اخر الاخبار

في مجمع معامل طابوق النهروان تتجسد انتهاكات حقوق العمال بأبشع صورها. فعلى الرغم من ان هناك قوانين نافذة تضمن حقوقهم، إلا أن لا سلطة للقانون على ارباب العمل، الذين يشكو العاملون معاملتهم السيئة لهم.

ويعاني العمال في هذا المجمع من مظلومية كبيرة وتهميش لأبسط حقوقهم، منها غياب شروط الصحة والسلامة.

ونظم العمال وقفة احتجاجية أمام معامل الطابوق، رفعوا خلالها جملة من المطالب، بضمنها: شمولهم بقانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، فضلا عن زيادة أجورهم مقابل ما يقدمونه من أعمال قاسية، وتحديد ساعات العمل، كونهم يقضون قرابة 16 ساعة في أعمال قاسية بين إخراج الطابوق من الأفران وتحميله الى الشاحنات، مقابل أجور زهيدة.

مطالب مشروعة

تقول عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات عمال العراق، كوريا رياح، انهم يعملون على تفعيل دور النقابة في هذه الأماكن، كونها الجهة الوحيدة المعنية والمسؤولة عن الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم وحمايتها، مردفة “للأسف فان الجهات المسؤولة هنا لا تسمع مطالب العمال، ولا تستجيب لهم”.

وتضيف ان “هؤلاء العمال لا يملكون ضمانات حقيقية، ولا تتم مراعاة شروط الصحة والسلامة المهنية، ولا قانون يحميهم، ولا تلتفت الدولة لهم ولمصالحهم، لذلك لجأوا للتظاهر وتنظيم الاضراب”.

وتبين رياح ـ وهي مشرفة على نقابة البناء والاخشاب ـ قائلة: ان “مطالب العمال بسيطة، وتبدأ من تطبيق قانون العمل، فقانون العمل رقم 37 لسنة 2015، أكد أن أجور العامل غير الفني 350 ألفا، بينما هؤلاء العمال يطالبون بـ 200 ألف دينار”، مضيفة أن “قانون العمل يحدد ساعات العمل بثماني ساعات، بينما هؤلاء العمال يعملون 14 ساعة في ظل ظروف قاهرة لا تصلح للعمل الآدمي، ويتقاضون في مقابل ذلك 4 الاف دينار فقط لكل عامل”.

وتابعت النقابية حديثها لـ”طريق الشعب”، موضحة انه “منذ يومين قامت دوريات لا نعلم لمن تعود تحديداً: شرطة اتحادية او استخبارات، باعتقال عدد من العمال من أماكن عملهم وبيوتهم، وتتهمهم بالتجاوز وانهم مخربون، وبواقع الحال هؤلاء العمال بسطاء يتظاهرون بسبب الجوع والظروف القاهرة. ولا نعتقد انهم عنفيون، ولكن هناك أشخاصا يدفعهم ارباب العمل من اجل شيطنتهم وتشويه صورتهم، أي انهم اجراء ضد هؤلاء العمال”.

وتزيد رياح على حديثها مؤكدة ان “الدولة تستهين بمواطنها ولا تحترمه او تحميه، وما يحدث مع العمال في معامل طابوق النهروان هو دليل دامغ على مدى اغفال المعنيين لواقع هذه الشريحة ومعاناتها”، مشددة على ضرورة ان تفعل “وزارة العمل مكاتب التفتيش، وان ترسل مفتشيها الى هنا لتتطلع وتتعرف الى واقع العمال؛ فهؤلاء العمال لا يعلم أحد ما يتعرضون له من اضطهاد”.

وخلصت الى انه “يجب ان يتم شمولهم بقانون الضمان الاجتماعي وانفاذ قانون العمل، واحترام حريتهم بالتظاهر، ومن هذا المكان نعلن عن تضامننا مع العمال ومطالبهم وندعو الى التضامن معهم؛ هنالك شخصيات وجهات مستفيدة خلف هذه المعامل وتغتني على حساب موت هؤلاء الشباب”.

اعتقال 7 عمال

وفي ما يخص الاعتقالات التي تعرض لها عدد من العمال، أكد رحمن داغر، وهو أحد العاملين، تعرض أولاد أخيه للاعتقال. وقال انهم نظموا حملة لتبليغ العمال في المجمع بموعد الوقفة الاحتجاجية التي سينظمونها. وبعد ذلك سرعان ما جاءت سيارات قوات الامن واعتقلت عددا منهم، والان ينتظرون إحالتهم الى محكمة النهروان.

وقال داغر “عندما اعتقلت السلطات الأمنية عاملين اثنين، حاول ثالثهم الهرب من قبضتهم، فذهب مسرعاً صوب رب العمل لكي يحتمي به، لكن الأخير سلمه إلى عناصر قوات الأمن، فقام أحدهم بضربه على رأسه، وسقط على الأرض فاقداً الوعي، ومنعونا من إسعافه أو التقرب منه. وعندما غادروا قامت مجموعة من العمال بنقله إلى مستشفى النهروان”.

وتابع روايته لـ”طريق الشعب” قائلا: “عندما وصل المسعفون والمصاب الى المستشفى وعلمت الشرطة بهم، عملت على ملاحقتهم، والقت القبض على أربعة عاملين من المسعفين، لتكون الحصيلة 7 عمال معتقلين في مركز الشرطة”.

واكد داغر انهم لا يطالبون “سوى بحقوق ضمنها لنا القانون، ولا نمارس الا حريات كفلها الدستور لنا. لا اعتقد ان هناك بشرا يستطيع العمل في ظل درجات الحرارة الحارقة وبأجور لا توازي حجم مخاطر وصعاب هذا العمل. ومع كل هذا أرباب العمل لا يهتمون لما نطالب به من حقوق هي في واقع الحال ادنى من حقوقنا القانونية”.

ساعات عمل طويلة

وعلى صعيد متصل، قال العامل صائب عبد، ان مجمع طابوق النهروان يعد من أكبر مجمعات الطابوق في البلاد، وجميع المعامل فيه هي غير حكومية، ولا تلتزم بالقوانين والتعليمات النافذة، وان هناك مظلومية كبيرة واضطهادا كبيرا يتعرض له العمال بشكل متواصل.

وأضاف قائلا لـ “طريق الشعب”، ان هذا “المجمع يضم حوالي 530 معملا، وفي كل معمل هناك ما يقارب 400 عامل، حقوقهم منتهكة ومسلوبة؛ فالعامل الواحد لا تتجاوز أجوره 150 ألف دينار في الأسبوع. بينما يبدأ عمله من الساعة 12 بعد منتصف الليل وحتى الساعة 1 ظهرا. والبعض الآخر يعمل من الساعة 4 صباحاً، وحتى الساعة 10 ليلاً. وفي كل الأحوال فإن ساعات العمل طويلة وظالمة بحق الإنسان”.

ولفت في سياق الى ان “العامل في هذا المجمع لا يمكنه ان يعترض او يعبر عن رأيه او يرفض الظلم الذي يتعرض له، على الرغم من أن أغلب مطالب العاملين ليست كبيرة، او صعبة التحقيق”، مبيناً انهم عادة ما يطالبون بـ”توفير ضمان صحي واجتماعي للعمال، وتحسين أجورهم وتوفير سكن لائق، وتحديد ساعات العمل بما يفرضه قانون العمل، وتوفير الماء الصالح للشرب وللغسيل؛ فالماء الموجود ملوث. وهذه مطالب ليست تعجيزية”.

أجور زهيدة

إلى ذلك، قال العامل محمد حسين انهم يتقاضون أجورا ليست من استحقاقهم. وبحسب ما افاد به فانهم يتقاضون 4000 دينار عن تفريغ السيارة الواحدة، بينما الاستحقاق الفعلي هو 7000 دينار.

وزاد على حديثه مع “طريق الشعب”، بالقول انه “لا يتم توفير أدنى متطلبات العمل وسط الظروف الصعبة فالماء غير صالح للشرب ولا يصلح للتغسيل، ولا توجد أيام استراحة وعطل ومن هذا المنطلق نطالب بان يكون يوم الجمعة هو عطلة للعمال”، مؤكداً ان “ذروة عملنا هي في فصل الصيف. وأن ظروف عملنا اقل ما يقال عنها انها صعبة، فنحن نفرغ الطابوق من داخل فرن درجة حرارته عالية جداً، تحت لهيب الصيف الحارق”.

وأشار إلى أن حقوقهم “مسلوبة ومنتهكة، وكل هذا يحدث امام انظار الجهات المعنية، التي لا تتحرك او تدافع عنا وعن مصالحنا. ولهذا السبب سنعمل على تنظيم الإضراب وإدامته حتى تحقيق مطالبنا وانتزاعها بسلمية”.

يرفضون زيادة الأجور

من جانبه، قال العامل منتظر مجبل، “اننا الاكثر مظلومية بين العمال. هنا في هذه المعامل درجات حرارة مرتفعة جداً. ولا ماء ولا بيوت لائقة بالسكن. وهناك نساء حوامل يعملن في هذه الظروف القاهرة، ووسط هذا كله، لا يبالي ارباب العمل بأي شيء، انما يتعاملون معنا بعدائية، ويسخفون مطالبنا المشروعة”.

وأضاف في حديثه مع “طريق الشعب”، ان ارباب العمل مطمئنون لأنهم يعرفون جيداً ان العمال لا يملكون فرصة عمل أخرى، لذلك هم متأكدون من انهم سيعملون رغماً عنهم مهما كانت الظروف وبأي أجور كانت. وان اعترض العامل يواجهه “الملاج” بعقوبة الطرد بدون ان يناقشه او يسمعه حتى، وفقا لقول مجبل.

ونظم منتظر ورفاقه مؤخرا وفداً وذهبوا الى صاحب المعمل من اجل زيادة أجورهم لكنه واجههم برفض شديد، وقال “إذا كانت الأجور لا تعجبكم اتركوا العمل. انا اليوم أضربت عن العمل، ورب العمل كان قد هددنا في حال قمنا بتنظيم إضرابا أو خرجنا بتظاهرة، فإنه سيقوم بطردنا. ومع ذلك لدينا إصرار على انتزاع حقوقنا”.

واختتم مجبل حديثه بـ”مناشدة رئيس الوزراء ووزير العمل والشؤون الاجتماعية، من اجل ان ينظروا بعين ابوية لمطالبنا، وتحمل مسؤوليتهم والايفاء بما وعدوا به من حماية حقوق المواطن واحترامها”.

عرض مقالات: