اخر الاخبار

تنامت مؤخراً، ظاهرة بيع الأعضاء البشرية مقابل مبالغ مالية زهيدة، وتدير هذه العملية عصابات منظمة مستفيدةً من انتشار الفقر والبطالة وقلة الوعي.

ويتعرض ضحايا هذه العمليات إلى النصب والاحتيال من قبل عصابات الاتجار بالبشر، ورغم وجود قانون يجرم الاتجار بالبشر لكن الظاهرة واصلت نموها بشكل خطير، ويعتقد متابعون ومختصون أن أسباب انتشار هذه الظاهرة إلى الفقر والفساد وضعف الأجهزة الأمنية وعدم تطبيق وتشريع قوانين تضمن تطبيق العدالة الاجتماعية.

عروض لشراء الأعضاء

ومن خلال تصفح مواقع التواصل الاجتماعي لاحظنا وجود صفحات عامة تنشر اعلانات عديدة من أجل الحصول على بائعين لأعضائهم البشرية وأهمها الكلى، ونشرت صفحة تحمل اسم «بيع الكلى في العراق»، خلال الشهر الماضي 4 منشورات، عرضت من خلالها شراء الكلى مقابل مبالغ مالية لم تفصح عنها، مشترطين حضور المتبرع مع ولي أمره مقدمين له عرض سكن في فندق راق في أربيل أو السليمانية، ومصرف يومي قدرة 60 ألف دينار، من غير سعر بيع الكلى، وهناك إعلانات أخرى على مواقع الكترونية مثل موقع «للبيع في العراق». والذي عرض سعرا مقداره 13 مليون مقابل الكلى مع تحملهم مصاريف النقل والسكن والمصاريف اليومية.

12 مليون سعر الكلى

ويقول مصدر مطلع في قطاع الصحة، رفض كشف هويته لـ»طريق الشعب»، إن «عملية بيع الكلى تتم من خلال عدة وسطاء بين بائع الكلى والمشتري حيث يحصل البائع على مايقارب 12 مليون دينار عراقي مقابل الكلى الواحدة، فيما تذهب 6 ملايين دينار إلى الوسطاء وعصابات الاتجار في البشر».

ويضيف أن «هناك عوائل كاملة في بغداد ينهشها الفقر يعيشون على كلى واحدة بعد أن قاموا ببيع كلاهم، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل استغلت عصابات الاتجار بالبشر هؤلاء من أجل اقناع غيرهم ببيع كلاهم، وبالتالي تشكلت شبكة واسعة تعتاش على هذه العملية»، مؤكدا أن «الأجهزة الأمنية عاجزة عن القضاء على هؤلاء نتيجة اتباعهم أساليب يصعب على الدولة السيطرة عليها نظرا لضعف الأجهزة الأمنية والفساد المستشري في الدوائر المعنية بمتابعة هذا الملف».

وفي معرض سعينا للوصول إلى هذه العوائل، حدد مراسل «طريق الشعب»، موعدا مع إحدى العوائل التي قام افراد من عائلتها ببيع أعضائهم، وعند انتقالنا إلى المكان المتفق عليه مسبقا، اعتذرت العائلة عن اللقاء وتقديم أي معلومة، ووفقا لمختار المنطقة الذي كان وسيطا في اللقاء، فأن «هؤلاء الاشخاص يخافون من الإفصاح على أي معلومة في العلن رغم علمه ببعض التفاصيل نتيجة لتدخله في حل عدد من المشاكل العائلية والتي كانت بسبب رفض بعض أفراد هذه العوائل بيع أعضائهم ما دفعهم للجوء إليه خوفا من إجبارهم على بيع أعضائهم».

ظاهرة متنامية

إلى ذلك، يؤكد عضو لجنة حقوق الانسان البرلمانية احمد الكناني، أن بيع الأعضاء البشرية ظاهرة متنامية في العراق، وتأتي ضمن مفهوم المتاجرة بالأعضاء البشرية، وهو أمر مرفوض ويحاسب عليه القانون، وهناك عقوبات حيال من ينشط في ملف المتاجرة»، مضيفا أن «المتاجرة بالأعضاء البشرية تستغل الفقر وحالة العوز المادي لاصطياد ضحاياها».

ويدعو النائب، «القوات الأمنية إلى لعب دور في حسم ملف العصابات التي تستغل الضعفاء والبسطاء في المتاجرة بأعضائهم».

وكان المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر كشف في تقرير له في عام 2019، أن «معظم جرائم الاتجار بالبشر بكافة أشكالها تتم عبر صفحات ومجموعات تديرها حسابات وهمية على منصات التواصل الاجتماعي بحرية شبه مطلقة»، مبينا ان «شبكة الاتجار بالأعضاء البشرية تصطاد ضحاياها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليتم نقلهم من العاصمة إلى محافظة السليمانية لإجراء عمليات انتزاع الأعضاء داخل مستشفيات خاصة».

إجراءات أمنية

وحول إجراءات الحكومة في متابعة هذه التجارة غير الشرعية، يقول مدير مكافحة الاتجار بالأعضاء البشرية في وزارة الداخلية العميد وسام الزبيدي، في تصريح تلفزيوني، إن «مفارز وزارة الداخلية المعنية بمواضيع التبرع بالأعضاء موجودة في كل المستشفيات العاصمة بغداد، لغرض متابعة هذا الموضوع»، مبينا أن «عصابات بيع الأعضاء البشرية تعلن عن أعمالها بشكل سري جدا متخذة من مواقع التواصل الاجتماعي مكانا لنشاطها، وتمكنت أجهزتنا الأمنية من اختراقها، و اصدر القضاء احكاما شديدة الردع وصلت إلى السجن لمدة 15 سنة  في 160 قضية».

ويوضح العميد، أن «اغلب الوسطاء هم متبرعون سابقون تستهويهم الفكرة بعد أن وقعوا ضحية في البداية»، مشيرا إلى أن «المنظمات الدولية وضعت العراق في التصنيف الثاني بفضل الجهود المبذولة لمحاربة هذه التجارة».

العقوبة والأسباب والمعالجات

من جانبه، يقول استاذ القانون محسن كريم، لـ»طريق الشعب»، إن «عملية نقل أو زرع عضو بشري من شخص إلى آخر دون مقابل بواسطة عملية جراحية طبية في العراق هو إجراء قانوني سليم يخضع لأحكام قانون تنظيم عمليات زرع الأعضاء البشرية ومنع الاتجار بها رقم 11 لسنة 2016»، مشيرا إلى «وجود قانون آخر يسهم في مكافحة هذه الجريمة وهو قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم (28) لسنة 2012».

ويضيف أن «القانون يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 7 سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة ملايين دينار ولا تزيد على عشرة ملايين دينار كل من استأصل أو زرع أحد الأعضاء البشرية أو أنسجته خلافا لأحكام القانون، ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 10 سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار ولا تزيد على عشرين مليون دينار كل من استأصل عضواً أو جزءًا منه أو نسيجاً من إنسان حي أو ميت أو زرع أو شارك أو كان وسيطا أو قام بالإعلان أو التحايل أو الاكراه بقصد زرعه في جسم آخر خلافا لأحكام نفس  القانون «، منوها إلى «فرض عقوبة السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن عشرين مليون دينار ولا تزيد على أربعين مليون دينار إذا ترتب عن استئصال العضو موت المتبرع» .

ويوضح كريم، أن «هناك مجموعات إجرامية منظمة تنشط بشكل سرّي في مختلف أنحاء العالم مهمتها المتاجرة بالأعضاء البشرية، فظاهرة الاتجار بالبشر هي ظاهرة دولية لا تقتصر على العراق، مستغلة الدول الفقيرة التي تعاني من مشاكل سياسية وأمنية لتنفيذ عملياتها».

ويعتقد كريم، أن «الفقر والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية والتقاعس عن تطبيق القانون وضعف مراقبة الأجهزة الأمنية هي أحد أهم أسباب ظاهرة المتاجرة بالأعضاء البشرية»، مبينا أن «مواقع التواصل الاجتماعي ساعدت في انتشار هذه الظاهرة لأنها تعتبر أكثر أمناً حتى أنه يمكن الآن بيع وشراء طفل أو كلية عن طريق مواقع إلكترونية أو صفحات على موقع الفيس بوك أو عبر الانترنيت الأسود».

ويدعو كريم، إلى «تطوير التشريعات والقوانين المعنية بشكل مباشر وغير مباشر في موضوع الاتجار في البشر من خلال وضع عقوبات رادعة لكل المتورطين في هذه الجريمة، والعمل على تطوير المجتمع من خلال توفير وترصين التعليم  ومكافحة البطالة وتوفير الدعم الحكومي للفئات المسحوقة، وتفعيل الضمان الاجتماعي، فضلا عن وضع برامج تربوية لتعريف المجتمع بجريمة الاتجار بالبشر وآليات مكافحتها وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني»، مشددا على «ضرورة التنسيق بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان من أجل النجاح في القضاء على هذه الجريمة».

عرض مقالات: