اخر الاخبار

في صالات الولادة داخل المستشفيات الحكومية، وحتى الأهلية، تبدو النساء الحوامل ومرافقوها في وضع لا يحسدون عليه، بل عليهم أن يكونوا أكثر سخاءً، لتجاوز تلك الساعات العصيبة، التي قد تنتهي خلالها، حياة المريضة، ما لم يدفعوا تلك الرشى التي أضحت عرفا، قبل دخول غرفة العمليات وبعدها. ووثقت “طريق الشعب” لحالات وقصص محرجة، واجهها المراجعون الى المستشفيات، والتي كان أبطالها مشرفات على صالات الولادة، يمارسن الاعتداءات الجسدية واللفظية والابتزاز مع المرضى. وبحسب مراقبين فإن “الرشوة والبخشيش والاكرامية اصبحت ظاهرة طبيعية في المستشفيات”.

وتقول امل حسين في حديث مع مراسل “طريق الشعب”, “ذهبت مع زوجة ابني الحامل الى مستشفى في اطراف بغداد. وبعد فحص المريضة قررت طبيبة الاستشارية إدخالها الى صالة الولادة، وتم سحب الدم منها لغرض التحليل، وطلب مني الذهاب الى مصرف لتحضير أكياس الدم، اذا ما احتاجت المريضة اليها، وعند عودتي اخبرني الموظفون ان مريضتي خرجت من صالة الولادة، تبحث عني”.

 

دخول صالة التوليد بـ50 الف دينار 

وتضيف حسين أن “الممرضات المشرفات على صالة الولادة قمن بإخراج زوجة ولدي من صالة الولادة وهي في حالة مخاض، لأنهن كن قد طلبن منها مبلغ 50 الف دينار مقابل توليدها, ما اضطرني الى إعطائها المبلغ واعادتها الى صالة الولادة من جديد”.

وتقول حسين، ان هذا المشهد أثار الذعر فيها.

وبعد خروج المريضة من غرفة العمليات، كان هناك عدد من الممرضات يحوّطن سريرها. إحداهن كانت تحمل الرضيع. جميع هؤلاء النسوة يطالبن بـ”الاكرامية”، فلم يكن أمام أمل حسين سوى خيار ارضائهن، خشية على حياة زوجة ابنها وحفيدها. وتؤكد المتحدثة، انها دفعت لهن 65 الف دينار. وتشير الى أن اجراءات “فحص الدم اثبت اختلاف دم الطفل عن أمه، ما توجب عليها شراء ابرة اختلاف الدم من خارج المستشفى بمبلغ 120 الف دينار”. أما فاطمة كاظم فتقول لـ”طريق الشعب”، انها دخلت الى صالة الولادة في احدى مستشفيات مدينة بغداد “وعند فحصي تفاجأت بان القابلة المشرفة على توليدي تسألني (وين الفلوس), فهمت ما تقصد، عندها قمت بإعطائها مبلغ 40 الف دينار، مقابل توليدي”.

تقول كاظم، ان “تكلفة عملية الولادة في المستشفيات الحكومية (الجناح العام) تصل الى 200 الف دينار. وجميعها تذهب الى الرشاوى”، برغم تشديد ادارات المستشفيات على مكافحة ذلك ومنعه، وتهديد مروجيه بالعقوبات.

 

طرق مختلفة للابتزاز

المواطنة وفاء حسين، تروي تفاصيل دفعها الرشوى مقابل دخول ابنتها الى صالة الولادة في مستشفى في مدينة الصدر, لـ”طريق الشعب”, قائلة: “عند وصولي للمستشفى رفضت الطبيبة ادخال ابنتي الى صالة الولادة بحجة عدم وصولها للمخاض”.

وتضيف، “لدى خروجي الى باب المستشفى، تقدم نحوي احد حراس المستشفى، واخبرني عن معرفته باثنتين من القابلات في صالة الولادة، ستتكفلان الامر اذا ما وافقت على دفع مبلغ 50 الف دينار لهما”.

ولم تدخر وفاء دقائقَ قبل وضع المبلغ داخل فايل لتقوم بتسليمه للحارس ومنه الى الممرضات. وحينها تمت المناداة عليها لتدخل صالة الولادة في أقل من ساعة.

وتؤكد وفاء حسين، “من المستحيل دخول اي امراة حامل الى صالات الولادة في مختلف المستشفيات الحكومية من دون قيامها بدفع رشاوى للممرضات المشرفات على صالات الولادة”، حسب قولها.

وتكمل وفاء حديثها بأنه “وإذا ما أجبرت الممرضات على ادخال المريضات الى صالات العمليات، فلم يكن امامهن سوى تعنيف المريضة جسديا ولفظيا”.

 

تعسر الولادة

 وقصّ المواطن ماجد جبار لـ”طريق الشعب”, ما حدث مع زوجته من مشهد مأساوي، كاد يفقد معه شريكة حياته، قائلا “ذهبت رفقة زوجتي الى مستشفى حكومي، عند وصولها الى مخاض الولادة، وهناك قامت الطبيبة بفحصها وادخالها الى صالات الولادة, لكن الممرضات في صالة الولادة طالبن إياها بمبلغ معين مقابل رعاية وتسريع عملية ولادتها، فخرجن معها الى باحة المستشفى، ما اثار الامر حفيظة احدى الموظفات، التي استفسرت عن حالتها، فعلمت سبب خروجها من صالة الولادة، وقامت باستدعاء الممرضات, وتهديدهن بالعقوبة اذا ما تكرر الامر”.

ويقول جبار، انه كان ضحية هذا الشد بين الموظفة والممرضات، لأن زوجته تركت جانبا، الامر الذي نتج عنه تعسر في الولادة، لم تتمكن معه من الانجاب، الا من خلال عملية قيصرية.

ويضيف جبار, انه قدم “شكوى على الممرضات المتسببات وما زلت بانتظار اجراءات المستشفى”، مشيرا الى انه “في حالة عدم معاقبتهن سوف اذهب الى المحاكم المختصة، كون زوجتي تعاني من اضرار جسدية كبيرة بسبب افعال هذه الممرضات”.

 

غياب الرقابة

وحاول كثير من المسؤولين في الدوائر الصحية مقاطعة أسئلة “طريق الشعب” عن تلك الظاهرة، التي نفى بعضهم وجودها في المستشفيات، بينما رفض آخرون الحديث عنها.

مصدر طبي، رفض الكشف عن هويته، تحدث لـ”طريق الشعب” عن اسباب استفحال هذه الظاهرة في المستشفيات الحكومية, قائلا ان “البخشيش او الاكرامية او الرشوة ظاهرة طبيعية في المستشفيات الحكومية، وحتى الاهلية، وينتهجها اغلب المراجعين والموظفين بدون حياء, بل ان البعض يذهب لاعتبارها جزءا من الكرم”. ويؤكد ان كثيرا من الممرضين يرهنون رعاية المرضى بـ”الاكرامية، التي اصبحت عرفا في كثير من دوائر الصحة”.

ويعزو المصدر استفحال هذه الظاهرة في صالات الولادة الى “غياب الرقابة عن هذه الصالات وعدم تواجد الاطباء في داخلها، والاكتفاء بمتابعة الامور من خلال الاستشارية, ما سمح للممرضات وبعض ضعاف النفوس من ابتزاز المواطنين بصورة بشعة”.

ويشير المصدر الى ان “النزاهة تقوم بتوجيه السؤال للمريض عند خروجه من المستشفى هل طلب منك رشوة، ولان المواطن لا يثق بالقائمين على تطبيق القانون، وبعضهم لا يرغب في افتعال المشاكل، يقوم بنفي تقديمه لمبالغ مالية برغم علم الجميع بان ملايين الدنانير تقدم يوميا رشاوى في داخل المستشفيات”.

 

معاناة في صالات الولادة

وتقول عضو منظمة حقوق المرأة العراقية زهراء التركي لـ“طريق الشعب”، ان “هناك من تلطخ معطفها ببقع مظلمة”. وتضيف “يبدو ان ملائكة الرحمة اختفت في صالات الولادة”.

وتقول التركي، ان منظمتها أشرت في وقت سابق كثيرا من الخروقات في المستشفيات الحكومية “كثير من النساء تلقين صفعات وتعرضن لألفاظ معيبة”.

وتضيف التركي، ان “احدى النساء تعرضت الى الطعن بالمقص في ساقها، من قبل احدى الممرضات”.

وبحسب التركي، فان القصص والروايات “دفعت الكثير من الميسورين الى مستشفيات القطاع الخاص لتفادي خروقات كهذه. بينما يضطر الفقير للتعايش مع هذا واقع أليم”.

عرض مقالات: