اخر الاخبار

مع استمرار الصراع السياسي على تقاسم السلطة والمال والتمسك بنظام المحاصصة المقيت، يتواصل كفاح المواطنين العاطلين عن العمل للبحث عن أي فرصة يؤمنون بها لقمة عيشهم وعائلاتهم.

فما أن نتجول في الطرقات حتى نجد الكثيرين من كبار السن والشباب يفترشون الأرصفة للعمل في مهن مختلفة، منها مهنة غسيل السيارات، التي لا تتطلب من مزاولها سوى معدات بسيطة رخيصة.

واضطر العوز الكثيرين من الشباب، بينهم خريجو جامعات، للعمل في مهنة الغسيل هذه، ومزاولتها في الشوارع العامة وتحت ظروف قاسية مقابل مردود مالي بسيط جدا بالكاد يؤمّن قوتهم اليومي. لكن هؤلاء يواجهون في الوقت نفسه ملاحقات من قبل الجهات المعنية. إذ يتعرضون للمحاسبة والغرامة على اعتبار انهم متجاوزون على الأماكن العامة. 

دلو واسفنجة بدلَ البكالوريوس!

وليد خالد، شاب يتحلى بثقافة ومعرفة تؤهلانه للعمل في مكان يليق بشهادته الجامعية، غير إن ظروف العيش المريرة، يرافقها تفشي البطالة وغياب الدعم الحكومي، كل ذلك اضطره إلى البحث عن أي فرصة عمل، فما كان أمامه سوى مهنة غسيل السيارات!

وليد الحاصل على البكالوريوس في المحاسبة، يقول لـ “طريق الشعب”، أنه “بعد تخرجي في الجامعة حملت شهادتي وطرقت أبواب الوزارات المعنية للحصول على وظيفة، إلا اني دائما ما أواجه بالرفض، تحت ذريعة عدم توفر تعيينات. في حين هناك الكثير ممن دفع رشوة وحصل على تعيين”!

وعن عمله هذا، يقول أنه لا يحتاج إلى رأسمال أو نفقات كبيرة، سوى مبلغ بسيط لشراء المعدات، وهي دلو واسفنجة وقطعة قماش ومسحوق غسيل، مبينا أنه يواجه صعوبات ومعاناة في العمل “فهناك منافسة محتدمة بين العاملين في هذه المهنة، وهم كثر، كل يتسارع للظفر بالسيارة التي تصل إلى محل عملنا”.

وبخصوص المردود المالي من عمله هذا، يوضح وليد أن “أجر غسل السيارة الواحدة يتراوح بين 8 و10 آلاف دينار، أتناصفه مع زميلي الذي يعمل معي، ونحن في أحسن الأحوال نغسل سيارتين في اليوم”!

ترويج للغسيل عبر وسائل التواصل!

كما هو الحال مع السلع والمنتجات التي يتم عرضها على مواقع التواصل الاجتماعي، والترويج لها، يقوم العديد من العاملين في مهنة غسيل السيارات بعرض خدماتهم عبر تلك المواقع، ومن هؤلاء الشاب محمود سعد، الذي يعلن على صفحته أنه يغسل السيارة في منزل صاحبها.

يقول محمود لـ “طريق الشعب”، أن “الظرف الاقتصادي القاسي الذي أعيشه، في ظل غياب فرص العمل، اضطرني إلى مزاولة مهنة غسيل السيارات. فقد بدأت بغسل سيارات أصدقائي ومعارفي في منازلهم، مقابل 10 آلاف دينار عن كل سيارة”.

ويضيف قائلا أن عمله هذا ليس يوميا، إنما يصادف أن يغسل سيارة مرة أو مرتين خلال الأسبوع، لذلك اقترح عليه أحد زملائه بعرض خدماته على مواقع التواصل، كي يحظى بزبائن أكثر.

ويوضح محمود أن مقترح زميله استهواه، فقام بإنشاء صفحة على “فيسبوك” وخصصها للترويج لمهنته، فحظي بتفاعل وتعاطف الكثيرين، الذين صاروا يدعونه إلى غسل سياراتهم بعد أن يرسلوا له عناوين منازلهم، مبينا أنه يستخدم مضخة المياه (الفارة) في الغسيل، إضافة للمكنسة الكهربائية ومساحيق الغسيل وغيرها. كما انه اشترى دراجة نارية كي يتسنى له الوصول إلى زبائنه في الوقت المحدد.

ويؤكد هذا الشاب أن عمله لا يخلو من معاناة وصعوبات “فأحيانا يتصل بي أحدهم ويطلب مني الذهاب إلى منزله لغرض غسل سيارته، وحينما أصل إليه اتفاجأ بأنه غير موجود، فأعود أدراجي متحملا مشقة الطريق! كذلك أحيانا وأنا أزاول عملي تنقطع الكهرباء، ولا أستطيع تشغيل المضخة والمكنسة، ما يتطلب مني الانتظار لحين عودة الكهرباء مجددا، وهذا يستغرق مني وقتا إضافيا”.

غرامة مليون دينار

بالرغم من فرض أمانة بغداد غرامة قدرها مليون دينار على كل من يغسل سيارة في الشوارع العامة، إلا أن ذلك لم يمنع العاملين في هذه المهنة من مزاولة عملهم.

أحد هؤلاء العاملين يقول لـ “طريق الشعب”، أنه “أزاول مهنة غسيل السيارات منذ سنوات طويلة، كي أعيل عائلتي المؤلفة من خمسة أفراد، والتي ظلت بلا معيل بعد رحيل والدي إثر أزمة قلبية”.

ويضيف قائلا أنه “رغم أن مهنتنا مخالفة للقانون والنظام، على اعتبار اننا نتجاوز على الشوارع العامة والأرصفة وأنابيب المياه، إلا اننا مضطرون للعمل فيها، بسبب الفقر والعوز وعدم توفر فرص عمل”.

ويبيّن هذا العامل الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن “أمانة العاصمة تلاحقنا وتمنعنا من العمل وتفرض علينا غرامات، لكننا نستمر في العمل بسبب غياب البديل”، معترفا بأن “غسيل السيارات في الشوارع يؤثر على الأسفلت والأرصفة، وهو في حد ذاته سلوك غير حضاري.. لكن ما من عمل بديل يحقق لنا عيشا كريما!”.