اخر الاخبار

ياحزبي يا ماي النبع     يبو گلب أخضر

يافرحة بعيون الشعب    وي العمر تكبر

كثيرة هي الأغاني والأناشيد التي كتبها ولحنها خيرة مبدعي شعبنا، وفاءً منهم للمسار المفّعم بالتضحيات الشاقة، والمتفرد في صدقه وعذوبته، مسار الحزب الشيوعي العراقي. لكن كلمات هذه الأغنية ظلت الأقرب لروحي، وبقيت أرددها بزهو، لاسيما حين يأخذني الحنين لرفاقي الذين سطعوا شموساً في الزنازين، أو للخلايا السرية التي علمتنّا كيف نحبو ثم نسير في هذا المسار الجميل.

ولعل سر تميّز هذه الكلمات البسيطة، إنما يكمن في تعبيرها الصادق عن الواقع، فقد مثّل الحزب طيلة 87 عاماً من تاريخ العراق نبعاً يروي ظمأ الحالمين بوطن خال من الجوع والعذاب، وطن عصّي على الغزاة والشقاة والطغاة، تتناغم في سماواته ألوان وأطياف وأحلام بنيه ويغمرهم بدفء الإنتماء اليه.

كما مثّل الحزب فرحة مستدامة للعراقيين، مذ أطلقته الحناجر أنشودة أمل للأجيال المتتالية، ومذ صارت شعاراته وبرامجه، دليل عمل ونجم هداة لكل السائرين على طريق الخلاص من العبودية والإستغلال والقهر الطبقي، ومذ صارت شموع ميلاده، التي أُضيئت في السجون وغرف الإعدام، في أعالي الجبال وعلى ضفاف الأهوار، في بيوت الطين وفي ليالي الغربة والمنافي القاسية، فرحة متواصلة للعراقيين، فرحة تمزق حجب التخلف وتذكي جذوة النضال، فرحة تشرق كل صباح من فكر إنساني يمنح الناس إقامة مجدية في الأرض، فرحة تشرق من إرادة أصيلة لا تنضب ولا تلين، تتكسر عندها سياط الحزن، وتشمخ فيها القامات بعيداً في فضاءات الجمال، ويسترخص بها عشاق الحياة أرواحهم لتدوم البسمة على الشفاه الظامئة ولتعود للبشر أدميتـُهم المستلبة.

واليوم، ونحن نحتفل بالعيد السابع والثمانين، أعيد الترنم بالأغنية، فخوراً ثانية بما يقدمه الشيوعيون من مآثر نضالية، للخلاص من نظام المحاصصة والفساد، من الخراب الشامل الذي يرزخ تحت وطأته الوطن، من القمع والإرهاب وضياع الحقوق، من الفقر والتباين الطبقي المريع، من التمييز الطائفي والإجتماعي والأثني والديني، من إدعاء تمثيل الناس زوراً وقسراً وإعتماد العنف لتقويض إرادتهم ومصادرة مستقبلهم وأحلام أطفالهم، من تغييب المرأة وهدر حقوقها العادلة وتعريضها لأبشع أعراف القهر الموشاة بأردية مقدسة، من غياب الخدمات الأساسية وتخلف التعليم والصحة، من البطالة وضياع فرص الشباب في بناء حياة كريمة، من تدهور الإقتصاد وتخلف الإنتاج الزراعي ونهب قطاع الدولة وتخريبه وتحويل القطاع الخاص ملجأ للطفيليين واللصوص والبيروقراطيين المرتشين.

واليوم، وأنا أحتفل في العيد، وأستعيد زهو نصف قرن في مدرسة هذا الحزب،  يحق لي ولكل العراقيين أن نجّدد اليقين بغد جميل، لا مكان فيه للتنظيمات الإرهابية والمجاميع المتطرفة المسلحة، للقوى الفاسدة والمتحاصصة، لطوابير المواطنين التي تقتات على أزبال ناهبي قوت الشعب، للمعتاشين على الإستقطاب الطائفي، لمشعلي الحروب الأهلية، للساعين إلى تمزيق وحدة البلاد، لقهر المبدعين وتكميم الأفواه، لتزييف الحقائق، للإعلام المضلل والجحوش الإلكترونية، لغياب العدالة الاجتماعية، للشوفينية والتجهيل والتجويع والإغتراب، لإستلاب العقل ومشاعر التعصب والجمود والعزلة.

نعم ، يمكننا ايضاً، وبثقة أن نرى الغد مشرقاً، مهما إشتدت حلكة الظلمة، أن نفتخر ونثق بحزب الشيوعيين، أصحاب التاريخ الوطني الناصع والأيادي البيضاء، ممن لم يسفكوا دماً ولم يحوسموا مالاً ولم يرفلوا بعطايا الجيران والأعدقاء، فهم من سيعيد للهوية الوطنية ألقها، من يمّهد ساحة للحوار الوطني البناء، بديلاً عن الريبة والقلق والتشّظي، من يستبدل سياسات التجهيل بثقافة التحديث والتغيير، من يعيد للعراقيين حقوقهم بثروات وطنهم ويعيد توزيع تلك الثروات بطريقة منصفة، من يؤسس على التنوع غداً، يكون الجمع فيه إختياراً لا إمتثالاً، من يعيد للعراق بهاءه المفتقد، ويستبدل الأسى الذي أثقل روحه بفرحة مستدامة و متكئا ظليل.

وكل عام والحزب والعراق بخير.

عرض مقالات: