من المفترض أن تطلق وزارة الصحة الأسبوع الجاري “تعليمات جديدة” تستهدف تنظيم سوق العمل الدوائي في القطاع الخاص، وتوفير “دواء آمن خاضع للشروط الصحية”، لكن مراقبين ومعنيين أكدوا أن هذه الخطوة ستبقى “منقوصة” ما لم تتم السيطرة على منافذ الفساد، وضبط المنافذ الحدودية.

خلال 10 ايام

وقال وزير الصحة صالح الحسناوي، في تصريح رسمي، الاسبوع الماضي، إن “مجلس الوزراء أصدر قراراً بشأن الأمن الدوائي الصادر بالاتفاق مع ممثلي نقابة الصيادلة ورابطة المكاتب العلمية وبعض أصحاب المكاتب إضافة الى رئيس لجنة الصحة النيابية والمستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء والمستشار الصحي لرئيس الوزراء ورئيس الدائرة القانونية لمجلس الوزراء”.

وأضاف أنه “خلال الـ10 أيام المقبلة ستتم المباشرة بنظام التسعيرة والتتبع الدوائي”.

قرار جيد، ولكن..

وتعليقا على ذلك، قال نقيب الصيادلة العراقيين، مصطفى الهيتي، إن القرار الوزاري “جيد”، وان النقابة تطبقه منذ العام 2014، لكنه يرهن نجاح المشروع بـ”عامل واحد رئيسي، وهو ان يثبت سعر الدولار”.

وأضاف الهيتي، “اذا لم يتم تثبيت سعر الدولار الدوائي، فلن نشهد ثباتا في اسعار الدواء. وكلما كانت تسعيرة الدولار الدوائي ثابتة وقليلة كان سعره مناسبا للمواطنين”.

وزاد نقيب الصيادلة بالقول لـ”طريق الشعب”، إنّ “الدولة إذا سعرت الدولار بـ 1200 دينار للدولار الواحد، فإن هذه التسعيرة، يجب ان تستقر ولا تشهد تغييراً، علماً ان التسعيرة يجب الا تقتصر على الدواء، بل تشمل المواد الاولية ايضاً، ومن دون ذلك لا نستطيع ان نحقق تقدما في ضبط تسعيرة الدواء”.

وأكد الهيتي، ان نقابته تراقب الأسعار لدى القطاع الخاص: “لدينا لجان تفتيشية. وفي السنة الاخيرة أجرينا 14 الف زيارة تفتيشية لمكاتب المذاخر والصيدليات. وهناك عقوبات انضباطية تتراوح بين دفع غرامة وغلق الصيدليات لأسبوعين”، مبينا أن “تكرار المخالفات لاربع مرات يؤدي الى غلق الصيدلية، لكن المشكلة التي تواجهنا هي ان سعر الدولار غير مستقر ويتذبذب، وهذا هو السبب في عدم استقرار اسعار الدواء”.

واختتم حديثه بأنه نقابته تضع يدها بيد الوزارة “لأجل مصلحة المواطن العراقي، ويجب عدم غبن حق الصيادلة؛ حيث يجب ان تكون التسعيرة ديناميكية. وعلى الوزارة الاتفاق مع مجلس الوزراء على تثبيت سعر الدولار، لأنه بخلاف ذلك سيفشل المشروع”.

استيراد حر!

الدكتور فاضل المندلاوي، يجادل بأن “مشاكل الدواء لا يمكن السيطرة عليها بحلول ترقيعية، لأنها مشكلة بنيوية. والتساؤل الذي يجب ان يطرح هو عن كيفية الحصول على الدواء؟”.

ويجيب على ذلك بالقول: ان هناك “مشكلة كبيرة في استيراد الدواء من قبل القطاع الخاص”، مبينا أن “الدواء الموجود يستورد بصورة حرة مثله مثل أي سلعة أخرى، خارج سيطرة السلطات”.

ويواصل المندلاوي حديثه “أن الكثير من الأدوية تدخل عن طريق التهريب، عبر شحنها على أساس انها بضاعة وسلع اعتيادية، وليست دواء”.

وهنا يطرح المندلاوي سؤالا منطقيا: “كيف تسعّر وزارة الصحة هذا النوع من الدواء الذي يدخل بطرق غير مشروعة؟ كيف ستسيطر على تداوله في السوق؟”.

“ماركات دوائية” لا تفحص!

ويشير المتحدث الى أن هناك “ماركات دوائية” لا تخضع للفحص والتقييم عند استيرادها. وبالتالي فانها لن تكون مسجلة لدى الوزارة، مؤكدا “نحن نتحدث هنا عن نسبة كبيرة تتراوح بين 50 الى 70 في المائة من الدواء، تكون غير مسجلة او مفحوصة بصورة رسمية، وهذا يمثل تهديدا حقيقيا للصحة العامة”. ويردف المندلاوي كلامه بأن الوزارة قد تسعّر الدواء المسجل والمفحوص لديها، “لكن ماذا عن النسبة الاخرى من الادوية التي خارج سيطرتها؟”. ويشدد على ضرورة ان يتوقف هذا الانفلات الدوائي من خلال “ضبط المنافذ الحدودية، وسيطرة الدولة على استيراد الدواء للقطاع الخاص”.

ووفقا للمتحدث فإن الشركة العامة للأدوية والمستلزمات الطبية كانت سابقاً مسؤولة عن استيراد الدواء للقاطعين العام والخاص بالتعاون مع نقابة الصيادلة.

ويقترح د. فاضل أن يجري “تشكيل هيكل تنظيمي وهيئة معنية بالدواء والغذاء على غرار الولايات المتحدة الامريكية والاردن ايضا، تكون مرتبطة بمجلس الوزراء، وهي التي تنظم عملية الاستيراد، فهذا الامر له علاقة بالأمن الصحي للمواطنين”.

حلول ترقيعية

أما الدكتور زهير العبودي، فيجد أن أول خطوة يجب ان تقدم عليها الدولة هي “ايجاد البديل للأدوية المهربة والسيطرة على منافذ الفساد”.

ويصف العبودي القرار الحكومي بأنه “فنتازيا”، معللا ذلك بان “الفساد ينخر في جسد الدولة، لدى السيطرة عليه نجد انفسنا أمام حلول كثيرة، ليست ترقيعية ولا مجرد أمنيات”.

وواحد من تبريرات ارتفاع أسعار الدواء، طبقا للعبودي، فان العلاج الذي يدخل بدينار واحد تضطر الشركات لبيعه على المواطنين بأسعار مضاعفة، بسبب دفع اموال كبيرة للمتنفذين؛ جزء منها يذهب لانجاز إجراءات فحص العلاج، بدلا من استغراق وقتا طويلا، وجزء للسيطرات الامنية، وفي المطارات، مؤكدا أن كثيرا من المسؤولين الحكوميين يعرفون بهذا الواقع.

وبناء على ذلك، يستبعد المتحدث السيطرة على تسعيرة الدواء، التي سيتضرر منها المتنفذون.

عرض مقالات: