اخر الاخبار

في الثامن من آذار 1908 وفي مدينة نيويورك الامريكية كانت مسيرة أكثر من (5) آلاف امرأة يطالبن " بساعات عمل أقصر وتحسين الأجور ثم تشريع حق التصويت، وبعد عام من هذه المسيرة اعتبر الحزب الاشتراكي الأمريكي حينذاك ان يوم المسيرة عيداً للمرأة فتحقق بنضالهن البعض من الحقوق المشروعة، وفي عام 1919 في مؤتمر دولي في عاصمة الدنمارك / كوبنهاكن دعت كلارا زيتيكن بان يكون (8) آذار يوماً عالمياً للمرأة في لك المؤتمر الذي حضرته (100) امرأة من (17) دولة وافق الجميع على المقترح الذي قدمته كلارا.

هذا اليوم الذي أصبح عيداً للمرأة في العالم سجلت فيه نساء العالم تضحيات جسيمة لنيل حقوقهن وقد حصلن على البعض منها بسبب هذا النضال ودعم القوى الخيرة وقوى السلام والوطنية والديمقراطية والاشتراكية ، كيف نبدأ تكبيراً وتقديراً بآذار المرأة أو المرأة آذار هذا التداخل في الشكل والجوهر يدل على وجود المرأة في المجتمع البشري، لا نريد ان يكون حديثنا تقليدياً بل نريد التحدث عن التجديد في المرأة العصرية التي شقت طريقها بواسطة العلم والحضارة لتتبوأ مكانها الطبيعي التي حرمت منه بعد الانتقال إلى نظام العبودية والاستغلال الرأسمالي ، فعلى الرغم من الادعاء بمنح المرأة كامل  حقوقها والتظاهر بالمساواة في الحقوق إلا أن النظام الرأسمالي الاستغلالي لم يمنح  الحريات والحقوق المشروعة للمرأة فحسب بل حتى أن هناك تجاوزاً على الحقوق المشروعة للرجال، إن التدقيق في الحقوق المشروعة وفق الأسس الإنسانية  يتطلب إلغاء النظرة الدونية لقضية المرأة والتي يعتبرونها أقل كفاءة وعلمية من الرجل علما أنها لا تقل كفاءة علمية وانسانية عن الرجل وليس هناك الا فرق اختلاف الجنس، فحقوق الانسان هي ملكية للجميع وهو ان يعيش بحرية دون التعرض للتمييز والتفريق وللعنف الموجه إضافة إلى مجالات الصحة الجسدية والعقلية ، وهناك قضية الحصول على التعليم في المجالات كافة الممكنة جسدياً وفكرياً وقد تكون حقوق الامتلاك والسكن وممارسة الحق في التصويت الانتخابي مع المساواة في قضية حق العمل وتساوي الأجور، اما المشروعية القانونية فقد تضمنها العديد من الوثائق والقوانين الدولية بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 المادة الثانية " حق كل انسان في التمتع بحقوق الانسان والحريات الأساسية دون تمييز من أي نوع كان...الخ" وفي العهدين 1966  اللذين أكدا على الحق المتساوي للرجل والمرأة في التّمتع بجميع الحقوق الواردة في كل منهما (الفصل الثالث في كل عهد.) إضافة إلى وجود قوانين سنت لهذا الغرض في العالم.

عند البحث في وضع المرأة في العراق وحقوقها الإنسانية والقانونية سيجد الباحث الخلل الكبير في هذه الشرعية الإنسانية والقانونية، وعند التدقيق أكثر بدون التأثر بالدعاية الإعلامية الرجعية والظلامية بما فيها الدعاية الدينية سيجد المدقق أن ملايين النساء في العراق يتعرضن للتمييز في مجال الجنس والتنوع في التقاليد الاجتماعية التي خلقت ومازالت تخلق المشاكل التي تؤثر على تطور المرأة كربات بيوت أو عاملات وموظفات وبخاصة تعرضهن إلى العنف المنزلي والجنسي وفي أماكن العمل تدني الأجور وعدم المساواة، إضافة إلى أن الفتيات اللواتي يتطلعن للتعليم وضعت العديد من العراقيل أمامهن لعدم الحصول عليه، أو الحصول على الرعاية الاجتماعية والصحية، إن الضجة حول الكوتا النسائية في البرلمان بالرغم من إيجابيات البعض من الحقوق  لكن الأمر لا يدل على أن القوى المهيمنة على الدولة والقوانين قد تخلصت من عقلية المرأة "ناقصة عقل ودين " ولهذا فعقابها تضمنته القوانين والشرعية الدينية حسب رؤيتهم ورؤية البعض من رجال الدين المهيمنين، فهناك على سبيل المثال العشرات من النساء يقتلن تحت طائلة حجج وتقولات من قبل الأزواج أو الاقربين من الآباء والاخوة ،  فنجد التهميش والتجاهل والتغاضي حتى القانوني تحت طائلة الحجة البائسة " الشرف " فلا حساب ولا عقاب قانوني ولا تحقيق بالاتهامات الموجهة دون أسس مادية لمجرد الإشاعة والاقاويل، ولهذا يحتاج العر اق إلى إصدار قانون محاسبة الحكومة على اهمالها لقضايا الشرف وغيرهما من حالات العنف المنزلي، حيث أشار علي البياتي عضو مفوضية حقوق الانسان في العراق عن وجود ( 15) الف شكوى عنف أُسري خلال عام 2020  "، وفي هذا الصدد عقبت ريزتن شيخ دلير عضو اللجنة القانونية النيابية " هناك عشرات القصص تردنا يوميا عن حالات العنف الأسري غالبيتها تكون تجاه النساء، بالتالي نحن اليوم بأمس الحاجة لتشريع قانون مناهضة العنف الأسري، للحد من هذه الظاهرة، وهي ضمن احصائيات جهات تختص بالعنف ضد المرأة ذكرت نحو وفاة تقريباً ألف امرأة في السنة نتيجة للعنف والقهر الاجتماعي، أما التدقيق في قضايا العمل وأماكن العمل بالنسبة للمرأة العاملة والموظفة فهناك مأساة حقيقية تعيشها المرأة التي تحرم من الكثير من الحقوق وتستغل ابشع الاستغلال المنزلي أو في العمل ، لقد خاضت المرأة العاملة في القطاع الحكومي والخاص والمختلط نضالاً قاسياً في المطالبة بالحقوق المتساوية وتحسين أماكن العمل ووفق قوانين عالمية سنت لهذا الغرض، وبقت قضية الحقوق عبارة عن لغم موقوت قيد أيدي من يريد التفجير والتراجع، وهنا يبرز مفهوم المجتمع الذكوري القائم على عبودية المرأة ويُستغل الإعلام بطريقة ذكية للتمويه حول أحقية المرأة في الحقوق، فمن جهة يعلن خداعاً بحقوقها ومن جهة أخرى يشجع التوجه الرجعي والتخلف تحت طائلة من المقولات الساعية إلى جعل المرأة  أداة طيعة للتنفيذ بدون أي اعتراض بحجة التقاليد والشرع ،وعانت المرأة الكثير من هذه التقاليد المشبعة بالظلامية.

 إن تحرير الرجل من العقلية الذكورية المفرطة بالرجعية هو المفتاح الحقيقي لفتح الباب لحقوق المرأة على مصراعيه، وهذا يحتاج إلى الكفاح المتواصل وعدم المهادنة من أجل سن القوانين لضمان حقوق الأجيال النسائية القادمة لتأخذ دورها في ازدهار التوجه نحو تحقيق المكاسب بخلق وعي نسائي علمي متطور للمشاركة الحية في بناء الدولة المدنية الحديثة.

سيبقى الثامن من آذار رمزاً وطنياً للمرأة التي هي أساس المجتمع البشري وأصل بقائه وديمومته منذ وجود البشر على أرض المعمورة.

عرض مقالات: