطف الإنسانية، مثل الخوف والرعب والهلع والألم، أي ان هناك خليطا من الهم الذاتي والهم الموضوعي، جعلت منه ان يسهم في رفع شأن الفنون الشعبية والتقليدية إلى درجة اسمى. ولهذا ذهبنا بقولنا انها مشاعر صدق تبتعد عن افكار المثالية، بل هي اقرب الى واقع معاش يحيط بالشاعر الخفاجي، ويسبب له الألم الذي ينغص له ترافة الحب. هذه العاطفة الشفافة التي تمس شغاف القلب، فيحدث صراع بين الهموم الذاتية والهموم الاجتماعية الاخرى، لكن الشاعر الخفاجي يبقى متعلقا بالامل والحلم راكضا نحو الحبيب، الا انه يتفاجأ بالممنوعات بقوله:

(اورحت اركض على جسرك

ثاري جسرك ماي

ويغرّك اعيوني

اوجيت آمد أيدي اعله جتفك

اوكتلي:

ممنوع.  ٠٠٠ اللمس؟!!

إذن الشاعر رغم كل المصاعب يتمنى في قوله:

(زاعلَني اعيون گلبك

جيت اراضي عيونك اوافرح

وذب ثوب الحزن)،

ليبقى الحب، هو الدافع الأساسي، لأي شيء يحققه البشر، فالانسان لا يساوي شيئاً في الحقيقة بدون عاطفة الحب، كونه شيئا عظيما يفعل المستحيلات في العلاقات الإنسانية. والحقيقة من يقرأ كتاب الدكتور عبدالله دحلان، «الحب في خمسين عاماً»، يكتشف أن الحب يصنع المستحيل، لأنه يحقق الاستقرار، والنجاح في الحياة العملية والاجتماعية، والسعادة الدائمة، ويقوي عملية التحدي في صناعة المستحيل، حيث لا يجيد صناعتها سوى الحب. وصدق من قال: الحب شر لا بد منه، فهو يحمل بذور الثورة ضد ما هو قبيح، لتكون الحياة ويكون الجمال..!!